حديث الجمعة

«زينة المتقين – 1» – يوم الجمعة 12 شوال 1446 هـ

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «زينة المتقين – 1» يوم الجمعة 12 شوال 1446 هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق، وأشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي.

اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم.

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

سلسلة أحاديثنا، من اليوم وفي الأيامِ التاليةِ إن شاء الله، ستكون تحت عنوان زينة المتقين، استلهاماً مما ورد في دعاء الإمام السجاد عليه السلام بعنوان (مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال).

وذلك أن الأخلاق تعني سلوك الإنسان مع نفسه ومع خالقه ومع الخلق، ولا يمكن أن يكون ذلك إلا مبنياً على أساس قناعاته التي يتبناها، وعلى وفق هذه القناعات يقدِم على بعض الأفعال، ويحجِم عن أفعالٍ أخرى.

ولما كنا مؤمنين، نعتقد أن ثمة صراطاً مستقيماً، أمرنا الله عز وجل أن نطلبه منه في كل يوم، مرات عدة، حيث نقول: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6].

وهذا الصراط المستقيم لا يُوفق إليه كل أحد، وإنما يُوفق إليه خاصة من الناس. يستثنى من هؤلاء مَن انطبق عليه عنوانان غير مرضيين، يدلان على لؤمٍ في هذا الإنسان، وليس على كرمٍ، كما يسأل الإمام عليه السلام عن مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال.

هذان العنوانان هما: المغضوب عليهم، والضالون من الناس.

الإنسان إذا ضل، وقع فيما يُغضِب اللهَ عز وجل عليه. فكيف نتحاشى الغضبَ؟ وكيف نتحاشى الضلالَ؟

الإمام السجاد عليه السلام، في هذا الدعاء الشريف، يرسم لنا مخططاً مستلهماً من الكتاب الكريم، الذي هو وعترته (صلوات الله وسلامه عليهم) أعرفُ الناس به، والذين هم أئمة الناس، وأئمة الخلق، والذين أمر رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) فيما تواتر عند الفريقين أن يتمسك الناس بهم، لأنهم لا يفارقون القرآنَ، ولا يفارقهم القرآنُ.

وللدخول في صلب الحديث، هناك مدخل نضمنه عددًا من القواعد، نتناولها حسب ما يسمح الوقت.

المدخل يقوم على أساسِ:

1 أن الناس يتفاوتون فيما يطلبون، سواء الصالحون منهم أو غير الصالحين، ومن تظاهر بتدين بدين ما، أو لم يتظاهر به. لاحظوا ماذا يقول الله عز وجل في سورة البقرة عن الذين كانوا يؤمُّون البيت الحرام حجاجاً، لكن كان حجُّ كثيرٍ منهم مختلاً، ليس على دين الله عز وجل، وهناك مَن تدين لله بدين الحق، فهداه الله عز وجل إلى الصراط المستقيم قولًا وعملًا. يقول عز وجل ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200].

الآن يأتي التصنيف: يقول تعالى: ﴿.. فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: 200] . لا تعنيه الآخرة من قريب ولا من بعيد، كلُّ همِّه هو أن يعيش في الدنيا سعيدًا حميداً، أما الآخرة فلا نصيب لها من اهتماماته. والله عز وجل يسوق لنا هذا في مقام الذم، وأن هؤلاء ضالون، قد ينتهي بهم الحال إلى أن يكونوا من المغضوب عليهم.

{.. وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} أي نصيب.

ومنهم الشريحة الأخرى، الذين يقولون ﴿.. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201]. في مقام الإشادة بهؤلاء، يبين أنهم متوازنون في طلباتهم، نظرتهم سليمة، يعطون لكل من الدنيا والآخرة ما تستحق من الاهتمام، لا يقدمون هذه على تلك بدون وجه مشروع.

﴿أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [البقرة: 202] قد يكون إشارة إلى الفريقين، الفريق الأول نال ما أراد في الدنيا فقط، ولم يطلب شيئاً من الآخرة لا يعطيه حظاً ولا نصيباً في الآخرة. أما المؤمنون فقد أرادوا الحسنة في الدنيا والحسنة في الآخرة، يعني أرادوا أن يكونوا من المحسنين، والله عز وجل يقول ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134].

والإحسان كما تقدم منا نوعان: إحسان في الفعل، وهي مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال، وإحسان في الذات، أي أن نياتهم وذواتهم حسنة. الله سبحانه وتعالى يوفقهم لترجمة هذا الحُسن في الذات على مستوى الحسن في الأفعال، فلا يقول إلا ما يليق به وما يناسبه وما يصب في مصلحته.

