حديث الجمعة

«زينة المتقين – 4» – يوم الجمعة 4 ذي القعدة 1446 هـ

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «زينة المتقين – 4» يوم الجمعة 4 ذي القعدة 1446 هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الخلق، وأشرف الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

ربِّ اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.

اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم.

عباد الله ! أوصيكم ونفسي  بتقوى الله.

وإن للمتقين زينةً، يجب عليهم، وينبغي لهم، أن يتحلَّوا بها، ويتزينوا بها، وهي الأخلاقُ الكريمةُ، والأفعالُ المرضيةُ.

ولو أردنا أن نتعرف عليها، لوجدنا أن من أفضل ما يمكن أن يكون سبيلا إلى ذلك دعاء الإمام السجاد (عليه السلام) في الصحيفة السجادية، المرقّم برقم (20).

من الأمور التي ينبغي أن تُولى اهتماماً، كما نجده في هذا الدعاء، وفي غيره من أدعية الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام)، هو: الإكثار من الصلاة على رسول الله وآله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وهذا الفعلُ خلقٌ كريمٌ، وفعلٌ مرضيٌّ، واعتقادٌ سليمٌ، لا يُستغنى عنه في بناء المنظومة الأخلاقية والسلوك الأخلاقي. ولذلك، فإن حديثنا هنا عن دور الاعتقادات في التخلّق بالأخلاق الحسنة من خلال هذا الأدب الشرعي، فإن الله عز وجل يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].

هناك أمران ينبغي أن يلتفت إليهما قبل بداية الحديث:

[الأمر الأول] هو أن الأفعال كلها، ظاهرها وباطنها، ليست إلا انعكاساً للمشاعر والاعتقادات التي يختزنها الإنسان في نفسه.

فالإنسان إذا رأى الشيء جميلاً مال إليه، وعبّر عن ميله إليه بقول أو بفعل، وإذا كره شيئاً عبّر عنه بطريقة أو بأخرى بالقول أو بالفعل، وهذا أمر مهم جداً.

الأمر الثاني: هو أن التعبير عن حب النبي (صلى الله عليه وآله)، كيف يكون؟

أحد أشكال التعبير عن محبتنا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، هو أن نصلي عليه، حيث ورد في ذلك الأخبار الكثيرة جداً، مضافاً إلى قول الله عز وجل.

لاحظوا ماذا يقول ابن عبد البر القرطبي وهو ليس من علماء مدرسة أهل البيت في كتابين له، وهذان الكتابان موسوعتان، فقهية وحديثية: الأول الاستذكار، والثاني التمهيد.

يقول أجمع على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، فرض على كل مؤمن، لقوله عز وجل: ﴿.. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

ثم اختلفوا في كيفية ذلك، وموضعه().

يعني لا خلاف بينهم في أصلِ أنها فرضٌ، لكن هل هي فرضٌ دائمٌ، في جميعِ الحالاتِ؟ في جميعِ الأفعالِ؟ أو أن لها مواضعَ؟

يذكر بعضهم كالمقريزي في كتابه إمتاع الأسماع  أن هناك (41)  موضعاً أُمِر المسلمون فيها بالصلاة على النبي وآله فيها().

والأمور لا تقف عند هذا الحد، هو يذكر أنها 41  موضعاً، إما بنحو الوجوب، أو بنحو الاستحباب، أو بنحو المطلوبية. الأمر أوسع من ذلك كثيراً.

لكن سأقف عند ستةٍ من الدواعي، ورد النص عليها، في ما روي عن أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، كتعبير عن حُسن اعتقادنا برسول الله، ولزوم الميل إليه، والتعبير عن هذا الميل بالصلاة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكيف أنّ ذلك هو شكلٌ من أشكال التخلق الحسن، والفعل المرضي.

الداعي الأول أنه امتثال للأمر الإلهي

الوارد في قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ..﴾ إلى آخر الآية.

الداعي الثاني أن الصلاة على رسول الله وآله هو تقرُّبٌ إلى الله بعبادةٍ هي من أفضل العبادات.

إذا كان الله عز وجل قد خلق الناس من أجل أن يعبدوه، حيث يقول عز وجل ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].

كيف نعبر عن هذه العبادة؟

نستلهم ذلك من الله عز وجل، هو يأمر بعبادات معينة، بصفة معينة. وهو ينهى عن أشكال قد يظن الناس أنها تعبير عن العبادة، وليست كذلك.

فإذن، نحن نتعبد بما جاء عن الله عز وجل في كتابه، أو في سنة نبيه صلى الله عليه وآله.

الإمام الصادق عليه السلام كما يروي الشيخ الكليني بسنده عنه قال:

إذا ذُكِر النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فأكثروا الصلاةَ عليه، فإنه مَن صلى على النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاةً واحدةً صلى الله عليه ألفَ صلاةٍ في‏ ألفِ‏ صفٍّ‏ من‏ الملائكة، ولم يبق شيءٌ مما خلقه اللهُ إلا صلى على العبد لصلاةِ اللهِ عليه وصلاةِ ملائكتِهِ! فمن لم يرغب في هذا فهو جاهلٌ مغرورٌ قد برئ الله منه و رسوله وأهل بيته().

  من أفضل العبادات هي هذه.

الداعي الثالث، فهو أن الصلاة على رسول الله وآله (صلى الله عليه وآله وسلم) سببٌ لاستجابة الدعاء.

فالله عز وجل يقول: ﴿.. ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ..﴾ [غافر: 60]، لكن وضع لذلك شروطًا، وجعل دون استجابة الدعاء موانعَ، من هذه الموجبات التي توجب استجابة الدعاء: الصلاة على رسول الله. فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال لا يزال‏ الدعاء محجوباً حتى‏ يصلَّى‏ على‏ محمد وآل محمد(). وهذا المضمون مروي أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله ().

وأما الداعي الرابع، فإن الصلاة على رسول الله وفاءٌ له (صلى الله عليه وآله وسلم)، مقابل ما قدمه للبشرية والإنسانية، ولكل فرد منا خاصة من جهودٍ لولاها، لم نصل إلى حد الإنسانية المطلوبة، وفي ذلك رضا الله عز وجل، وكفاية همِّ الدارين.

فقد رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) : أن رجلاً أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله! إني أجعل لك ثلث صلواتي! [يعني ثواب الصلوات يجعلها لك].

قال: لا.

قال: بل أجعل لك نصف صلواتي.

قال: لا.

قال: بل أجعلها كلها لك.

فقال رسول الله) صلى الله عليه وآله وسلم): إذن تُكفى مؤونة الدنيا والآخرة().

فإذن، التعبير عن محبة الرسول، والصدق في محبة الرسول صلى الله عليه وآله، لها هذا الأثر، والصلاة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) هي تعبير عن هذا الحب.

وفي التكرار، النبي صلى الله عليه وآله ورد عنه النهي عن أن يصلى عليه بشكل يتيم، فقد روي عنه أنه قال: لا تجعلوني كقدح الراكب؛ فإن الراكب يملأ قدحه فيشربه إذا شاء. [يعني متى ما رغب] اجعلوني في أول الدعاء، وفي آخره، وفي وسطه().

يعني لا تتعاملوا مع رسول الله والصلاة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنها فضلة وكمال، بل هي ضرورة، هي تفوق الكمال وتصل إلى حد الضرورة اللازمة.

وأما الداعي الخامس، فإن الصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكما قلنا ونكرر هي من الخُلق الكريم، والأفعال المرضية أنها تأمين للعاقبة الحسنة، لأن الإنسان مجبول على أن يجني الخير، ويجلب لنفسه النفع، وأن يستبقي الخير والنفع الذي حصل عليه. لا أن يزول بعد مدة طويلة أو قصيرة، كيف يؤمن الإنسان لنفسه مثل هذا الأثر، حتى يكون صاحب عاقبة حسنة؟ منها الصلاة على رسول الله وآله.

الشيخ الصدوق رحمه الله يروي بسنده عن الرضا (عليه السلام) عن آبائه، عن علي (عليه السلام) أنه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كان آخرُ كلامه الصلاةَ عليّ، وعلى عليٍّ، دخل الجنةَ().

فإذن، حسن العاقبة، كيف يضمن الإنسان لنفسه هذا أن يدأب على ذلك؟

أن يكثر عليه أن يكثر من الصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا ما نجده في سلوك المؤمنين، نسأل الله لنا ولكم الدوام والثبات على ذلك.

وأما الداعي السادس، والأخير، مع أن الدواعي كثيرة، لكني اخترت منها هذه، فهو: أن الصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) تُولّد في الإنسان الهمة العالية، والتمايز عن العدو، الذي هو عدو الله وعدو ورسوله، وذلك أن للصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فضلاً لا يطمح له إلا ذوو الهمة العالية، والذين يريدون أن يمتازوا امتيازاً بعيداً، بحيث يكون المسافة بينهم وبين من خاصم الله عز وجل ورسوله مسافة واسعة، حتى صارت شعار المؤمن.

نذكر لذلك عدداً من النصوص:

1 عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، أنه قال إذا ذُكر النبي صلى الله عليه وآله، فأكثروا الصلاة عليه.

ثم جاء بالحديث الذي أشرنا إليه سابقاً، وهو أن الله عز وجل يصلي عليه في صفوف من الملائكة.

2 الحديث الثاني: عن ابن القداح، عن أبي عبد الله )عليه السلام)، قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَن صلى عليَّ، صلى الله عليه وملائكته. ومن شاء فليُقل، ومن شاء فليُكثر().

الآن الكرة في ملعبك أنت أيها المؤمن -: تريد ثواباً قليلاً، صلِّ صلاة واحدة. تريد أن تستزيد، ثنِّ، تريد أن تستزيد ثلِّث. وهكذا، خصوصاً في مثل يوم الجمعة الذي هو سيّد الأيام().

3 الحديث الثالث: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الصلاة عليّ وعلى أهل بيتي تُذهب بالنفاق().

وقد ورد في بعض الأحاديث الاهتمام بـ رفع الصوت بالصلاة على النبي، فإنها تذهب النفاق. فإذن هو الأصل الصلاة، تذهب النفاق، ورفع الصوت بها يرفع النفاق بدرجة أعلى.

4 الحديث الرابع: عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: من قال: يا رب، صلِّ على محمد وآل محمد مئة مرة، قضيت له مئة حاجة. وفي رواية أخرى: ثلاثون منها للدنيا، والباقي للآخرة().

فإذن، الصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) تكشف عن معتقد سليم من جهة، ويصنع في الإنسان خُلقاً كريماً، وفعلاً مرضياً خصوصاً إذا كان ممن يدأب على ذلك.

وطبعاً، الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما يستفاد من أحاديث كثيرة، هي تجديد للبيعة لرسول الله ولآله، باعتبار أن النبي (صلى الله عليه وآله وآله عليهم أفضل الصلاة والسلام)، هم امتداد لموكب الأنبياء والرسل. والأنبياء والرسل لم يأتوا بشيء من عندهم، وإنما جميع ما جاؤوا به، إنما هو من الله سبحانه وتعالى.

فإذن، الصلاة على رسول الله وآله هي تجديد للميثاق والولاء والبيعة لله سبحانه وتعالى، وعلى هذا الأساس تبنى القاعدة التي يمكن أن يشيد عليها الخُلق الكريم، والفعل، والمرضي والحسن، حتى يخرج الإنسان من أنانيته، ومن قناعاته الشخصية ذات العلم المحدود، إلى أفقٍ أوسع، هو أفق الله عز وجل، وأنبيائه، ورسله.

نسأل الله عز وجل أن لا يحرمنا وإياكم ثواب الصلاة على رسول الله وآله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

اللهم صلِّ على محمدٍ وآل محمد.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة، وفي كل ساعة، وليًا، وحافظًا، وقائدًا، وناصرًا، ودليلًا، وعينًا، حتى تسكنه أرضك طوعًا، وتمتعه فيها طويلًا.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وأغنِ فقرائنا، وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا، ولا تُخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *