حديث الجمعة

«زينة المتقين – 3» – يوم الجمعة 26 شوال 1446 هـ

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «زينة المتقين – 3» يوم الجمعة 26 شوال 1446 هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الخلق، وأشرف الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

ربِّ اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي

اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم.

عباد الله! أوصيكم ونفسي  بتقوى الله.

عنوانُ حديثِنا في سلسلة أحاديث زينة المتقين سيكون عن (دور الدعاء في التخلق بالأخلاق الحسنة).

ونقدم بين يدي ذلك، ثلاثة مقدمات:

المقدمة الأولى: أن الأخلاق الحسنة  ونعني بها الخُلقَ الفاضلَ من أعظم المنافع التي يرجوها كل عاقل.

المقدمة الثانية: أن الأخلاق السيئة وهي ضدها مما ينفر منه جميع الناس، لأن مضراتها لا تعد ولا تحصى.

المقدمة الثالثة: هي أن الدعاءَ جالبٌ للخير، دافعٌ وطاردٌ للمضار.

وهنا أربع مسائل، وأربع عناوين، سنقف عندها:

العنوان الأول: أن الدعاء كما ورد في الأخبار الشريفة  عبادة، بل من أفضل العبادات.

فقد ورد في قول الله عز وجل في سورة غافر ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60].

هذه الآية بحوثها كثيرة، ويعنينا منها في هذه النقطة: هو أن الله عز وجل أمر بالدعاء، حيث قال ﴿.. ادْعُونِي ..﴾، والأمر كما تقرر في محله عند أهل الأصول يدل على الوجوب ما لم يكن هناك صارف، قرينة صارفة له.

الدعاء يعني الطلب من المخلوق للخالق، لا يكون إلا لله عز وجل، فهو بهذا المقدار واجب. بمعنى أن يُقِرّ الإنسان على نفسه بأنه عبدٌ لله، وأن الله سبحانه وتعالى خالقه، ومولاه، ومالكه، وربه، ومدبره.

وهذه العلاقة الاعتقادية تنعكس على الجانب الأخلاقي والجانب الفقهي.

فلا يمكن للإنسان المؤمن أن يكونَ مؤمناً إلا أن يكون داعياً لله عز وجل، يسأله حاجاتِهِ ومنافعَهُ، ويستدفع منه مضارَّهُ. سواء كان الدعاء باللسان، أو بالجنان، أو بالعمل، لأن الإنسان حينما يعمل هو أيضًا يدعو الله عز وجل.

فالدعاء نوعان:

* دعاء بلسان المقال.

* ودعاء بلسان الحال.

ولذلك، حينما نقوم في الصلاة، يُستحب لنا بعد الفراغ من السجدة الثانية، وعند القيام للركعة التالية، أن نقول بحول الله وقوته أقوم وأقعد؛ للدلالة على أن هذا الفعل، الذي قد يُظن أنه بسيط وهو كذلك دون حولٍ من الله عز وجل وقوة، الإنسانُ يعجز حتى عن أن يقوم!

والشاهد على ذلك مَن يصابون بالجلطات نسأل الله عز وجل للمرضى الشفاء والعافية تخثرٌ بسيطٌ لا يكاد يُرى في الدم، يَجعل الإنسانَ عاجزاً عن النطقِ، ويجعل الإنسانَ عاجزاً عن الحركةِ، بل قد يصل بالإنسانِ إلى أن يكون مشلولاً، وقد يُنهي حياتَهُ في بعض الحالات.

فإذن، الدعاءُ مأمورٌ به، منهيٌ عن تركه، وهو سلوكُ الأنبياء عليهم السلام، فهذه الآية شاهدٌ.

الشاهد الثاني، ما رواه زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال في تعليقٍ على هذه الآيةِ إن الله يقول ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]، قال: هو الدُّعاءُ، وأفضل العبادة الدعاء. قلت [ زرارة يسأل الإمام الباقر عليه السلام]: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [ماذا تعني هذه الآية؟] قال: الأوّاه هو الدَّعَّاء.

وقد ورد في بعضِ الآثارِ أن الله عز وجل يحبُ من الإنسان أن يدعوه حتى على شسع النعل إذا انقطع(). لتأكيد العلاقة، علاقة العبودية في العبد والربوبية في الله عز وجل! بل في بعض الأخبار، أن الدعاء مخ العبادة(). فالعبادات كلها كالصلاة، والصيام، والحج جوهرها هذا المعنى: أنك عبدٌ، وأن الله عز وجل ربك.