لماذا نحتاج إلى التقوى؟

وهنا يأتي سؤال: لماذا نحتاج إلى التقوى؟ حتى استحب شرعًا وأُمر بها شرعًا في خطبة الجمعة تحديدًا، بأن نقول: عباد الله أوصيكم ونفسي بالتقوى.

التقوى هي العنوان العريض الذي يفتح لك باب الكرامة عند الله، ليكون الإنسان كريماً، وليتنافس في أن يكون الأكرم، كما قال عز وجل ﴿.. إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ..﴾ [الحجرات: 13]. فالميزان في الكرامة في الدنيا والآخرة هو التقوى.

التقوى هي العنوان العريض الذي يفتح لك باب الكرامة في نفسك لتكون كريماً عند الله عز وجل، وليُفتح لك باب التنافس لأن تكون أكرمَ. حيث قال عز وجل ﴿.. إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ..﴾ [الحجرات: 13].  فالميزان في الكرامة عند الله عز وجل في العاجل؛ أي في الدنيا، وفي الآجل؛ أي في الآخرة هو التقوى. وكلما كان الإنسان أتقى يعني أكثر رعاية لتقوى الله عز وجل في ذاته، وفي قوله، وفي فعله، في علاقته مع نفسه، في علاقته مع القريب، في علاقته مع الغريب، في علاقته مع الصديق، في علاقته مع العدو. كلما كان أتقى، كان أقربَ إلى الله عز وجل، وأجدرَ بأن يؤتيه الله عز وجل ما يناسبه من الصلاح والفلاح في هذا الباب.

يقول الله عز وجل في القرآن: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ [الأعراف: 26] . يعني إذا كان الناس تهتم بألبستهم وهو في محله الاهتمام المناسب فلا يرتدي الإنسان الذي يحترم نفسه إلا اللباس الذي يتجمل ويزين به نفسه بين الناس، والله يدعونا إلى لباس أشرف، هو لباس التقوى، لأنه زيه وهو زينته التي تقربك إلى الله سبحانه وتعالى.

الآن نستعرض عدداً من القواعد:

وقد ذكرنا أن التقوى هي السعي الحثيث في جلب المنافع ودفع المضار، عنوان عريض ينتظم فيه كل عمل حسن، ويندفع منه ويخرج منه كل عمل قبيح، سواء ما ظهر من الأفعال أو ما بطن من الأفعال.

أما القواعد:

القاعدة الأولى: الدنيا دار امتحان، وليست دار قرار، دار القرار هي الآخرة.

لذلك يخطئ، ولا يكون من المتقين، من يبني حساباته كلها على أساس أن الدنيا هي نهاية المطاف. الدنيا هي محطة صغيرة وسريعة جداً في حياة تطول ولا تقصر. الله قدّر للبشر الخلود في الآخرة، إما في الجنة إن كان من المتقين، أو نعوذ بالله يبتلى بالخلود في النار إن لم يكن منهم.

النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، في وصية عظيمة لأبي ذر، قال: يا أبا ذر، إنكم في ممر الليل والنهار(). هذا يعني أن الليل والنهار هما النفق والطريق والشارع الذي يسلكه الإنسان، وهو الصراط الذي يعبره، سواء شاء أم أبى. فالليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما، كما ورد في حديث آخر، أي: أحسن استثمارَهما.

لا يفرحنَّ أحدٌ بقدوم الليل أو النهار إلا إذا كان قد أحسن استثمار ما مضى منهما.

ويقول النبي صلوات الله وسلامه عليه: يا أبا ذر، إنكم في ممر الليل والنهار، في آجال منقوصة(). أعماركم محدودة، والأجل يتقدم نحوكم في كل لحظة وساعة، أنتم تمضون نحو الموت، والموت يمضي نحوكم. فما أسرع اللقاء، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام.

وأعمال محفوظة() أعمالكم محفوظة، مكتوبة بدقة من قِبَل الكرام الكاتبين، لا يخطئون ولا ينسون ولا يشتبهون، وهذه هي الأمانة التي كلفهم الله بها.

والموت يأتي بغتة() وهذه من لطف الله بعباده، أنه لم يحدد لكل منهم ولم يعلمه حينه وأجله الذي أتيه حتى يضطر الإنسان إلى أن يكون على استعداد دائم في أن الموت قد يفجأه فيحرص على أن يفجأه الموت وقد كان في حال مرضية لله عزَّ وجلَّ لكن لو علم الإنسان أن أجله سيكون بعد أسبوع أو شهر أو سنة، لتسلل الشيطان إليه وقال له: إن عندك مهلة، يتوب من سنتين كما قال قاتل الإمام الحسين عليه السلام().

ومن يزرع خيراً، يوشك أن يحصد خيراً()سنة من سنن الله عز وجل أن من بذر بذرة حسنة، الثمار تكون حسنة، ومن بذر بذرة سيئة، الثمار ستكون سيئة.

ومن يزرع شرًا يوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثل ما زرع().

ماذا يقول الله عز وجل في الكتاب الكريم؟!

﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39] . فقولك سعيك، وفعلك سعيك، ومشاعرك سعيك، كل ما يصدر عنك هو سعيك.

ولذلك كلفنا الله عز وجل، كما ورد في كتابه، بمودة القربى، حيث قال ﴿.. قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ..﴾ [الشورى: 23]. هؤلاء الذين أمرنا الله أن يودوه ويحبوهم هم فئة شهد لهم بالطهارة والنقاء والصفاء. فلو أن الناس أجمعوا على محبتهم، لكانوا من سنخهم، قريبين منهم، يعملون ما يعملون ويتركون ما يتركون.

ونقرأ في الزيارة اللهم إني لو وجدت شفعاء أقرب إليك من محمد وأهل بيته الأخيار، لجعلتهم شفعائي إليك(). الطريق الأفضل هو هذا.

القاعدة الثانية: أن لله عز وجل سننًا قاهرةً

هذا العالم حياتنا في عالم الدنيا محكومة بسنن لا تقل صرامة عن قوانين الكيمياء والأحياء والفيزياء والرياضيات والهندسة، نحن نتعلم هذا في المدارس تعرف أن هذا القانون غير قابل للتغير واحد زائد واحد يساوي اثنين، يكتشف العلماء هذه القوانين في علم الأحياء فيبنون حياتهم على أساسها، أن هذا الحيوان إذا حمل سينتج حيوانا من سنخه، وهكذا.

هناك لله عزَّ وجلَّ سنن قاهرة تحكم حياة الفرد، وسنن قاهرة تحكم حياة المجتمع، لا يمكن أن يخرجوا منها.

لاحظوا ماذا ورد في الحديث الشريف!

لا يُسبق بطيء بحظه يعني إذا قدر الله عز وجل لك رزقاً فلا ينبغي لأحد أن يتوهم أن رزقه الذي قدره الله عزَّ وجلَّ له سيأخذه غيره منه!

رزقك المقضي والمقدر محفوظ لك، فلا داعي لأن تتوهم أن ثمة طريقا غعير مشروع سيجلب لك هذا الحظ والرزق الذي قدره الله لك.

إذا قدر الله لك هذا الرزق، وحدد لك سبيلا للوصول إليه، والحظوة به، فلا ينبغي للإنسان أن يسير في الطرق غير المشروعة.

وهنا تظهر أهمية الفقه والتشريع الديني، فهو الذي يحدد لنا المسارات المشروعة لنيل الرزق، ويمنعنا من الانحراف عن سبيل الله.

فيقول الحديث الشريف: لا يُسبق بطيء بحظه، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له. يعني لو أن الإنسان تباطأ في حركته، لكن الله عز وجل قدّر له حظا، فإن حظه محفوظ له لا يغلبه غيره عليه.

في المقابل، من كان شديد الحرص على الدنيا، فلن يدرك منها شيئاً لم يُقدَّر له. كما قال الحديث: ولا يدرك حريص ما لم يُقدَّر له.

ومن أُعطي خيرًا، فليعلم أن الله هو من أعطاه، وليس كما قال هارون: إنما أوتيته على علم عندي.

لماذا يستحب لنا أن نشكر الله عز وجل على كل نعمة أسديت إلينا؟

حتى يترسخ في وجدانِ كلِّ واحدٍ منا، أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين. كل ما عندك من الخير فهو من اللهِ. ولذلك أُدِّبنا على أن نقول: الحمد لله رب العالمين. الحمد كله، بما فيه الثناء، والمدح، والشكر على النعم الواصلة، كل هذا من الله سبحانه وتعالى، فإنه يقول ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ..﴾ [النحل: 53].

يستحب بعد الأكل أن تحمدَ اللهَ، ثم في مرحلة أعلى وأكثر تربية وترويضا للنفس أن تحمد الله على كل لقمة(). لأن هذه اللقمة لو قدر الله عز وجل أن لا تأكلها، فلن تأكلها. فإذا أكلتها فهو رزقك الذي ساقه الله عز وجل إليك.

وبهذه الطريقة يكون الإنسان مع الله عز وجل، في كل حركة، في كل سكنة من سكناته، يكون مع الله، وبهذه الطريقة يكون (ربانيا) كما قال عيسى، أو كما قال في القرآن الكريم: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: 79] .

يقول: ومن أعطي خيرا فالله أعطاه، ومن وُقِي شرا فالله وقاه.

لذلك إذا تعرض الإنسان لشيء من الأذى، فتجنب ذلك ينبغي أن يقول (الحمد لله). لماذا؟

لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي نجاه منه، ولولا ذلك لكان عرضة للأذى والخطر.

القاعدة الثالثة، حتى نؤجل الحديث عن القواعد الأخرى إلى أسبوع لاحق، وهذا كله في وصية النبي لأبي ذر، وهي من الوصايا العظيمة التي ينبغي لنا أن نقرأها بين الفينة والأخرى، وقد وفقنا الله عز وجل لشرحها وطبعها.

القاعدة الثالثة: أن الصواب بعنوانه العريض غاية منشودة.

فطرة الإنسان مبنية على أنه يبحث عن الصواب، لأن الصواب هو الكمال.

قد يخطئ، حيث يعتقد أن هذا صواب وهو خطأ، أو يعتقد أن الشيء الآخر خطأ، وهو صواب! لكن هذا لا يُخل بفطرته، ومن ثم، لماذا طُلِب منا أن نتفقهَ في الدين وأن نتعلم؟!

فإن الله عز وجل كما جاء في الخبر: إذا أراد بعبد خيرا فقهه في الدين وألهمه اليقين(). لأن الفقه بمعنى العلم بشكل عام، هو الذي يتيح لك أن تحدد الصواب من الخطأ، والحسنَ من القبيح، والخيرَ من الشر، والضالَّ من المهتدي، وهكذا.

فيقول صلوات الله وسلامه عليه: يا أبا ذر، المتقون، سادة، والفقهاء قادة، ومجالستهم الزيادة [أو زيادة]().

العنوان الأول: المتقون سادة، أي أن الله عز وجل يوفق المتقي لأن يسير على نهج الصواب، وبذلك يتسيَّد المشهدَ، كما قال تعالى: إن أكرمكم عند الله أتقاكم. فإذا وفد الناس على الله عز وجل فأوتي كلُّ ذي حظٍّ حظَّهُ، سنجد أن المتقين أقرب الناس إلى الله، وغيرهم أبعد بحسب درجاتهم، وبالتالي المتقون هم السادة الذين يتقدمون المشهد.

ثم يأتي بعد هؤلاء الفقهاء قادة، من الذي صنع المتقين؟ ووفق هؤلاء وأولئك إلى أن يعرفوا أن هذا من التقوى؟ فيجب أن يقدِموا عليه، وأن ذاك خلاف التقوى، وأن يحجِموا عنه؟!

الفقهاء بما يملكون من العلم، فإن الله عز وجل يقول: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ، وبالتالي، المطلوب منا أن نجالس هؤلاء، أي نجالس أهل العلم والمعرفة، لأن مجالسة العالم العامل بركة، وهو شرط مهم سنتعرض له لاحقًا. فليس كل من يحمل صفة العالم محمودًا، ولا كل من سُمّي فقيهاً يُقتدى به.

الفقيه المتقي فأما من كان صائنًا لنفسه، مخالفًا لهواه، مطيعًا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه. هل هذا الشرط يتوفر في كل من صار فقيهاً؟

الجواب: كلا.

كل هذا الظلم الذي وقع عبر التاريخ شُرع وبُرِّر باسمِ العلمِ! غنما شرعه وبره من لبَّسوا عنوان الفقه والعلم، وأصدروا فتاوى باطلة أضلوا بها الناس!

لكن الفقيه المتقي، هو الذي كان شغله الشاغل وهمه واهتمامه أن يهدي الناس إلى التقوى، بل يسعى لأن يكونوا أتقى من غيرهم، وبالتالي فإن مجالستهم بركة، ولا ينبغي لنا أن نفرط في هذا الباب.

نسأل الله عزَّ وجلَّ أن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

اللهم صل على محمد وآل محمد.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن، في هذه الساعة وفي كل ساعة، وليًا وحافظًا، وقائدًا وناصرًا، ودليلًا وعينًا، حتى تسكنه أرضك طوعًا، وتمتعه فيها طويلًا.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واخذل الكفار والمنافقين.

اللهم من أرادنا بسوء فأرده، ومن كادنا فكده.

اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وأغنِ فقرائنا، وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا، ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *