«ائتوا البيوت من أبوابها» – يوم الجمعة ١٤ جمادى الأول ١٤٤٤ هـ
نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «ائتوا البيوت من أبوابها» يوم الجمعة ١٤ جمادى الأول ١٤٤٤ هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
ربّ اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدةً من لساني يفقه قولي،
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله،
إنما بعث الله -عز وجل- الأنبياء والرسل من أجل تتميم مشروعه في خلقة الخلق فإنه لم يخلق هذا الخلق سدى وإنما خلقه لحكمة تُناسب كماله ولطفه، ومن ثم واتر إلى الناس الأنبياء النبي بعد النبي. وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». والأخلاق ليست شيئاً كمالياً في الدين كما يتوهمه كثيرٌ من الناس بل هو جزء أساسي فيه. فمن يفتقد الخلق والتي تعني حسن السلوك مع الله -عز وجل- ومع النفس ومع الآخرين فإن دينه ينثلم. الدين ليس شعاراً يرفعه الناس ينطق بمجموعة من الكلمات فيصنف أنه من المسلمين وخرج من دائرة الكفر والشرك أو الديانات الأخرى وإنما هو علم وعمل. إيمان يصدقه نابعا من العلم ويصدقه العمل.
من التطبيقات التي أدبنا الله -عز وجل- عليها في القرآن الكريم أن نأتي البيوت من أبوابها. ماذا يراد بهذه الآية؟ هذا جزء من آية وردت في سورة البقرة. يقول الله -عز وجل-: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة – 189]. ما جاء في آخر الآية هو الغاية الأساسية والهدف النهائي وهو الفلاح لعلكم تفلحون مثل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة – 183]. هناك سلسلة من الأهداف الكلية الأساسية ولا تتعارض هي يعني التقوى لا يعارض الفلاح، الفلاح ليس ضداً للتقوى، وإنما هما سبيلان من سبل السلام ينتهيان بالإنسان إلى الصراط المستقيم وهو السبيل الأعظم الجامع بين هذه السبل. أشبه ما يكون من نهر كبيرله روافد هذه الروافد تصب في هذا النهر الكبير. الصلاة الصوم الحج الزكاة الأخلاق ومنها إتيان البيوت من أبوابها. يروى عند المفسرين وأهل الحديث أن لهذه الآية مناسبة وهي أن أهل الجاهلية كانوا إذا أحرموا للحج بعضهم يخصصها بالأنصار وبعضهم يعمم، لا يعنينا كثيراً تشخيص أنها كانت خاصة بقوم أم عامة في الجميع. إذا أحرم إلى الحج لا يجيز ولا يبيح لنفسه أن يدخل بيته من بابه. وكأنه خرج من بيته قاصداً بيت الله لا يدخل إلى بيته بشكل طبيعي. فلو اضطر أن يرجع إلى بيته يتسور الدار، يأتي من النافذة من الخلف لا يدخل من الباب المعتاد، ويعتقدون أن ذلك من البر. تخلص من كل شيء انقطع عن كل شيء حتى من داره وأراد الله -سبحانه وتعالى-. النية قد تكون حسنة، وكثيرٌ من الناس يخطئون بنيات حسنة لكنّ الله وجل يريد منا أن نصحح أنفسنا في المجالات الثلاثة. دوافعك أي نيتك تكون نية حسنة إنما الأعمال بالنيات يعني بالنيات الحسنة وإلا كل إنسان عنده نية إذا أراد أن يعمل. الصالح والمصلح له نية والفاسد والمفسد له نية. إنما الأعمال بالنيات يراد النية الصالحة {الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود – 49] فإذاً هناك نية دافع وهناك فعل وهناك غاية من هذا الفعل. نحن إنما نندفع نحو فعل من الأفعال لا نعبث إذا كنا عقلاء وإنما ننشد هدفا غاية، هذه الغاية إذا كانت حميدة والدافع حميد والفعل حميد صار الإنسان من المتقين المحسنين. الله -سبحانه وتعالى- ماذا يقول في القرآن الكريم؟ يقول {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف – 56] رحمة الله نوع رحمة عامة الخلق كلهم صالحهم ومجرمهم يعيش في ظل رحمة الله. الناس يأكلون ويشربون ويحيون يطعمون وكل هذه النعم التي يتنعمون بها ويشترك فيها الصالحون وغيرهم كلهم يعيشون تحت رحمة الله -عز وجل- الرحمانية الواسعة. لكن لله عز وجل رحمة خاصة وهي التي وصف نفسه بأنه الرحيم، هذه رحمة خاصة لا ينالها كل أحد هذا ما أشارت إليه الآية إن رحمة الله أي الخاصة قريب من المحسنين سواء فسرت هذه الرحمة بالجنة أو بما يدخل في هذا النطاق هذه لا ينالها كل أحد. {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة – 27]. متقون يعني الذين دوافعهم حسنة فعلهم حسن. الله -سبحانه وتعالى- يتقبل منهم وينتهي بهم إلى العاقبة التي حددها وشخصها للمتقين فقط. {العاقبة للتقوى} {العاقبة للمتقين} هذا التعبيران وردا في القرآن الكريم.
كيف يأتي الإنسان من بابه؟ الآية تصحح تقول يا أيها الناس لا تظنون أن البر بالطريقة التي كنتم تعتادونها. لأن البر من الذي يحدده؟ الله -سبحانه وتعالى- العالم بالمصالح الحقيقية والغايات النهائية أن تبتدع في الدين وأن تضع من عندك شيء وتنسبه إلى الله -عز وجل- هذا ظلم بل من الأشد ظلماً بالإنسان وبالآخرين أن يفتري على الله -عز وجل- فينسب إليه شيئاً. الآية تقول ليس هذا من البر. من قال لكم بأن الإنسان إذا أحرم للحج أو العمرة لا يجوز له أن يدخل بيته من بابه المعتاد؟ ادخلوا من بيوتكم المعتادة، هذا الجو الأصلي الأساسي للآية. لكن العلماء توسعوا في الاستفادة من هذا وانطلاقاً من الآية لاحظ الآية لم تقل {ولكن البر من اتقى وأتوا بيوتكم من أبوابها}. قال: {وأتوا البيوت} يعني أن كل بيت ينبغي أن يؤتى من بابه المعتاد، الباب الصحيح وهذه قاعدة يدركها الناس بفطرتهم وعقولهم. لأن كل بيت له باب إنما جُعل الباب من أجل أن يدخل الناس منه ويخرجوا منه. البيت سمي بيت لأي شيء في العربية؟ البيت من المبيت يعني المكان الذي يلجأ إليه ليلا دفعا للمخاطر وتأميناً للراحة هذا أصل البيت. في الأساس استعمل في الدار التي يسكنها الناس ثم توسعوا صار المسجد بيت {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} [آل عمران – 96] الله -سبحانه وتعالى- لم يضع هذا البيت المسجد من أجل أن ينام الناس فيه وإنما من أجل أن يتعبدوا، لكن لماذا عبر عنه بالبيت؟ لأن الناس يلجئون إليه كما قال النبي (صلى الله عليه وآله) ويروى في سيرته الشريفة أنه إذا حان وقت الصلاة قال: «أرحنا يا بلال». الصلاة راحة. الصلاة تؤمّن لك الخير وتدفع عنك الضرر، أي ضرر؟ الضرر من الخارج والضرر من الداخل الإنسان إذا ابتلي بآفة الكبر والحرص والجشع وكل الرذائل. كيف يتخلص منها؟ {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت – 45]. أين تؤدى الصلاة في الوضع الطبيعي في المسجد فصار المسجد بيتك لكن أي بيت؟ البيت المعنوي الذي تجلب فيه راحتك وتدفع الأضرار المعنوية في الدرجة الأولى.
فتوسع عنوان البيت من بيت السكن إلى كل شيء يقول بيت العز بيت الشرف هذا لا يقصدون به الدار التي تبنى بالطابوق والأجر وأمثاله وإنما يراد به الأسباب أيضاً العز والشرف والكرامة والاحترام هل هل يجلبها أو ينالها كل أحد؟ لا لها أبواب خاصة. الإنسان الذي يريد أن يُحترم لا بد أن يستوفي مجموعة من الشروط حتى ينال الاحترام من عقلاء الناس. أما من سفهاء الناس لا يتوقع أن السفيه من الناس يحترم الأنبياء والرسل فضلاً عن من هو دون ذلك! الناس حينما يتكلمون عن القوانين يتكلمون عن القوانين الناظمة للأسوياء من الناس. أما السفهاء من الناس هذا إنما أعدت السجون والشرطة والسلطة القضائية والحدود والتعزيرات من أجل مثل هذا الصنف من الناس الذين لا يردعهم العقل ولا يردعهم الفضيلة والكرامة والدين وإنما يردعهم القانون والقوة القاهرة هذا حديث آخر.
فإذاً الله -سبحانه وتعالى- أراد لنا أن نتعامل مع كل شيء من خلال مساره الطبيعي. العلوم كيف نحصلها؟ يحصلها من خلال أبوابها. فالذين لا ينتظمون في تحصيل الدرس والعلوم بالطرق المتعارفة لا ينال علماً. ولذلك أننا نتدرج في تدريس الأبناء والبنات بدءً من الصفوف الدنيا ثم المتوسطة ثم العليا حتى تكتمل شخصيته العلمية فلو أن شخصاً في هذا اليوم حضر دروس الصف الأول، يوم غد في دروس الصف الثاني، بعد غد في الصف الخامس، الذي بعده رجع إلى الصف الثالث وهكذا. كما يفعله كثير من الناس تقرأ، قال أنا أقرأ أي ماذا تقرأ كيف تقرأ ليس كل من قرأ صار من المثقفين. هناك من يقرأ قراءة جرد قراءة سريعة هذه لا تبني مثقف. ما الفرق بين العالم المتخصص؟ في أي حقل من الحقول؟ وبين الإنسان الذي يقرأ الكتب على الطريقة التي يحسب بعض الناس أنه إذا قرأ عدد من الكتب صنف نفسه من المثقفين. هذا له مساره حتى أُعتمد تصنيفه العلمي فيعطى شهادة بأن هذا قطع المشوار اللازم وامتُحن فأعطيت له هذه الشهادة وشهد له أساتذته وأهل الشهادة بأنه من أهل العلم. أما ذاك يحتاج إلى جهد جهيد إن نال شيئاً وإلا فالغالب لا يستطيع الإنسان أن ينال الثقافة والعلم بهذه الطريقة. ومن ثمَ ليس من الأبواب الطبيعية أن يظن الإنسان أن لديه القدرة أن يناقش في كل شيء لأنه قرأ كتاباً أو كتابين، سمع محاضرة أو محاضرتين، ثم ينبري لمناقشة إنسان بذل سنين طويلة في العلم لا يستطيع أن يستوعب.
يقال إن الشيخ الأنصاري -رحمه الله- وقد كان نابغة من العلماء من سني شبابه ابتكر مصطلحات ونظريات علمية لا تزال تدرس في الحوزة العلمية من المصطلحات التي ابتكرها مصطلح الحكومة والورود. المصطلح ولا الضرر له بشكل جيد وقد سبقه بعض العلماء لكن اكتملت النظرية على يديه. فلم يكن قبله من العلماء من يستعمل مصطلح الحكومة والورود لا أريد الدخول في تفصيل ماذا يعني الحكومة والورود؟ يعني هي هيمنة دليل على دليل وتقديم مادة دليل على مادة دليل أخرى، يسمونها حكومة وورود على اختلاف بينهم. وقد كان واحد من العلماء المحترمين أسن منه، لم يتمكن ذاك اليوم أو حضر في المكان الذي يدرس فيه الشيخ الأنصاري قبل درسه. استمع كلام جديد ما كان يعرف ماذا يعني؟ فبعد أن فرغ الشيخ الأنصاري من درسه اقترب منه فسأله ماذا تقصد بالحكومة والورود؟ قال تحتاج تحضر درسي ستة أشهر حتى أشرح لك الحكومة والورود. وهذا أستاذ هذا أستاذ في الأصول. وبالفعل هذا تفرغ من درسه وحضر صار من تلاميذ الشيخ الأنصاري ليفهم هذه النظرية لأنه وجد نفسه أمام شخص أصغر سناً منه لكنه أعلم منه وأكثر قدرة منه على فهم الأصول وهذا ما يحتاجه، فحضر ودعا طلابه إلى أن يحضروا في درس الشيخ.
هذا القانون عام حتى في الحقول العلمية. في المسائل الشرعية سواء على مستوى المعارف أو الأحكام أو الأخلاقيات، كيف نتعامل مع المسائل؟ أيضاً هناك مسارات لها أبواب. لاحظوا في الرواية المعروفة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «أنا مدينة العلم وعلي بابها». النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد أن يقول إن من أراد أن يأخذ العلم كما جاءني من الله- سبحانه وتعالى- فإني أودعته واستودعته علياً. طبعاً كبيرة على بعض الناس لكن حينما يقال إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى الناس أن يرجعوا إلى فلان أو فلانة يستهينون بالأمر يقولون هذا أمر طبيعي إذا قال: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» تغيرت الحسابات، هذا باب.
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الرواية المعروفة جعل لنا أو الحق- سبحانه وتعالى- والرسول ناطق عنه. ثلاثة مسارات مجموعها تشكل الباب نأتي بيت الدين لنتلقى منه العلم والمعارف. الباب الأول هذا باب وهي أبواب متداخلة بعضها مع بعض.
القرآن الكريم من يريد أن يتفقه في دينه لا يستطيع أن يستغني عن القرآن الكريم. هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم. {قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ} [البقرة – 120]. زين. أيضا في سورة الجاثية، يقول الله- عز وجل-: {تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ ۖ فَبِأَىِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية – 6]. تريد الإيمان؟ لا تستغن عن القرآن الكريم. لكن أيضا هذا لا يكفي لأن النبي قال لا نستغني عن الرسول في فهم القرآن ولا عن سنته صلوات الله وسلامه عليه. الحق يقول- عز وجل-: {هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلْأُمِّيِّۦنَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ} [الجمعة – 2] لا يتصوره أحد بعضهم أيضاً يكثر هذا الكلام نحن عرب والله- سبحانه وتعالى- هذا يتكلم به العرب يعني يفتخرون ونعم إن يكون الإنسان من أهل العربية. لكن هل بالفعل كل إنسان يتقن العربية يفهم القرآن! إذا أين هو محل الآية الكريمة؟ ما هو دور الرسول؟ لو كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يحمل الكتاب الكريم من الله ثم يسلمه إلى الناس، ينتهي دوره. القرآن يقول: {يعلّمهم الكتاب} يتلو عليهم الكتاب يتبعه يطبقه عملياً. فإذاً النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسنته الثابتة عنه، هذا مدخل آخر حتى نأتي باب الدين، وهناك باب ثالث.
الباب الثالث الذي اتفق المسلمون جميعاً على روايته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بألفاظ متعددة منها
ما رواه الترمذي في مناقب في سننه. يقول: «إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضل بعدي، أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفونني فيهما». النبي هنا (صلى الله عليه وآله وسلم) يربط بين القرآن وبين أهل البيت بحيث لا ينفكان. فلو أن أحداً تصور أنه قادر على أن يستنبط أحكام الدين من القرآن وحده دون النبي وعثرته فقد أخطأ. وكذلك العكس لو أن أحداً ظن أنه من خلال سنة النبي والتمسك بالعترة يستطيع أن يستنبط القرآن دون الأحكام الشرعية، دون الرجوع إلى القرآن الكريم، فقد أخطأ واشتبه اشتباه كبير.
أيضا في الرواية ورد وهذا المضمون وارد عند العامة والخاصة. الشيخ الطوسي -رحمه الله- يروي وقريب منه عبد الرزاق الصنعاني في كتاب في مصنفه يروي، الإمام الصادق- عليه السلام- يروي الألفاظ اختارها من تهذيب الأحكام لكن قريبٌ منها جدا في مصنف عبد الرزاق.
قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» في مصنف ابن عبد الرزاق أن هذا الرجل هو سعد ابن معاذ الصحابي المعروف. «فقال يا رسول الله أخبرني عن الإسلام أصله وفرعه وذروته وسنامه. فقال أصله الصلاة وفرعه الزكاة وذروته وسنامه الجهاد في سبيل الله. قال: يا رسول الله أخبرني عن أبواب الخير». أيضا الخير له أبواب هم لا يستطيع كل أحد يدخل الخير له أبواباً. «قال الصيام جُنة والصدقة تذهب الخطيئة، وقيام الرجل في الليل يناجي ربه. ثم قال تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاُ وطمعاُ ومما رزقناهم ينفقون». الإمام الباقر عليه أفضل الصلاة والسلام في الرواية عنه عند هذه الآية وأتوا البيوت من أبوابها. قال: «أوتوا الأمور من وجهها». هذا يوسع الدائرة. لا يعني أن البيوت فقط وهذا أمر طبيعي.
ذكرنا مثال على ذلك في كل مناشط الحياة نحن نبحث حتى عن العدس والفول. نبحث عن الفوال الجيد
والخباز الجيد نأكل لأننا نقول أن هذا هو الباب الطبيعي في كل شيء. الناس يتناقلون بينهم المطعم الفلاني أفضل المطعم الفلاني أفضل الميكانيكي الفلاني أفضل. لأن الميكانيكي هو باب الميكانيكا، والخباز باب الخبز، والطباخ باب الطبخ. حينما نأتي للدين يصير شرعاً لكل وارد الدين أيضا له أبواب. ولا يراد الاحتكار. المسلمون لا يقولون مثلاً إن هناك مؤسسة رسمية ليس من حق أحد أن يفسر الإنجيل إلا هم. نحن في الإسلام نقول القرآن مفتوحاً تفسيره لكل أحد شرط أن يستوفي الشروط اللازمة. المنطق يقال خادم العلوم يعني لو أن الإنسان ما درس المنطق يكون تفكيره بطريقة مشوشة، يحكم هنا بالجواز وهناك بعدم الجواز مع أن العقل البشري يقول أن حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد. وإلا يتهموه بأن عند انفصام عند تضاد هذا ما يدرس في المنطق حتى ينضبط الإنسان في تفكيره. كذلك الفقهاء عندهم القرآن الكريم لكن القرآن الكريم مادة خام السنة المطهرة مادة خام كيف نتعامل مع هذه المادة الخام؟ هناك آية في سورة البقرة هناك آية في سورة الجاثية هناك آية أخرى ترتبط بالموضوع نفسه في سورة آل عمران أو في السورة الفلانية أو السورة الفلانية. هذه ترتبط بشكل مباشر. تلك بشكل غير مباشر. هذه بطريقة إيجابية تلك بطريقة سلبية. حتى الفقهاء لا يستطيعون التعامل مع هذه المادة المتناثرة ما لم يربطوها فأعادوا تنظيم هذه المادة وصنفوها. هذا كتاب «مصنف عبد الرزاق» هو ما روي عن الصحابة والتابعين صنفه ما يرتبط بالطهارة جعله في باب الطهارة ما يرتبط بالصلاة جعله في باب الصلاة. وهكذا يأتون للآيات والروايات ثم هذا لا يكفي. يحتاجون إلى قواعد التعامل فأنشأوا أصول الفقه. يحتاجون أن يتثبتوا أن الرواة الذين نقلوا لنا هذا التراث الروائي هل يُعتمد عليهم أو لا يُعتمد عليهم؟ فنشأ علم الجرح والتعديل. وهذه علوم متعددة
حتى يكون الإنسان متفقهاً وفقهاً لا بدا أن يطوي هذه المراحل كلها. يقال المقدمات ثم ما بعد المقدمات ثم النهايات ثم تنضج شخصيته لأنه دخل البيوت من أبوابها يتيسر له أن يستنبط حكماً شرعياً وإلا تنتهي.
أيضاً في الرواية ورد عن الإمام الباقر -عليه السلام- لما سئل عن الأبواب في الآية هذه رواية أخرى غير تلك. قال: «آل محمد صلى الله عليه وآله أبواب الله وسبيله والدعاة إلى الجنة والقادة إليها والأدلاء عليها إلى يوم القيامة». هذه الرواية ليست منقطعة الصلة عما روي عن النبي والذي قرأناه قبل قليل أن أهل البيت إلى جانب القرآن الكريم هما وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشكلان معا المسار الذي يستطيع الإنسان أن يتدين لله -عز وجل- به كما ينبغي. في الرواية أيضاً عن أبي بصير قال قال أبوعبدالله -عليه السلام- أي الإمام الصادق: «الأوصياء هم أبواب الله -عز وجل- التي يؤتى منها ولولاهم ما عرف الله -عز وجل- وبهم احتج الله -تبارك وتعالى- على خلقه».
هناك روايتان أختم بهما الحديث، مر علينا ذكرى شهادة الزهراء عليها أفضل الصلاة والسلام يوم أمس
ولعلكم سمعتم وتسمعون في المناسبات لأن هناك من يثير لماذا إثارة مسألة قضية الزهراء باعتبارها مسألة تاريخية، لا! القضية ليست تاريخية بشهادة النبي ليست تاريخية. الزهراء عليها أفضل الصلاة والسلام باب من أبواب رضا الله ورضوانه. فلنقرأ هذه الرواية التي يتفق المسلمون على روايتها: «فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني». نحن كمسلمين بماذا مكلفون؟ أن نحظى برضى الله. كيف نحظى برضى الله؟ هل الذي يسخط النبي صلى الله عليه وآله وسلم) يتصور إسلامياً أنه يحظى برضى الله؟ الجواب مستحيل. المسلمون متفقون جميعا من يؤذي رسول الله يخزي في الدنيا والآخرة. الزهراء تشكل ماذا بالنسبة إلى النبي بشهادة هذا الحديث المتفق عليه؟ الزهراء هي بضعة رسول الله، من أراد رضا رسول الله فليحظى برضى الزهراء. ومن غضبة عليه الزهراء لن ينال رضا رسول الله بل سيغضب عليه. رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا رضي رضي الله وإذا غضب غضب الله والحديث برواية أخرى لهذه التتمة التي ذكرها الحاكم النيشابوري في المستدرك فقال: «إن الله يغضب لغضبك» النبي صلى الله عليه وآله يخاطب الزهراء عليها السلام «إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك».
جاء أحدهم إلى الأمام الصادق -عليه السلام- مستوحشاً من هذا المضمون كيف تقولون أن الله -عز وجل- يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها؟ الإمام ذكره برواية هذا المضمون المؤمن كرامته عند الله ما هي؟ الله يرضى لرضا المؤمن ويغضب لغضب المؤمن، المؤمن لا يجوز إهانته. من يهين المؤمن يتعدى على ساحة الله -عز وجل- ومن يدخل السرور على المؤمن العادي يحظى برضى الله -سبحانه وتعالى-. والرواية التي رويت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي موجودة في البخاري. يقول: «إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب». هل يختلف المسلمون اليوم على أن الزهراء واحدا من أولياء الله؟ إذا لم تكن الزهراء من أولياء الله فمن هو ولي الله؟ فبالتالي الزهراء عليها أفضل الصلاة والسلام وما يرتبط بتاريخها في هذا الجانب أنها رضيت أو لم ترض، غضبت أو لم تغضب، نحن لا نتناول مسألة تاريخية وإنما نريد أن نعرف لأن الزهراء عليها السلام بهذا تحولت إلى ميزان يعرف به من -رضي الله عنه- ومن غضب الله -عز وجل- عليه. فالقضية تجاوزت حدود التاريخ ودخلت في المعتقد والأحكام الشرعية وبالتالي تكون لا يمكن للإنسان أن يدخل بيت الله والزهراء من أهل البيت {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب – 33] هذه أهل بيت النبي وأزيد من ذلك هو أهل بيت الله. من أراد أن يرضى الله -عز وجل- عنه فليضمن رضا هذه السيدة الجليلة صلوات الله وسلامه عليها ونعوذ بالله من أن تغضب على أحد من الناس.
أسأل الله -عز وجل- لي ولكم خير الدنيا والآخرة جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.