فإذن، إبراهيم (عليه السلام) دَعَّاءٌ، وورد في أحوال ووصفات أمير المؤمنين عليه السلام بأنه كان رجلا دعّاءًا()، أي كثير الدعاء.

طبعاً، الدعاء له شروطه، يعني دون الاستجابة فيه موانع. وليس المقصود من الدعاء المطلوب هو أن يقول الإنسان بلسانه وقلبه غافلٌ وساهٍ! بل يجب أن يكون ما ينطق الداعي به بلسانه، معبرًا عما هو مكنون وجدانه.

الشاهد الثالث: قول الله عز وجل حيث يعطينا قاعدة عامة، حتى نربط بين الدعاء والأخلاق لأن أحداً قد يسأل: ما هي العلاقة بين الدعاء والأخلاق؟

الأخلاق المفروض أنها مجموعة مفاهيم ومعلومات، أن هذا خير، وأن هذا شر، أن الصدق حسن، والكذب قبيح، وقِس على هذا جميعَ الفضائل والرذائل.

وفي مرحلة ثانية، يجاهد الإنسان من أجل أن يتحلى بالفضائل، فيكون صادقاً، ويتخلى عن الرذائل، فيتجنب الكذبَ.

ما ربط هذا بالدعاء؟!

الله سبحانه وتعالى يعطينا قاعدةً عامةً، يقول سبحانه في سورة النحل: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ [النحل: 53]. وتجأرون، أي تفزعون وتطلبون وتُلحّون على الله عز وجل.

الأخلاق نعمة، أو ليست نعمة؟!

بلى نعمة! مثل ما أن المال نعمة، فالأخلاق الحسنة خيرٌ للإنسان من المال. ولو خُيّر الإنسان العاقل بين المال والأخلاق الحسنة، إن كان عاقلاً لاختار أن يكون متخلِّقاً، لا أن يكون متمولاً؛ لأن كثيراً من غير الصالحين من أهل المال، لكن يفقدون الخلق الحسن.

ولو أنك صادقت إنسانا، عُرِض عليك أن تسافر مع شخصين: شخص متمول، لكنه سيئ الأخلاق جداً، والآخر فقير لكنه حسن الأخلاق جداً! لاخترت الثاني دون الأول؛ لأن الثاني سيقدم لك من الخدمات والمنافع في سفرك ما لا ترجو تحصيله من الشخص الأول، بل قد يلحقك الأول ضرراً لا تتوقعه من الشخص الثاني!

فإذن، الأخلاق نعمة، وينطبق عليها هذا القانون.

حتى تكون متخلقاً، يجب أن ينعم الله عز وجل عليك بذلك، فتكون متخلقاً.

وبالتالي هل نستغني عن الدعاء؟!

كلا، لا يمكن أن نستغني عن الدعاء. حتى لو عرفنا وكثيرٌ من الناس يعرفون أن الحسد رذيلة، وأن الوفاء فضيلة. لكن كم من الناس يتجنب الحسد ويتحلى بالوفاء؟!

قلة!

قد تقول أن الأول لم يعمل على تجنب الحسد، والثاني لم يعمل على التحلي بالصدق، وسائر الفضائل الصدق والوفاء، وغيرها من الفضائل؟!

الجواب: حتى لو أراد أن يتحلى الإنسان بالفضائل، ويتخلى عن الرذائل، فلا بد له من عون من الله عز وجل. تطبيقا لهذه القاعدة.

من مشاكل قارون وهو نموذج من نماذج الإنسان المنحرف، وقد أوتي من المال خيراً كثيراً! من أرذل رذائله هو قوله ﴿.. إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ..﴾ [القصص: 78]. إذا سئل عن هذا المال!؟ قال هذا من جهد عرقي وخبرتي!!

لا! ليس بخبرتك ولا بخبرة أحد! هذا امتحان من الله عز وجل ساقه إليك.

فإذن، هذه المسألة الأولى.

المسألة الثانية: الدعاء شفاء من كل داء

نحن حينما نسوق هذه الأدلة القرآنية والروائية، ننطلق من كوننا نتعبد بما جاء عن الله عز وجل، وعن رسوله وعن الأئمة، ومنهم الإمام الصادق (عليه أفضل الصلاة والسلام) الذي مرّت علينا ذكرى شهادته يوم أمس.

وعن علاء بن كامل قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) إذا قيل في الروايات أبو عبد الله، فالمراد هو الإمام الصادق عليه السلام -: عليك بالدعاء فإنه شفاءٌ من كل داء().

