«الأنا المتضخمة .. والحكيمة (٤)» – يوم الجمعة ١٥ ذي الحجة ١٤٤٣هـ
نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «الأنا المتضخمة .. والحكيمة (٤)» يوم الجمعة ١٥ ذي الحجة ١٤٤٣هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق واشرف الانبياء والمرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين.
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي،
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله،
فإن التقوى هي الكفيلة بأن يحافظ الإنسان على الحكمة في نفسه ويبعد عنها التضخم السلبي الذي يجعل الإنسان يشطح ويذهب يميناً وشمالاً حيث لا يجوز له بالفطرة والعقل والشرع أن يذهب في هذا الاتجاه أو ذاك الاتجاه على مستوى القول والفعل.
الله عز وجل يؤدبنا في القرآن الكريم، وهذا ما تقتضيه فطرتنا، أن يكون الإنسان محسناً فيقول {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. والحسن يأخذ اتجاهين ومنحيين، حسن في الذات، وحسن في الفعل، وأن يكون الإنسان محسناً في ذاته يعني أن تتكامل شخصيته بحيث يقرأ الأشياء ويفهمها كما يجب، وعلى مستوى الفعل يمارس ويترجم هذه الذات الموجودة في داخله في أفعاله الخارجية. فلا يقول إلا القول الحسن، ولا يفعل إلا الفعل الحسن، في فعله وفي رد فعله على حد سواء. طبعاً هذا يحتاج إلى وصفات كثيرة ذكرنا، قلنا أن هناك أربع وصفات أشرنا إلى اثنتين، ونشير الآن إلى اثنتين أخريين ونختم بهما الحديث.
فيما مضى ذكرنا أن استغلال الأزمنة المباركة والمقدسة أمر مهم كالأيام مثل شهر رمضان وغيره، والأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة. ومن الأوصاف أو الوصفات هي استغلال الأماكن المقدسة. فإننا نعرف أن ليس كل فعل يمارس في كل مكان بل أن هناك أفعال إنما يقام بها في المكان المخصص. مثل ما يعمل أصحاب الشركات والمؤسسات والجهات الرسمية يخصصون أماكن معينة لأداء هذه المهمة بحيث يكون المكان يهيأ، يهندس، ويبنى، ويشيد، بما يتوافق وأداء هذه المهمة بشكل مناسب. هذا دور تقوم به البلديات والأمانات المدن وأصبح علماً يدرس، يعني الهندسة المدنية هذا هو دورها، كيف يجب أن تكون مسارات السيارات الكبيرة والصغيرة وكيف أماكن للمشاة وغير ذلك. لأنه لا تستطيع أنت أن تركض في كل محل ولا ينبغي لك أن تسير ببطء في كل مكان هناك أماكن لك أن تسير فيها ببطء وأماكن لا يصح أن تسير فيها إلا مسرع بالسرعات المقبولة.
كذلك الأماكن، فمثلا أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) يتحدث عن اختيار الله عز وجل مكة المكرمة للحج. ولا نزال نحن نتفيأ واياكم ظلال هذه الشعيرة المقدسة، نسأل الله عز وجل أن يديم قدوم الناس إليها وأن يتقبل ممن قصد هذه البقعة المباركة وأن يكتب ذلك لمن عزم على ذلك في السنوات الآتية إن شاء الله.
في هذا الباب أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) في واحدة من جلائل خطبه المدونة في نهج البلاغ لمّا تصدى للخلافة الظاهرة أراد أن يبين للناس حكمة وفلسفة وعلة هذا التشريع – لا نقول العلة بالمعنى الفقهي وإنما أتكلم عن العلة بما يساوي الفلسفة – يعني ما الثمرات؟ ما هي الفوائد؟ ما هي الأغراض التي استهدفت من وراء اختيار هذه البقعة المعينة لأن يحج إليها الناس من أقصى الأرض إلى أقصاها؟ أليس هناك حسب الظاهر يعني هكذا قد يتوهم الإنسان أن هناك بقاعاً أنسب من مكة المكرمة؟
ينبغي أن تتخير للحج أما أن يتخير هذه البقعة الوعرة حيث لا زرع ولا نخل ولا بيئة صالحة بشكل كبير، الطرق إليها عسرة وصعبة، أمير المؤمنين عليه (أفضل الصلاة والسلام) يؤسس لنا هذه القاعدة.
الله سبحانه وتعالى هذا أحد موارد {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، حينما نقول الله لا يُسأل عما يفعل لأننا ضمنا حكمته.
فإذا عرفنا بأن الله عز وجل فعل فعلاً واتخذ إجراءً إن فهمنا وجه الحكمة فيه، فطابق ما نعرفه وما قد وصلنا إليه لكن أحياناً قد يبدو لنا ظاهراً أنه ليس هناك حكمة. ينبغي أن لا تفوت ذاك الأصل الذي أسست عليه وهي أن الله حكيم بالمطلق، إذا أعطى يعطي بحكمة وإذا حرم يحرم بحكمة، وإذا أقدر الإنسان يقدره بحكمة، وإذا أعجزه يعجزه بحكمة. ولذلك أُدبنا في الشرع المقدس أن نقول الحمد لله رب العالمين على الإطلاق، اشكر الله دائماً إن أعطاك فالشكر له وإن حرمك فالشكر له.
المصلحة هو ما يفعله في حقك سبحانه وتعالى، نحن نتكلم عن أفعال الله، ليس إساءة الناس بعضهم لبعض. خلقك الله بطول معين، بعرض معين، بذكاء معين، قد يقول أحد لماذا لم يخلقني الله عز وجل بذكاء عبقرية أفضل مما أنا فيه؟ يكفي أن تعرف كم هم المجرمون العباقرة حتى تقول نحمد الله سبحانه وتعالى على أننا نملك هذه القدرة الذكائية والعبقرية وإلا قد يكون مصيرنا هو مصير هؤلاء البشر.
يقول (صلوات الله وسلامه عليه) «ألا ترون أن الله سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم صلوات الله عليه إلى الآخرين من هذا العالم» هذا يشير إلى أن البيت الحرام لم يؤسس تشريعاً من زمن إبراهيم (صلوات الله وسلامه عليه) وإنما من زمن آدم وهذا له أدلته وشواهده.
«بأحجار لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع. فجعلها بيته الحرام الذي جعله الله أو الذي جعله للناس قياماً. ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجراً، وأقل نتائق الدنيا مدراً. وأضيق بطون الأودية قُطراً. بين جبال خشنة، ورمال دمثة، وعيون وشلة، وقرى منقطعة». يعني منطقة بعيدة عن العمران والبنيان ليست تُقصد، يعني لولا أن مكة المكرمة فيها الكعبة المشرفة ما قصدها أحد.
«لا يزكوا بها خف، ولا حافر ولا ظلف. ثم أمر آدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابةً لمنتجع أسفارهم، وغايةً لملقى رحالهم تهوي إليه ثمار الأفئدة». يعني ما الذي أمال قلوب المؤمنين إلى هذه البقعة؟ الاستجابة لأمر الله عز وجل، تدفع أموال طائلة للذهاب إلى مكة المكرمة مع أن هناك بقاع أفضل طقساً من مكة المكرمة، أحسن أجواء من مكة المكرمة، أحسن من حيث الطبيعة من مكة المكرمة، لكنّ إيمانك وتعبدك لله عز وجل يحوّل هذه الرحلة من رحلة قاسية إلى رحلة تستشعر الضرورة للعود إليها مرة ومرة. ولذلك كره شرعاً أن يخرج الإنسان من مكة المكرمة – الحاج والمعتمر – ناوياً ألا يرجع مرة أخرى، هذا يعني أن حظه الذي ناله من حجه وعمرته لم يكن هو الحظ المطلوب.
قال: «من مفاوز قفار سحيقة ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، حتى يهزوا مناكبهم» الرَمَل أثناء السعي يستحب للحجاج أن يرملوا بين العمودين الأخضرين، الله سبحانه وتعالى أيضاً له هدف، له غرض، له حكمة، حتى من وراء هذا التفصيل الصغير أراد أن يتذلل العباد. الإنسان المحترم الوجيه يحافظ على وقاره حتى في مشيته، بروتوكول معين في المشي في الالتفات. لكن الله عز وجل أراد من الحجاج إذا وصلوا إلى هذه البقعة أن يسعوا بين الركض والمشي. الرَمَل هو بين الركض وبين المشي، يعني الإنسان يتخلى عن وقاره بالنسبة للرجال.
«يهلون لله حوله، ويرملون على أقدامهم شعثاً غبراً له. قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم» تخففوا من ملابسهم الرسمية، الملابس التي يتميز بها الغني عن الفقير والرفيع عن الوضيع، والإنسان الذي له المرتبة الفلانية والمكانة الفلانية، لا تعرف أحداً، لا تميز أحداً بملابسه، الكل يشترك في هيئة واحدة.
قال: «وشوهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم» الإنسان بشعره يتجمل خصوصاً من يربون شعورهم الطويلة، يرجلون شعورهم، يهتمون بشعورهم. لكن في الحج، تدخل إلى الحج أشعث أغبر ثم هذا الذي هو مظهر زينتك تحلقه، تقصره، لأن الله عز وجل يريدك له لا يريدك لشيء آخر وإذا كان الإنسان لله ما كان لله ينمو. هذا هدف بعيد حتى ندرك أن بعض الذين ينحرفون عن الله عز وجل هم لا يلتفتون إلى أنهم لو التفتوا أو عملوا بما أدبنا الله عز وجل عليه سيكون بينهم وبين المعصية مسافة واسعة.
إن شاء الله إذا أتيحت لنا فرصة في محله المناسب.
لاحظوا هذه فاحشة الشذوذ – أبعدنا الله وإياكم وأبناءنا وأبناءكم عنها – كم هي المسافة التي دفعت بهذا الإنسان إلى أن يكون شاذاً؟ هناك عدد من السواتر والحدود تجاوزها كلها. إن هذا تأدب أن يغض بصره، فقط أن يغض بصره لاستحال عليه أن يكون شاذاً لأن الإنسان المؤمن إذا غض بصره كيف يصل إلى ممارسة مثل هذا الفعل القبيح؟ لكن الإنسان يتخفف من هذه الآداب حتى يوقعه الشيطان في مثل هذه المهمة.
فقال: «وشوهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم، ابتلاءً عظيماً» ليس أمراً سهلاً، تصوروا هذا الحج نحن لأننا ألفناه و كثر منا النظر إلى الحج والحجاج نجد أن هذا أمر ميسور. لكن لاحظوا كيف ينظر الآخرون غير المسلمين إلى الحج، ألا يستخفون بالمسلمين! كيف تدورون حول الكعبة المشرفة!؟ طبعاً لأنك لا تدرك ما أدركناه، ولا تفهم ما أفهمناه. مثل ما أن الذي لا يعرف – مثلاً – أهمية وجمال اللوحات المعينة. الفن التكعيبي، أنا شخصياً لا أفهم منه شيئاً وأستغرب كيف أحب هؤلاء لكن أعذرهم، لأني أرجو أن يعذرونا في إدراكنا لجمال الحج، نعذركم أنتم كيف تنظرون إلى هذا الرسم أو هذا النوع من الخط أو هذا النوع المعين من الفن، لأن هناك مقدمات، أنا لا تعنيني أن أطويها. لكن بالنسبة إلى الحج
باعتبار ما تسالمت عليه وسلمت به فيما تقرر في علم العقائد، وفي علم الأخلاق، وفي علم الفقه، أسلّم لله عز وجل تسليماً مطلقاً تماماً مثل ما يستسلم أي مواطن، في أي دولة. المواطن العادي لا يناقش القوانين! قد يتذمر منها لكن يستسلم لها لأنه يقر للدولة بالسلطان المطلق، أن لها الحق -الدولة- عبر الوسائل المعينة. لأن القانون حينما تسنه الدولة ليس هناك حاكم هو لوحده في الليل يسن القانون! هناك لجان وهناك مسارات معينة بغض النظر توافق هذا القانون ترتضيه أو لا ترتضيه لكن هو مر عبر سلسلة طويلة، هم قرأوا مصالح معينة ومفاسد معينة وضعوا هذا القانون على أساسها.
إذا كان هذا ما يفعله البشر {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}! لابد أن الله سبحانه وتعالى له حكمته.
قال: «ابتلاءً عظيماً وامتحاناً شديداً واختباراً مبيناً وتمحيصاً بليغاً، جعله اللهُ سبباً لرحمته» ألا تريد أن يرحمك الله؟ هذا هو السبب، هذه {ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}. الوسيلة هي الحبل الذي تتمسك به فتصعد إلى الله سبحانه وتعالى.
«ووصلة إلى جنته. ولو أراد» الآن يقرأ لنا الناحية الثانية يقول هل يعجز الله سبحانه وتعالى وحاشاه أن يجعل الكعبة البيت الحرام في منطقة أفضل من هذه المنطقة؟ نعم، يمكن لكن فلسفة الابتلاء تزول.
«ولو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام ومشاعره العظام بين جنات وأنهار، وسهل وقرار، جم الأشجار، داني الثمار، ملتف البنا، متصل القرى، بين برة سمراء، وروضة خضراء، وأرياف محدقة، وعراص مغدقة، ورياض ناظرة، وطرق عامرة، لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء». نحن لماذا نشيد بالطالب الذكي إذا اجتاز الامتحان العسير؟ لان الامتحان عسير استطعنا أن نخرج جوهر ومكنون هذا الطالب ونقول اجتاز الامتحان بشكل جيد. ولذلك حتى في عالم الرياضة هم لا يمتحنونهم مرة واحدة، هناك دورة أولى، دورة ثانية، دورة ثالثة، رابعة، والتصنيفات التي تعرفونها.
قال: «لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء. ولو كان الأساس المحمول عليها، والأحجار المرفوع بينها من زمردة خضراء، وياقوتة حمراء، ونور وضياء لخفف ذلك مصارعة الشك في الصدور». الله سبحانه وتعالى
يريد أن يمتحنك لتستسلم له، أما لو أردت أن تقول كل حكم يفرضه الله عز وجل عليه، لن أقبله إلا أن أرتضيه أنا! صرت أنت الخالق وهو المخلوق، صرت أنت الحاكم وهو المحكوم، إنما يحتفظ لله عز وجل بأمره ونهيه أن يطاع إذا أمر، فهمنا أو لم نفهم، قبلنا أو لم نقبل.
قال: «ونور وضياء لخفف ذلك مسارعة الشك في الصدور، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب، ولنفى معتلج الريب من الناس، ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبدهم بأنواع المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره إخراجاً للتكبر من قلوبهم» هي هذه المشكلة، قريش والمشركون السابقون لماذا لم يقبلوا نبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونبوة غيره من الأنبياء السابقين؟ كانوا يقولون أنت رجل ونحن رجال، كيف اختارك الله عز وجل من دوننا؟ بل قد يستصغرون قدر النبي يقولون {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} ما الذي كان يفتقده رسول الله من العظمة بميزانهم؟! النبي ما كان ثرياً والجماعة كانوا ينظرون أن الثراء هو ميزان العظمة، من كان فقيراً لا يعد عظيما عندهم. في حين أن الله عز وجل بماذا يصف رسوله الكريم؟ {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} أنتم يا أصحاب الثراء الذين كانوا يقولون أنهم الأجدر بالنبوة لو أن هذه الأموال احترقت ماذا يبقى عندهم؟ لا تبقى من عظمتهم شيء! لكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أُخرج من وطنه أوذي وبقي محمد هو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال: «إخراجا للتكبر من قلوبهم، وإسكانا للتذلل في نفوسهم». وهذه المشكلة الأولى، المعصية الأولى، التي عُصي الله بها الكبر {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ} مع أن الأمر كان أمراً مباشرا من الله {فَإِذَا سَوَّيْتُهُۥ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ} المأمور من هم؟ معشر الملائكة أفضل خلق الله كمجموع الملائكة، أقرب الخلق إلى الله الملائكة. خلق الله عز وجل لهم آدم من طين ثم أمرهم أن يسجدوا له. بالحسابات العادية عند مثل من كان في مثل إبليس وكما تتكرر عند هذه الحالة عند الأبالسة من البشر. يقول لماذا اختار الله عز وجل هذا من دوننا نسجد له ويكون هو مسجد؟ يعني نحن نخضع له! ما الذي يمتاز به هذا حتى نخضع له؟ الذي يمتاز به هو أن الله فضله. الله الحكيم، الله الكامل، الله العالم، الله القادر، الله المولى، الله الخالق، هو الذي اختار هذا دون هذا. الإنسان الحكيم ليس الأنا المتضخمة التي تقرأ لها كتاب ونصف، كتاب ونصف، ويمكن حتى أقل من كتاب ونصف يقرأ ثم يأتي ليفتل عضلاته ويريد أن يناقش العلماء والفقهاء والحكماء وهو لا يحسن أن يقرأ آية دون أن يخطئ في نحوها.
واقرأوا يعني انظروا ماذا يتكلم هؤلاء الفاسدون، المفسدون، والضالون، المضلون، تجده لا يحسن قراءة آية واحدة، بيت شعر واحد، دون أن يقع في أخطاء وليس في خطأ! ثم يقول أنا قادر على أن يكون لي رأي في مقابل أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) وفي مقابل الأنبياء بل في مقابل الله عز وجل.
قال: «وليجعل ذلك أبواباً فتحاً إلى فضله» الله لا يريد أن يجعل بابك مفتوحاً لمرة واحدة، يريد لعباده أن تكون أبوابهم مفتحة دائماً لفضله وعطائه الذي لا ينقطع.
«وأسباباً ذللاً لعفوه». لذلك هناك أماكن مقدسة كالبيت الحرام، كالعتبات المقدسة، كالمساجد، التي تنتشر في أحياء الناس. لا ينبغي أن يظن أحد أن بيده أن يذهب إلى المسجد أو لا يذهب! نعم، بيدك أن تفعل ذلك لكنك حينما تقصر أنت تغلق على نفسك باباً من الفضل لا يوجد إلا في مثل هذه الأماكن، ليلة الجمعة مهمة، والمسجد مهم، يوم الجمعة مهم والمسجد مهم، بيتك مهم، لكن المسجد أهم! مكة المكرمة غيرها مهم، لكن هي أهم العتبات المقدسة، غيرها مهم لكن أيضاً هذه أهم، لا ينبغي أن تفوت.
الوصفة الرابعة والأخيرة هي أن الغرض من هذه التكاليف كلها هي أن نتخلص من الشوائب كالتي أشرنا إليها، الكبر والاستكبار. يقول عبد الأعلى قال أبو عبد الله الشيخ الكليني رحمه الله يرويها قال: قال أبو عبد الله – أي الصادق (عليه السلام) -: كان أبي يقول – عن مكة المكرمة والحج – كان أبي يقول من أمّ هذا البيت -أي قصده- من أمّ هذا البيت حاجاً أو معتمراً، مبرءاً من الكبر-. يحج أو يعتمر وقد أخلى نفسه من مظاهر الكبر على الله على الأنبياء على الأولياء على الناس. «رجع من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه» شوفوا النعمة كم هي نعمة كبيرة؟ طبعاً حينما يتخلص الانسان من هذه الشوائب فيرجع كما ولدته أمه، يعني فتح له صفحة جديدة، فتح له ملف جديد، يعني أن الأيام التي فاتتك أيها الحاج أو المعتمر أو الإنسان المؤمن لك اليوم أن تختصر ما فاتك أو تعيد تأسيس ما فاتك وتعويض ما فاتك من الخير.
ثم قرأ: {فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ ٱتَّقَ}. يعني هذا الفضل لمن اتقى هناك تفسير آخر ولا يتنافى التفسيران يعني لمن اتقى بعض محرمات الإحرام لأن الحاج إذا قارب أهله – مثلاً في الحج في أثناء الإحرام – لا يكفيه أن يبيت في منى ليلة الحادي عشر والثاني عشر بل لا بد أن يبيت ليلة الثالث عشر ويرمي أيضاً يوم الثالث عشر. أما المتعجلون وهم غالب الحجاج الذين لم يقعوا في هذا الإثم فلهم أن يفيضوا من منى ويخرجوا ويودعوا البيت الحرام، في مثل هذه الحالة صاروا من الاتقياء، هذا الفضل الله سبحانه وتعالى كتبه لهؤلاء.
«قلت» عبد الأعلى يسأل، «ما الكبر؟» قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن أعظم الكبر غمس الخلق وسفه الحق» العبارة لم تكن واضحة بالنسبة للراوي، في مستوى المصاديق ليس الألفاظ.
«قلت: ما غمس الخلق وسفه الحق؟ قال: يجهل الحق ويطعن على أهله، ومن فعل ذلك نازع الله في ردائه» يعني إنسان يريد أن يبني منظومته الفكرية بالاستقلال عن الله عز وجل، أنا لا يعنيني ماذا جاء في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة ولا ما قاله الفقهاء! أنا بجلس في بيتنا اقرأ لي كتاب، ربع كتاب، كتابين، ثلاثة كتب، نجلس في ديوانية معينة، في أماكن معينة، نتناقش فيما بيننا! فإذا تقرر لدينا أمر من الأمور سواء وافق ما جاء في القرآن! خالف ما جاء في القرآن! وافق ما جاء في السنة! هذا أمر آخر ما نفكر فيه. هذا كبر! مثل هذا الإنسان يُحرم من الخير كله.
نسأل الله عز وجل أن نكون وإياكم من أهل الحكمة ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.