«التشريعُ شأنٌ إلهيٌ (3)» – يوم الجمعة 25 شوال 1443 هـ
نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «التشريعُ شأنٌ إلهيٌ (3)» يوم الجمعة 25 شوال 1443 هـ في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات،
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق وأشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله.
ونتقدم إلى مقام مولانا صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وإلى مراجع الدين العظام وإلى المؤمنين كافة وإليكم بالتعزية بذكرى شهادة مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (صلوات الله وسلامه عليه).
وبهذه المناسبة نقف على بعض ما روي عنه فيما يتعلق بمسألة التشريع وأهميتها والتحذير من الانحراف فيها، والتأكيد على أنها شأن إلهي خاص في كلياته وتفاصيله.
النص الأول ما روي عنه (صلوات الله وسلامه عليه)، وهو مأثور أيضاً هذا المضمون، وبهذه الألفاظ عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعن عدد من الأئمة. قال: قال رسول الله – الإمام الصادق يروي عن النبي صلى الله عليه وآله – قال رسول الله صلى الله عليه وآله: طلب العلم فريضة على كل مسلم. ألا إن الله يحب بغاة العلم – بغاة جمع باغي أي طالب -.
وحينما يحث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يتكلم باسم الله عز وجل، ويصف طلب العلم بأنه فريضة يعني أن هناك معلوماً في الخارج يراد من المؤمنين والمسلمين السعي في طلبه وتحصيله، وهذا يعني أن هناك تشريع فلولا أن هناك تشريعاً أحل الله عز وجل فيه أشياء وحرّم أشياء وأوجب أشياء وكره أشياء واستحب أشياء، لما كان للأمر بطلب العلم معنى ولا وجاهة.
وعنه (صلوات الله وسلامه عليه) الإمام الصادق يقول: “إذا أراد الله بعبد خيراً فقّهه في الدين”. طبعاً، طلب العلم فريضة له معنى واسع لكن لا شك أن القدر المتيقن منه ما يتعلق بمعارف الدين. يعني لو أن الإنسان لم يطلب علم الكيمياء، آخرته لا تتضرر لكن معيشته في عالم الدنيا يصيبها شيءٌ من الخمول. تبقى أمة متخلفة لكن قد يسلم له دينه وتسلم له آخرته، لكنه لو لم يطلب معرفته الدينية ولم يعرف ما فرض الله عز وجل عليه في الفعل والترك، سيكون قد أخلّ بفريضة تضر على أو تضر بدنياه والأشد خطورة أنها تضر بآخرته. لكن هنا الإمام في النص الثاني يقول: “إذا أراد الله بعبد خيراً” – وخيراً هنا نُكّرت في مقابل المعرفة للتفخيم، يعني الله سبحانه وتعالى قد يريد بك الخير القليل والخير الكثير، لكن إذا أراد أن يجعلك في خير كثير ما الذي يفعله بك؟
يدفع بك إلى عالم التفقه في الدين، لأن الإنسان إذا فقه وعلم، عرف ما له وما عليه، وعلم ما الذي ينفعه وما الذي يضره. فبدل أن يسلك الطريق الخاطئ يتجه إلى الطريق الصحيح، يختصر الوقت يستثمر عمره. ولذلك تجدون كبار السن – في الغالب – يحرصون على استثمار أوقاتهم أكثر من الشباب، لأن كبير السن يعرف أن الأجل قريب منه وأن ما فاته لا يمكن أن يسترجع، وأن ما كان يجب أن يطلبه من العلم والمعرفة والتوفيق للعمل شيء كثير فات. في حين أن الشاب قد يغتر بأن أمامه أملاً بعيداً، وأن أمامه فرصة واسعة، لذلك نجده يتكاسل في الغالب. يتكاسل في حين أن كبير السن بعكازته يذهب إلى المسجد، لأنه يعرف ما لصلاة الجماعة من الثواب الكثير، و للصلاة في المسجد من الثواب الكثير. الشاب قد لا يحرص هذا الحرص.
السر أين يكمن؟ يكمن في أن الزمن، كلما كبر الإنسان أدرك قيمة الزمن وأنه يتقلص، مثل قالب الثلج يذوب. الشاب يقول عندي إذا ما استطعت أن أصل اليوم إلى صلاة الجماعة أو التعليم قد أصل إليها في وقت لاحق وبالتالي يفوته، “فإذا أراد الله بعبد خيراً فقهه في الدين”.
هذا كان العنوان الأول: طلب العلم فريضة.
أما النص الثاني تحت عنوان: التحذير من التعرب.
تعرب يعني أن يصبح الإنسان أعرابياً، والأعرابي – في الدرجة الأولى – هم الذين يسكنون في البادية، لكن هناك من يعيشون في الحواضر والمدن وهم أشد أعرابيةً من أهل البادية. الأعرابية عنوان يُجمع فيه الجهل والجهالة، لأن العادة أن الأعرابي الذي يسكن في البادية لا يحتك بالعالِم ولا بمسائل العلم ولا بمصادر العلم، فيفوته العلم فيكل الأمور كلها إلى خواطره ومعتقداته، وقد لا تكون صائبة والغالب أنها ليست صائبة. لم يتصل بأهل العلم، لذلك القرآن ينبه – طبعاً يصنف أن هناك أعراب أشد كفراً ونفاقاً وهناك أعراب آمنوا، لا ينبغي أن نخلط بين الصفة أو الجهتين والعنوانين -.
الإمام ماذا يقول (عليه أفضل الصلاة والسلام) ؟
المفضل بن عمر ينقل عنه، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: “عليكم بالتفقه في دين الله، ولا تكونوا أعراباً”. يعني جعل مقابلة بين المتفقه في الدين والذي لا يتفقه. الذين لا يتفقهون هم أعراب. لم يربطها بأن تكون في البادية أو تكون في البلد. لا، قد يكون في المدينة، في الحاضرة لكنه أعرابي. متى ما جهل وتجاهل ولم يهتم بالتفقه في الدين سيكون أعرابياً. الإمام يذكر العلة. “فإنه من لم يتفقه في دين الله، لن ينظر الله إليه يوم القيامة، ولم يزكي له عملاً”. نظر الله عز وجل إلى العبد ليس يقصد به النظر بالعين الباصرة، وإنما العناية والكرامة من الله عز وجل. مثل ما أنا نقول ننظر إلى الله لا الله ليس جسما ينظر إليه، لكن ننظر إلى كرامته. {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} لا أن الله يأتي مع الملائكة صف؟ لا، هذا قصور في التحليل. نظر الله عز وجل إلى العبد نظرة يعني رحيمة، يعني يكرمك يهتم بك. هذا ما يفقده، الفقدان الأول للأعرابية في عدم التفقه في الدين. الثانية: “ولم يزكي له عملاً”. القرآن ماذا يقول؟ {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} يعمل ويتعب، ناصبة يعني متعبة، لكن حينما يفد على الله عز وجل تبيّن أن عمله لم يأتِ وفقاً للقانون الشرعي، لم يراع فيه حكم الله عز وجل، وبالتالي عمله سيكون عملاً محبطاً.
العنوان الثالث: التحذير من العقوبة.
ما دام هناك شأن شرعي وتشريع من الله عز وجل، وهو شأن الله وطلُب منا أن نتفقه ونتعلم تحصيلاُ له وأماناً لأنفسنا، هؤلاء الذين يقصرون -أبعدنا الله وإياكم منهم- ما الذي يقول عنه الإمام (عليه السلام)؟ يعطينا مسألتين ترغيب وترهيب من جهة، ثم يبين المخاطر.
أبان بن تغلب وهو أحد أجلة الرواة عن الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام)، يروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول: “لوددت أن أصحابي ضُربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا”.
الدين، دين الله لا يريد قطيعاً من الأغنام. يريد مؤمن. لاحظوا القرآن ماذا يصف؟ يقول: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}. المؤمن، من هو المؤمن؟ يعرض عليه فكرة اسمها الله موجود، الله واحد، الله كامل، الله بعث الأنبياء، الله بعث محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم). وها هي الأدلة. المؤمن واعي، يدرك هذه المعارف بذهنه وبعقله. يسلّم لها بوجدانه، يترجمها بعمله الصالح. ولذلك هذا يعلو عند الله عز وجل، وغيره يخسر في الدنيا والآخرة. الإمام يقول (عليه السلام) ما دام هؤلاء يصنفون أنفسهم على أنهم أصحابي، لو كان الأمر بيدي أتمنى أن يضرب بالسوط حتى يتفقه في الدين.
يمكن الواحد يستغرب. أنت ما الذي تفعله في ولدك؟ يمكن في يوم من الأيام يقول: أنا لا أريد أن أذهب إلى المدرسة. تقول: لعلهم تعب اليوم. لكن لو كرر ذلك في اليوم الثاني يشتد غضبك عليه. في اليوم الثالث والرابع والخامس، وقد يصل الأمر إلى معاقبته، لأنك تعرف أن ذهابه إلى المدرسة في مصلحته، وعدم ذهابه إلى المدرسة يضره. كذلك الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) يقول: الذين لا يتفقهون في الدين يعرضون أنفسهم للخطر. ولم ينصّب الله عز وجل الأئمة، ولم يبعث الأنبياء إلا من أجل أن ينقذوا الناس. ثم يبين أيضاً في نص آخر المخاطر.
يقول الضلال من أشد ما يبتلى به الإنسان هو أنه يعرف أن يكون هناك تشريع من الله عز وجل، ثم لا يتفقه فيه، لا يتعرف، فيجد الإنسان نفسه ضالاً من حيث لا يريد.
بشير الدهان قال: أبو عبد الله (عليه السلام) – هذه الروايات أنقلها من كتاب أصول الكافي للشيخ الكليني “كتاب العلم، فضل العلم”.
قال: “لا خير فيمن لا يتفقه من أصحابنا، يا بشير إن الرجل منهم – يعني من أصحابنا. وليس يقصد الرجل يعني الأنثى معفية. لا، لكن اللغة العربية والناس إنما يتواصلون عبر الرجال. يقول يعني الإنسان- إن الرجل منهم – من أصحابنا – إذا لم يستغن بفقهه احتاج إليهم – يعني احتاج إلى غير أصحابنا، احتاج إلى الذين لا نرتضي دينهم – احتاج إليهم فإذا احتاج إليهم أدخلوه في باب ضلالتهم وهو لا يعلم. – وهذه أشد خطورة، والأشد خطورة أن يظن الإنسان في نفسه أنه قد بلغ من العلم ما يجعله مستغنيا عن أهل العلم الحقيقيين، فيأخذه أهل الضلالة والتلبيس. وهذا ما يحذر منه الإمام (صلوات الله عليه) في نص آخر.
في هذا الباب يقول: عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنة – يعني تمرّ علينا حادثة من الحوادث لا نعرف حكمها، حكم الله عز وجل فيها الذي يجب أن يٌستقى من الكتاب والسنة، لم يرو إلينا شيئاً، تفحصنا الكتاب الكريم في حدود قدراتنا ما وجدنا لها حكماً. الروايات التي رويت إلينا عن رسول الله وعن آله أيضاً لم نجد فيها شيئاً – فننظر فيها؟ – يعني نُعمل رأينا بالقياس والاستحسانات ونعطيها الحكم؟ -. فقال: “لا. ليس من حقكم النظر. – طبعاً لاحظوا هنا النظر، حتى نفرق بين النظر الممنوع أو المرفوض والنظر المفروض. الفقيه يُعمل نظره لكن الفقيه يُعمل نظره بين الكتاب والسنة في إطار الكتاب والسنة. يفكر لكن يأتي الفقيه يقول وأنا أريد أن أبتدع حكماً لا أصل له في الكتاب ولا في السنة المطهرة! هذا ممنوع منعاً مطلقاً.
“فقال: لا أما إنك إن أصبت، لم تؤجر”. حتى لو صادف نظرك وانتهيت إلى نتيجة موافقة للحكم الشرعي، لكنك اختططت بنظرك الشخصي واستحسانك الشخصي طريقاً لم يرده الله عز وجل. “أما إنك إن أصبت لم تؤجر وإن أخطأت كذبت على الله عز وجل”. لأن الإنسان إذا نسب إلى الله عز وجل حكماً ولا سند له من كتاب أو سنة يكون قد كذب على الله عز وجل.
وعن أبي عبد الله أيضاً (عليه السلام)، قال: “إن السنة – أي الحكم الشرعي – لا تُقاس”. لأن السنة المقصود إن كان المقصود بها الروايات، فهذه تؤخذ من من الرجال: حدثنا فلان عن فلان، عن فلان. لكن السنة هنا المقصود بها النتيجة، الحكم. “إن السنة لا تُقاس. ألا ترى – يستدل الإمام، ينبه – ألا ترى أن امرأةً تقضي صومها ولا تقضي صلاتها”. يعني المرأة إذا صارت في حالة العذر الشرعي لا تستطيع أن تصلي، لا يجب عليها أن تصلي بل يحرم عليها أن تصلي. وكذلك لا تصوم لكنها تقضي ما فاتها من الصيام دون الصلاة. يجي واحد يقول لك: ما الفرق؟ هذا حكم شرعي وهذا حكم شرعي؟ قال: لا، هذا حكم الله.
“يا أبان إن السنة إذا قيست مُحق الدين”. دين الله يتقوض لو أن الناس أعملوا آرائهم. كيف يُعملون آرائهم؟
راجعوا تفسير القرطبي في مسح القدمين. أليس هناك نص قرآني؟
نص قرآني. آية الوضع بعضهم يعتبرها من الآيات المحكمة. أحد عشر قولاً في مسح القدم يتجاوز حتى كيف. كيف أحد عشر قولاً. النبي (صلى الله عليه وآله) 23 سنة يتوضأ في بيته، خارج بيته، في السفر، وفي الحل، في الترحال، في المرض والصحة، بين القريب والبعيد، لم تحفظ. وما الذي كان يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ نعم، لأنه أُعملت الآراء الشخصية. رُجع إلى فلان الذي عاصر النبي في يوم، وذاك الذي عاصر النبي في يومين، وتُرك من عاصر النبي في ليله وفي نهاره، في حربه وفي سلمه، ومن أِمرِ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يُؤخذ الدين منه لا من غيره. النتيجة: ليس أحد عشر قول، في داخل هذه الأحد عشر قولاً، الفقيه الواحد يكون أحياناً له ثلاثة آراء، كيف لك ثلاثة آراء وأنت فقيه الواحد وعندك الكتاب والسنة. هنا يجيء إعمال النظر إعمال النظر الممنوع.
الخطر الثاني: تحريف الدين وتزييف الوعي.
عن أبي شيبة الخراساني قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: “إن أصحاب المقاييس -القياسات يعني- طالبوا العلم بالمقاييس فلم تزدهم المقاييس من الحق إلا بُعداً، وإن دين الله لا يًصاب بالمقاييس”.
ذكرنا فيما مضى نحن لا نستطيع أن ندرك لم كلفنا الله عز وجل بهذه الصلوات موزعة على هذه الأوقات الخمسة؟ ما ندري، إن الدين عند الله الإسلام. لم جعل الله صلاة الفجر ركعتين؟ ما ندري. وليس عيباً على الإنسان أن لا يدري، لأن ما فاتك من العلم أضعاف بعشرات المرات، بل بمئات المرات مما علمت، {وَما أوتيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَليلًا}. قصارى ما تستطيع أن تحيط به بعض عالم الشهادة. وأين عالم الشهادة من عالم الغيب؟! عالم الغيب غيب بالنسبة لنا، مسدود تماماً، إنما يُفتح لنا بعض العلم به إذا آتانا الله عز وجل ذلك عبر نبيه وعبر أوليائه.
النقطة الرابعة: التشريع الذي جاء من عند الله عز وجل.
لماذا نقول هو شأن إلهي؟ لأن كل تفاصيل الحياة العامة والخاصة مشمولة بحكم الله عز وجل.
يقول سليمان بن هارون قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) – حتى لا يجي واحد يقول لماذا نُمنع من النظر؟ نعم تمنع من النظر لأن هذا ليس من شأني ولا من شأنك، وقد بت الله عز وجل أحكامه في هذا، وبالتالي لا معنى أن يكون الإنسان له حكم في مقابل حكم الله – قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ما خلق الله حلالاً – يعني محللاً – ولا حراماً – أي محرماً – إلا وله حد كحد الدار”. كيف بيتك له حد تروح المحكمة، تروح البلدية، يقول لك: جيب الأبعاد، جيب المساحة، رفع مساحي وأمثال ذلك من المصطلحات، حتى لا يختلط ما تملك بما يملكه الآخرون ولا يعتدي عليك أحد ولا تعتدي على أحد. هذا، الله سبحانه وتعالى أيضاً له حدود، لا يجوز لأحد أن يتعداها. قال: “إلا وله حد كحد الدار، فما كان من الطريق، فهو من الطريق، وما كان من الدار فهو من الدار، حتى أرش الخدش”. خدش هذا الذي يُجعل شوية في سيارتك يصير خدش بسيط، من حقك أن تطالب بتعويض على هذا الخدش، هذا له حكم شرعي. لا يجوز لك أن من باب المزح، من باب العبث، من باب العدوان، تأخذ شيء وت يعني تجعل أرشاً أو خدشاً في سيارة أحد أو في ثوب أحد لا يجوز، بل لا يجوز لك أن تلمس ثوب أحد إلا أن يأذن لك. لو شخص قال: لا أسمح لك أن تضع يدك على ثوبي. لا يجوز لك. هذا له حكم شرعي “فما سواه والجلدة ونصف الجلدة”. لو واحد ضرب أحداً جلدة، الإمام بيقول حتى نصف الجلدة – طبعا لا يُتصور نصف جلدة لأن الجلدة لها مراتب – لكن الإمام يريد يبين حتى نصف الجلدة.
وعن المعلى بن خنيس قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): “ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله عز وجل ولكن لا تبلغه عقول الرجال – يعني الناس -“. الناس ليس بالضرورة يستطيعون الإحاطة بما جاء في كتاب الله، مع أن الله عز وجل ينص أن القرآن الكريم تبيان كل شيء. كيف تبيان كل شيء؟ طبعاً هناك خلاف بعضهم يقول تبيان كل شيء في الشأن الديني أو حتى في كل شيء؟
دعك من مسألة عامة أن القرآن فيه أصل كل شيء، فلنبقه في حدود الشأن الديني. كيف القرآن فيه تبيان كل شيء ولا نجد فيه أعداد الركعات؟ نعم، أنا وأنت لا نجد فيه أعداد الركعات لكن رسول الله يستطيع أن يستخرج أعداد الركعات من القرآن الكريم. الأئمة الذين ورثوا من رسول الله علمه يستطيعون أن يصلوا إلى معاني القرآن بما لا نستطيع نحن أن نصل إليه. ولذلك كُلفنا وتعبَّدَنا الله عز وجل أن تلقى العلم منهم تلقي المتعبد والمسلم.
النقطة الخامسة: حتى نؤجل ظروف البعثة كيف من؟ يعني الله سبحانه وتعالى حينما يقول أن التشريع شأنه. دورنا ما هو ودوره ما هو؟ نؤجله إلى الأسبوع الآتي إذا أبقى الله لنا ولكم الحياة. الإحاطة العلمية لأهل البيت، دور أهل البيت والذي فرض علينا أن نحيي ذكرى الإمام الصادق ونتعبد بقول الإمام الصادق ونأتم بالإمام الصادق (عليه أفضل الصلاة والسلام) دون غيره من الذين تصدوا للفتيا من قبله ومن بعده، نحن مكلفون بما أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعله أماناً لنا من الضلال: كتاب الله وعترته (صلوات الله وسلامه عليه)، وهذا متفق عليه بين الفريقين.
عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: “كتاب الله – أي القرآن – كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وفصل ما بينكم ونحن نعلمه”. هذه إشارة إلى أنكم أنتم – أيها الناس! – لا تعلمون القرآن بهذا التبيان. أنتم خذوا المجمل – طبعاً هذا لا يعني أن القرآن الكريم سر لا يستطيع أحد أن يفقهه لكن تماما مثل أي تخصص من التخصصات العلمية: الرياضيات. الصف الأول يعلمون الولد رياضيات، ويعلم شيئاً من الرياضيات، لكن علمه لا يصل إلى مستوى ما يعلمه الذين في الصف الثاني، هم لا يعلمون ما يعلمه الذي يصل في الصف الثالث، وخذ في المفاضلة بين المتعلمين بين من هم في الصف الإبتدائي والثانوي والجامعي ثم قد ترقى إلى مستويات متقدمة بين أهل الاختصاص العالي. تجد أن أحدهم لا يقاس بما عند ذاك من العلم يقول أين هذا وأين هذا؟ مع أن هذا دكتور وهذا دكتور وهذا فقيه وهذا فقيه لكن هذا أعلم من هذا- كذلك علمنا قياساً بما عند رسول الله وعند آله (صلوات الله وسلامه عليهم) يفرض علينا أن نقف وقوف التلميذ المتعلم المتواضع بين يديهم (صلوات الله وسلامه عليهم) دون أن يفتل الواحد منا شنباته، مثلما البعض اليوم يقرأ الكتاب ونصف، يقرأ له مشاركة مشاركتين في الإنترنت قال: أنت رجل وأنا رجل. طبعاً هذا الكلام لا يقوله في عيادة الطبيب، إذا لم يكن هو طبيب هو فقط على المعارف الدينية يقول: أنت رجل وأنا رجل. لكن عند الطبيب يستسلم له استسلاماً تاماً. عند المهندس لا يتدخل في تفاصيل ما يجعله المهندس من أبعاد ومن أدوات لازمة. وفي الميكانيكا إذا اقتربت السيارة اختلت سيارته بكل تواضع يذهب إلى ذاك الذي قد لا يحسن القراءة والكتابة. يقول: والله السيارة عطلانة. مو إنت عندك شنبات؟ تفتل شنباتك تقول: أنت رجل! بعد إنت رجل في مقابل هذا. لكن هنا يتواضع. أما هنا لا يتواضع، يظن أن الدين ومعارف الدين شيء واحد. أشرنا في خطبة قديمة أن التدين شأن للناس جميعاً. يجب على الناس جميعاً أن يتدينوا، لكن العلم بالدين لا يستطيعه كل أحد {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ}. مو كل الناس يستطيعون أن يتفقهوا ليس لأن ذلك ممنوع لكن في واحد مشغول بحياته الاعتيادية، لا يستطيع أن يفرغ نفسه للعلم ولا يتفقه في الدين إلا في حدود معينة. فالفقه في الدين أمر مطلوب، أمر مفروض كل حسب ويريد أن يخلص نفسه من الأذى.
نسأل الله عز وجل أن يثيبنا وإياكم على مصابنا بإمامنا الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) ويثبتنا وإياكم على نهجه ومنهاج آبائه وأبنائه وأن لا يفرق بيننا وبينهم طرفة عين أبداً.
اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضا عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.