يعني: المريض يدعو الله عز وجل، يطلب منه أن يشفيه، وإن كُلِّفَ بأن يُراجع الطبيبَ الحاذق؛ لأن الطبيب الحاذق سببٌ ووسيلة. وكذلك في باب الأخلاق، حين يُقال: اقرأ الكتاب الفلاني، احضر الموعظة الفلانية، أو احضر الدرس الفلاني، فلا الطبيب يشافيك! ولا أستاذ الأخلاق يربيك! إنما يشفيك الله، ويربيك الله. فالطبيب وسيلة من وسائل التشافي.

وكذلك التخلق بالأخلاق الحسنة، من وسائله أن تسمع الموعظة، أو أن تقرأ كتابًا في الأخلاق، لكن تحليك بالفضيلة، وانتقالك من المرض إلى الشفاء، فإنما يكون إذا حلت المشيئة الإلهية، وأراد الله أن تكون كذلك.

فالإمام عليه السلام، حين قال: «عليك بالدعاء، فإنه شفاء من كل داء»، والأدواء أنواع: أدواء جسدية، وأدواء نفسية وروحية ومعنوية.

وهذه الثانية أخطر من الأولى؛ لأن الأدواء الجسدية قد تتلف بدنك، أما الأدواء الثانية، وهي سوء الأخلاق، فإنها تتلف دينك، ودنياك، وآخرتك. فالإنسان نعوذ بالله  إذا ابتُلي برذيلة من الرذائل، أغلق على نفسه باب الخير، وباب الرحمة. فإذاً، الدعاء مهم من هذا الباب.

ودعاء مكارم الأخلاق الذين نسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم إلى التجول فيه وغيره من الأدعية يؤكد لنا بكل فقراته، أننا نطلب من الله عز وجل أن يوفقنا، وأن يَمُنَّ علينا بالتحلي بفضائل الأخلاق، ولولا أن ذلك نعمة من الله، نحتاج فيها إلى الدعاء، لما تصدّى الإمام عليه أفضل الصلاة والسلام أن يدعو بأن يمن عليه عز وجل بمكارم الأخلاق، ومرضيّ الأفعال.

المسألة الثالثة: سوء الأخلاق كما قدّمنا داء، لكنه ليس داءً عادياً، وإنما داء عُضال، داء مهلك.

نحن يؤذينا أن نسمع أن فلاناً من الناس أصيب بالمرض الخبيث، وفي الغالب ندعو الله عز وجل، وقد يغلب على ظننا أن لا شفاء له منه ونسأل الله عز وجل الذي لا يعجزه شيء أن يمنّ بالصحة والعافية على جميع المرضى. لكن سوء الأخلاق قد تسدّ أبواب الخير كلها سدّاً تامّاً لا يُرجى منه!

لاحظوا: عبد الله بن سنان وهو من الرواة الأجلاء، ومن أصحاب الإمام الصادق عليه السلام يضرب لنا نماذج من بعض الأخلاق السيئة، ويروي عن الإمام قوله: لا تمزح، فيذهب نورك().

المزح مراتب، ليس كل المزاح يذهب بنور الإنسان ووقاره. إنما بعض مراتب المزاح تُعاب على الإنسان، وتُخرجه من حدّ الوقار والبهاء والنيل المطلوب منه. ولذلك، فإن هذا النوع من المزاح قد يُقبل من صغير السن، لكنه لا يُقبل من الكبير في السن، وقد يُقبل من الإنسان العادي، ولكنه لا يُقبل من الإنسان المحترم.

ولما كان الإمام عليه أفضل الصلاة والسلام يرجو منا، ولنا، أن نكون من الطبقة العالية من الناس، يعطينا هذا العنوان العام. في المزاح: حذارِ أن تمزح المزاح المنهي عنه.

فقال عليه السلام: «لا تمزح، فيذهب نورك، ولا تكذب، فيذهب بهاؤك، وإياك وخصلتين: الضجر والكسل().

وكل العناوين التي ذكرها الإمام عليه السلام تتعلق:المزاح خلقٌ سيء! الكذب خلق سيء! الضجر خلق سيء! الكسل خلق سيء!

ثم علّل عليه السلام ذلك بقوله فإنك إن ضجرت، لم تصبر على حق. وإن كسلت، لم تؤدّ حقًّا().

الإنسان غير الصبور محروم من كثير من الطاعات. وقد ورد في الأحاديث الشريفة أن: الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد(). فالإنسان إذا لم يتحلَّ بالصبر، فإنه: لا يصلي الصلاة، ولا يصوم، ولا يحج، ولا يزكي، ولا يخمّس، وقِس على ذلك سائر العبادات! لأن جميع العبادات تحتاج من الإنسان إلى مقدارٍ من الصبر، وبعضها يحتاج إلى صبر شديد. وقد وعد الله عز وجل الصابرين بأن يوفيهم أجورهم بغير حساب، هذا هو السبب: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10] لأن الإنسان إذا تحلّى بالصبر، تمكن من أداء أشياء كثيرة. أما إذا لم يتحلَّ بالصبر، فإنه يفوته كثير من الخير، ولا يستطيع أن يلتزم بحق، ولا أن يفي لأحدٍ بحقه.

كذلك الكسل، فالإنسان الكسول، الذي لا همة له. ومن نماذج ذلك: أن ترى الولد الشاب، القويم في بنيته، يرى أباه يقوم ويقعد ويخدم في البيت، وكذلك أمه، وهو لا يتحرك لمساعدتهما، وكذلك الفتاة، تتصرف كما يتصرف هذا الشاب!

فمثل هذا الشاب، ومثل هذه الفتاة، بسبب كسلهم، يفوتهم حقٌ كثير؛ لأن أباهم أو أمهم هم الذين يكسبون الثواب، أما هم، فإنهم يخسرون هذا الثواب، بل قد يقعون والعياذ بالله  في مخاطر كثيرة!

وقد قال الإمام عليه السلام: وإن كسلتَ، لم تؤدّ حقًّا() سواء كان الحق واجبًا أو مستحبًا.

ثم يضيف عليه السلام، وكان المسيح عليه السلام  وهو نبي من أنبياء أولي العزم  يستشهد بكلام له كان يكرره، ولم يقله مرة واحدة، بل كان يُكثر من ترديده. وكان المسيح عليه السلام يقول: من كثُر همُّه سقُم بدنه().

وللهمِّ أسبابٌ كثيرةٌ، وبعض أسبابه الأخلاقُ السيئةُ.

أما الإنسان ذو الأخلاق الحسنة، فإنه يبتعد عن الهموم بشكل كبير. ولذلك يقول الله عز وجل ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ﴾ [الفجر: 27-28] .

ثم قال المسيح عليه السلام: من كثر همُّه سقم بدنه، ومن ساء خلقه عذّب نفسه، ومن كثر كلامه كثر سقطاته [أو سقطه]، ومن كثر كذبه ذهب بهاؤه، ومن لاحى الرجال ذهبت مروءته().

الإنسان الذي يكثر الملاحاة والنقاش والجدل العقيم يفقد مروءته!

فإذاً، الأخلاق أدواءٌ وأمراضٌ عضالٌ، ويجب على الإنسان أن يحرص، كيف يتخلص منها! ليس بأقل من حرصه، على أن يذهب للصالة الرياضية، ويقوم بالتمارين اللازمة لصحة بدنه، أي الطعام المناسب الصحي، حتى لا يوقع بدنه في الضرر، أخلاقك أهم من هذا بكثير.

المسألة الرابعة: الدعاء بابٌ واسعٌ للأمل

الإنسان إذا تحققت فيه العبودية وقرُب من الله عز وجل أكثرَ، فإنما يرجوه من الخير أضعاف أضعاف ما يرجوه غيره من الخير، لأن الخير كله من الله، ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ..﴾ [النحل: 53]، والإمام السجاد عليه السلام يقول: «من أين لي الخير ولا يوجد إلا من عندك().

وروى ميسر بن عبد العزيز وهو أيضاً من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام يقول عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال لي: يا ميسّر، ادع ولا تقل: إنّ الأمر قد فُرِغ منه().

حذارِ أن تعتقد بأن الله عز وجل قد قضى وقدر على الناس شؤونهم وشجونهم ولا يمكن لشيء أن يتغير. فبعض الناس إذا قيل له: إن لديك طبعًا غير حسن،

قال:ماذا أفعل؟ هكذا خلقني الله!

كلا!

الله عز وجل لم يخلقك شرسًا، ولا صاحب مزاج متعكر، ولا صاحب خلق سيئ! بل خلقك على الفطرة، كما قال تعالى: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: 10]، ﴿إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الإنسان: 3] لك القابلية على هذا، ولك القابلية على هذا، إن اخترت أن تتخلق بالأخلاق الحسنة، وقمت بالوسائل اللازمة لك، ستحقق ذلك بعون الله، والعكس بالعكس.

ادع ولا تقل: إن الأمر قد فرغ منه. إن عند الله منزلة لا تنال إلا بمسألة() يعني إذا لم تدعُ الله عز وجل لا تؤتى هذا الخير.

ولو أن عبدا سد فاه ولم يسأل لم يعط شيئا فسل تعط، يا ميسر إنه ليس من باب يقرع إلا يوشك أن يفتح لصاحبه(). قاعدة عامة، الله عز وجل يقول ﴿.. وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ..﴾ [البقرة: 189]، الباب الذي هو مفتوح لنا عند الله عز وجل هو أن ندعوه.

وعن بن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال في أثر الدعاء بشكل مطلق قال: الدعاء أنفذ من السنان الحديد(). السنان يعني الرمح والحديد يعني الحاد، يقول إن أثر الدعاء أشدّ وأقوى من طعنة الرمح الحاد إذا طعن به في البدن؛ الدعاء هكذا فعاليته، لكن يجب ان يكون الإنسان قد سار في المسار الصحيح.

يقول الله للكافر الفقير، وهذا ضمن الأحاديث. ويقول له: يا ابن آدم، ما فعلتَ فيما أمرتك؟() يعني الله عز وجل إذا عرض عليه العبد الكافر يسأله الله عز وجل ماذا فعلت؟. في الحديث الشريف: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن خمس ..() هذه واحد منها، لكن هذا بخصوص الكافر.

فيقول: ابتليتني أو أبليتني ببلاء الدنيا، حتى أنسيتني ذكرك(). الكافر يريد أن يلقي بالكرة في الملعب الإلهي! يقول: أنت يا ربي أعطيتني الدنيا!! يعني أعطيتني المال والجاه، وشغلتني!

وشغلتني عما خلقتني له، فيقول له [ الله سبحانه وتعالى ] هلّا دعوتني؟ فأرزقك() المشكلة عندك ليست المشكلة في أني رزقتك مالاً أني لما رزقتك المال، سألتني أن أوفقك لأن تصرفه وتنفقه فيما يجب عليك أن تنفقه فيه لوفقتك لكنك لم تفعل، فوكلتك إلى نفسك!

فيقول له: هلّا دعوتني؟ فأرزقك. وسألتني؟ فأعطيك(). يعني، وسألتني ما كنت محروماً منه، وأنت اليوم يوم القيامة بحاجة إليه.

وسألتني فأعطيك، فإن قال [هذا جواب افتراضي] ربي نسيت() نسيت هذا الأمر التوجيه، وتركت هلك. «وإن قال لن أدري ما أنت [يعني أنا لم أكن أعرفك] يا رب هلك، فيقول له لو تعلم ما لك عندي لبكيت كثيرا(). يعني لو كنت تعلم ما ادخرته لك من الخير لبكيت كثيراً!

هنا فائدة القرآن الكريم والأحاديث الواردة عن النبي والأئمة.

حتى لا يأتِ أحد ويقول: يا ربِّ لم أكن أعلم!، لا! أعلمناك الجنة ونعيمها، والنار وجحيمها، وأعلمناك الطريق المؤدية إلى هذه، والطريق المؤدية إلى تلك. فإن قصّر الإنسان في حق نفسه، وكان من أصحاب الأخلاق السيئة، وإذا ساءت أخلاق الإنسان فأبواب الخير كلها تسد عليه، لأن الأخلاق تارة تكون مع الله، وأخرى مع الناس، وأخرى مع النفس، مع نفس الإنسان. الإنسان يكون سيء الخلق، حتى مع نفسه، لا يصدق مع نفسه.

لذلك أمير المؤمنين عليه السلام يحذرنا من بعض الفئات التي قد تتظاهر بأنها من أصدقائنا، وليست كذلك، فيقول: صديقك من صدقك، لا من صدّقك(). الصديق الصدوق ليس هو الذي يوافقك في كل ما تقول! الصديق الصدوق هو الذي إذا وجدك أخطأتَ، قال لك قف! تنبّه! يعظك، ينبهك، أما هذا الذي يصفق لك، ويطبل لك، مهما فعلت من القول الحسن، أو القول السيئ، والفعل الحسن، أو الفعل السيء، هذا ليس صديقاً صدوقاً!

نسأل الله عز وجل أن نكون وإياكم من الذين يستمعون القول، فيتبعون أحسنه.

اللهم صلِّ على محمدٍ وآل محمد.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة، وفي كل ساعة، وليًا، وحافظًا، وقائدًا، وناصرًا، ودليلًا، وعينًا، حتى تسكنه أرضك طوعًا، وتمتعه فيها طويلًا.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وأغنِ فقرائنا، وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا، ولا تُخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *