«عاشوراء الصلاح والإصلاح (٢/٣)» يوم الجمعة – ٦ محرم ١٤٤٤ هـ
نصّ الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «عاشوراء الصلاح والإصلاح (٢/٣)» يوم الجمعة ٦ محرم ١٤٤٤ هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين ربّي اشرحْ لي صدري ويسّرْ لي أمري واحللْ عقدةً من لساني يفقه قولي، عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله
والسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.
والسلام عليكم أيها المؤمنون ورحمة الله وبركاته.
يقول الله عزّ وجل في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} هذا أمرٌ من الله سبحانه وتعالى إلى الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمرٌ إلينا؛ لأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كُلّف بالدعوة إليه وكَلّف من يتّبع النبيّ بأن يسير بهذه السيرة، فكما أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) مُكلّف بأن يدعو إلى الله وإلى سبيله وإلى سبيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). المؤمنون – اقتداءً برسول الله وتأسّياً برسول الله – مكلّفون بالدعوة إلى سبيل الله وإلى سبيل رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم). وهذا ما يصبّ في العنوان الذي اخترناه لهذه الأحاديث تحت عنوان “عاشوراء الصلاح والإصلاح”.
حينما يحين موسم عاشوراء يستحث المؤمنون أنفسهم إلى أن يفدوا إلى هذه المجالس من أجل أن يتشبعوا ويرتووا من معينِ الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام) من أجلِ أن يطردوا التصحّرَ في أنفسهِم على مستوى العقل والنفس، وعلى مستوى السلوك. وذلك أنّنا قلنا أن الإنسانَ يمكن أن يتعرّض إلى التّصحّر والجفاف. في هذه الأبعاد الثلاثة، الذين نصروا الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام) والذي خُصّص يومُ السادس من عاشوراء، الاحتفال بذكراهم لم ينصروه اعتباطًا وعبثًا ولم يصطفهم الله عزّ وجل فيجعلهم أولياءه وأصفياءه عبثاً ولا سدًى، لأن هؤلاء كانوا صفوة الأمة والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} ويقول عزّ وجل: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ}. لم يكن أحدٌ من الأمة لم يعرفْ الإمامَ الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام) أنّه ابن أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء وسبط رسول الله (صلى الله عليه وآله). ولم يكونوا يجهلون بأنّ الحسنَ والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، ولم يكونوا يجهلون بأنّ الإمامَ الحسين هو الذي تواتر عن النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: « حسين سبط من الأسباط، حسينٌ مني وأنا من حسين ». وأن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يحبّه وأمر الناس أن يحبّوه ودلّهم على النتيجة التي تنتهي بمن يحبّ الإمام الحسين. حيث قال: «أحبَّ اللهُ من أحب حسينًا». وهناك قراءة أخرى لهذا الحديث: «أحبَّ اللهَ من أحبَّ حسينًا». يعني الله عزّ وجل يحبّ الذين يحبّون الإمام الحسين، والذين يحبّون الإمام الحسين يحبّون الله سبحانه وتعالى، فمن يفتقد في نفسه حبّ الإمام الحسين لا يُوفّق إلى محبّة الله؛ لأنّ الإمام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام جسّد الصلاح في ذاته وجسّد الصلاح في فعله، وبالتالي كان منارة هدى “الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة”.
لاحظوا في هذه الاية التي صدّرنا بها الحديث، الله سبحانه وتعالى بيّن لنا المعالم التي يصلح أن نقول أنها معالم الصلاح والإصلاح، حيث يقول عز وجل: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي…} . أمرنا النبي الأعظم صلى الله عليه وآله: { قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي…} مشخّصة، محددة بيّنها رسول الله للناس. } {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي… } حتى لا يشتبه أحدٌ أن هناك سبيلاً أخرى. } { قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي…}. ما هي سبيل رسول الله؟ “{أدعو إلى الله…}. {أنا ومن اتبعني}”. فإذاً الدعوة إلى الله يعني فيها الإقرار لله عز وجل بالوحدانية والكمال المطلق. فمن أراد الخير يلجأ إلى الله، ومن أراد الكمال يعبد الله عز وجل، ومن أراد الصلاح في نفسه ينتهي به الأمر إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز له أن يحيد عن الله عز وجل. و بمقدار ما يحيد وينحرف عن الله ويضل عن سبيل الله عز وجل وعن الله سبحانه وتعالى سينثلم منه الكمال والجمال، وهذه أمور فطرية. القرآن الكريم -وهو خطاب الله عز وجل إلينا- ليس دائماً يستدل على الأشياء، إنما يستدل على الأشياء المبهمة. أما إذا كان الأمر أمراً واضحاً يعني مفطورعليه الناس. الله سبحانه وتعالى ما نبهنا في القرآن الكريم أنكم إذا جعتم كلوا، وإذا عطشتم اشربوا الماء، وإنما بيّن لنا ما يجوز أكله وما لا يجوز أكله، ما يجوز شربه وما لا يجوز شربه، لأن الأكل عند الجوع أمر فطري مغروز في نفوس الناس وفي أبدان الناس. وكذلك شرب العطش ورفع العطش أمر فطري لكن هل يرفع العطش بكل ما هب ودب من الأشربة؟ هل يجوز أن يرفع الجوع بكل ما هب ودب من الأطعمة؟ أم أن هناك أطراً حُددّت كلياتها في القرآن الكريم وحُددّت بعد ذلك في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي بيّن أن من من بعده سيتولى هذه المهمة العترة الطاهرة “إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي”. العترة من كان يمثلها في زمن الإمام الحسين بعد أن توفي أبوه وأمه وأخوه الإمام الحسن؟ لم يبق من العترة إلا إياه.
ولذلك كان يقول هل فيكم أحد ابن بنت نبي غيري؟ الإمام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام هنا لا يريد أن يقول للناس أنه ابن بنت النبي نسبيًا، وإنما يريد أن يذكّرهم بما نطق به رسول الله، أن الله عز وجل اختار هذه العترة الطاهرة وأنه اختص النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بأنه لا ولد له إلا الإمام الحسن والحسين اللذين هما ابنته فاطمة عليها السلام وابنا أمير المؤمنين، هذه الأسرة المصطفاة من الله عز وجل الذين شهد لهم رسول الله أفراداً ومجموعين بأنهم من أهل الجنة وشهد لهم الله عز وجل بذلك، والسبب أنهم مطهرون. {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. فإذاً الإمام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام الذي تعلقت مشيئة الله عز وجل التكوينية والتشريعية – لكن التكوينية في الدرجة الأولى – يعني نزه الله الإمام الحسين والإمام الحسن والسيدة الزهراء وأمير المؤمنين والنبي الأعظم صلى الله عليه وعليهم أجمعين نزههم من أن يصل إلى مقام ذواتهم الرجس، وبالتالي كما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: {ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} الإمام الحسين هو في هذا الطريق، وإن لم يكن نبياً، النبوة انقطعت فلا نبي بعد رسول الله، لكن باقي المقامات التي تجعل من هذه المجموعة البشرية من الناس محبوبة بالمطلق لله عز وجل، يجب طاعتها بالمطلق بأمر من الله عز وجل. يحرم عصيانها بالمطلق بأمر من الله عز وجل، حيث جعل لهم عنوان أولي الأمر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ} هؤلاء في بحث أثبته المفسرون في محله. فإذاً الآية الشريفة تحدد هذا السبيل الذي يتمحور كله بربط وفي ربط الناس بالله عز وجل.
كيف يرتبط الانسان بالله؟
لاحظوا القرآن الكريم أيضاً من ضمن القضايا الفطرية التي أوضحها قال: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أو {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} هو يريد أن ينبه الناس إلى أن سلطان الله عز وجل التكويني والتشريعي بيد الله. يعني لا يختار الواحد منا أن يأتي إلى هذه الدنيا أو لا يأتي. متى يأتي إلى هذه الدنيا؟ ومتى يرتحل عن هذه الدنيا؟ لأن أمره في هذا الجانب ليس بيدي ولا بيدك، إنك ميت بغير اختيار {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}. الخطاب لرسول الله ولأفراد البشر جميعاً.
من الذي وهب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحياة؟ الله. ومن الذي سلب الحياة الدنيوية من رسول الله؟ الله سبحانه وتعالى، وبالتالي رسول الله لله و{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الناس أقروا بأن سلطان الله عز وجل عليهم ليس مقصوراً في المسائل التكوينية. ليس بدنك هذا داخلياً مملوك لله في وجوده وفي حدوثه في الدنيا وفي ارتحاله عن الدنيا، هذا في جانب. الجانب غير الاختياري طولك، عرضك، شكلك، نسبك، هذه مسائل أنت لا تختارها، كلنا مجبور على هذا الجانب. لكن الله عز وجل جعل لنا مساحة أخرى هي المساحة الاختيارية، تقوم باختيارك، تقعد باختيارك، لكن في الصلاة ماذا يؤدبنا الله عز وجل؟ بحول الله وقوته أقوم وأقعد، يعني من يمكنك ويقويك القيام والقعود الله سبحانه وتعالى، ومن الذي أذن لك وأمرك بالقيام والقعود؟ الله سبحانه وتعالى، ولذلك أمر الله عز وجل الناس أن يطيعوه ليس في الجانب التكويني، في الجانب التكويني لا خيار للناس إلا أن يطيعوا الله. يعني نداء الفطرة البشرية أنت لا تجوع باختيارك ولا تشبع باختيارك. إذا أنت تجوع، تشعر إذا امتنعت عن الأكل بمقدار معين مفروض، عليك أن تجوع لا تستطيع أن تتحكم في مشاعر الجوع فيك. وكذلك لا تستطيع أن تمتنع من أن تشبع إذا كنت بحاجة إلى أن تأكل مقداراً معيناً من الطعام إذا وصلت إلى هذا المقدار وابتلعته تشبع ،لا تستطيع حينئذ أن تنفي الشعور بالجوع عن نفسك، هذا جانب اضطراري. لكن في الجانب الاختياري، تذهب باتجاه اليمين، أو بإتجاه الشمال، إلى هذه البلدة، أو إلى تلك البلدة، تتزوج من فلانة، أو تتزوج هي من فلان، هذا أمر اختياري. الله سبحانه وتعالى هنا بعث أنبيائه ورسله من أجل أن يبينوا لهم ما فيه مصلحتهم وما فيه مفسدتهم، فما فيه المصلحة أوجبه أو ندبهم إليه وما فيه المفسدة منعهم عنه أو حظهم على تركه.
وهنا يأتي مراتب الأحكام الشرعية، يعني ما كان فيه مصلحة ملزمة الله سبحانه وتعالى أوجبه علينا كالصلاة. الصلاة، الله سبحانه وتعالى لم يكلفنا بها لأنه يحتاج إلينا {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}. نحن بحاجة إلى الصلاة، سواء أدركنا حاجتنا إلى الصلاة أو لم ندرك هذا أمر آخر. نحن نحتاج إلى الصيام، نحن نحتاج إلى الحج، نحن نحتاج إلى كل ما أوجبه الله تعالى علينا. لأن هذا العالم يرتبط بمصالح غيبية بعث لنا الأنبياء ليسموا الأشياء، يبين لنا الحكم الشرعي، قد يبين لنا خلفيات الحكم الشرعي وقد لا تبين لنا خلفيات الأحكام الشرعية، أشرنا إليه في أحاديث سابقة. لماذا جعل الله عز وجل صلاة الظهر أربع ركعات؟ بكل أريحية، المؤمن يقول لا أدري ولست معنياً بأن أعلم. أنا لا أعلق طاعتي لله عز وجل بصلاة الظهر على أن أعلم الحكمة والفلسفة والعلة من كون صلاة الظهر أربع ركعات، لأن الإنسان لو فعل هذا لن يلتزم بأي حكم من الأحكام الشرعية. أغلب المصالح والمفاسد من وراء الأحكام الشرعية الواجبة والمحرمة مخفية علينا، ماذا يقول الحق سبحانه وتعالى في القرآن؟ يقول: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} لذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما يمدح الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام) ويبين مناقبه وفضائله لأنه يريد صمام أمان للأمة هو يعلم بأن هذه الأمة ستتعرض لحملات من الإفساد والفساد. سيقع كثير ممن نسبوا إلى رسول الله وانتسبوا إليه في حواضن كثيرة ومحاضن كثيرة من الفساد والإفساد، سيروجونها بين الناس على أنها من دين الله عز وجل. حتى أن الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام) لما بين فلسفة سبب نهضته المباركة، قال: «ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه». النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما الذي فعل في هذه الأمة؟ كانوا أفرادًا وقبائل ما كان هناك شيء اسمه أمة. الأمة هي الجماعة من البشر التي يجمعها هدف واحد نسميه به أمة. لكن العرب قبائلهم كانت متباينة ومتفاوتة، كل قبيلة كانت يعنيها شؤونها الخاصة فإذا احتاجت إلى المال، هذه القبيلة سلبت المال من تلك القبيلة. النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر من الله عز وجل جعل هذه الأمة واحدة، جمع القبائل والعشائر والناس على العبودية لله {قولوا لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تُفلِحوا}. ما الذي حصل بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ أخذت هذه المنظومة الفكرية والأخلاقية والسلوكية بالتحلل والتآكل حتى وصل الأمر إلى أن يكون سيد شباب أهل الجنة موجود، والذي يتبوأ سدة الحكم وإمامة الناس الرسمية والمعلنة شخص مثل يزيد! هذا لا يعقل، هذا انحراف خطير، وهذا انحراف كبير. لاحظوا لا يجوز – هذا باتفاق المسلمين – لأحد أن يخرج على طاعة من ولاه الله عز وجل أمر الناس، هذا يتفق عليه جميع المسلمين. الخلاف في أن ولي الأمر الشرعي من هو؟
هذا أو هذا؟ في زمن الإمام الحسين الذي شهد له الله عز وجل بالطهارة وشهد له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس بأنه من أهل الجنة بل سيد شباب أهل الجنة.
كيف يختلط الأمر على الناس؟ بحيث يفاضلون بين هذا وهذا، أين هذا من هذا!؟ هذا سيد شباب أهل الجنة وذاك معلوم سيرته. كيف يجعل هذا ولي أمر الأمة بحيث يأمرهم فيطيعونه وينهاهم فيطيعونه. الإمام الحسين، ما هو المبرر الشرعي الذي جعله يبيح لنفسه أن يخرج ولا يعترف أصلاً بأن هذا له حق الإمامة على الناس؟
لأنه سيد شباب أهل الجنة. لأنه الأكثر معرفة من الناس جميعاً بما أمر الله عز وجل ونهى. وبالتالي تتكامل منظومة الصلاح والإصلاح في شخص الإمام الحسين حيث يمثل هو في ذاته وفي أفعاله، المنظومة الفكرية من جهة، والتطبيق العملي من جهة أخرى. لذلك فإن الذين ارتبطوا بالإمام الحسين ونصروه لما لهذا السبب كانوا أولياء الله لهذا السبب كانوا أصفياء الله لهذا السبب كانوا أوداء الله وأحباءه. هذا هو الذي ميزهم عن سائر الأمة.
لم يكن خياراً سهلاً ولا خياراً بسيطاً وإنما كان خياراً في أشد حالات الصعوبة. وهنا يمتاز الصالحون عن غير الصالحين. يقول الله عز وجل {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ}، يقول الله عز وجل ويؤدّبنا على أن نكرر هذا الأمر في الصلاة يوميا مرات كثيرة {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ}. فطرة الإنسان، كل الناس يطلبون الكمال ويطلبون الصلاح. وذكرنا أن المشكلة ليست في هذا نظرياً، الأمر ليس فيه أي صعوبة. عملياً المصاديق والتطبيقات أين هي؟ يعني ما هي مصاديق الصلاح المطلوبة؟ حتى يكون الإنسان أو يشعر ويشعر نفسه بأنه من السائرين على الصراط المستقيم.
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما حدد لنا الكتاب والعترة وضع النقاط على الحروف {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ}، وهذا بحمد الله ما انتهت إليه الأمة جميعاً. من الناحية النظرية لا يختلف اثنان من المسلمين على أن الإمام الحسين مصيب في حركته. وأن من عاداه ومن قتله لم يكن مصيباً، هو في الضفة الأخرى بشكل كامل. وهذه من إنجازات الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام) لأن المسار كان في اتجاه بعيد جداً. فإذاً، مطلوب من الناس أن يدعوا أن يكونوا هم على سبيل الله عز وجل وسبيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحركة إلى الله.
والعمل بما أمر الله بنفي الشريك عن الله. الآية ماذا تقول؟ {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} يعني لا يمكن للإنسان أن يكون في سبيل رسول الله دون أن يملك البصيرة اللازمة فضلاً عن أن يدعو غيره إذا افتقد مثل هذه البصيرة. لذلك، وُصف أصحاب الإمام الحسين بأنهم أهل البصائر. والإنسان إذا كان صاحب بصيرة مهما اشتدت الخطوب والامتحانات والفتن، الله سبحانه وتعالى يأخذ بيده {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} مع أن الأمر ما كان فيه تلك الشبهة الكبيرة. لا يمكن أن يختلط على الإنسان الصالح – حتى في الحد الأدنى من درجات الصلاح – أن الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام) مع كل تلك الشهادات أنه لم يكن على ضفة الحق وأن غيره كان على ضفة الحق. هذا أمر لا يمكن أن يختلط على أحد، لكن ما الذي حال بين كثيرين ولم يستجيبوا له؟ الذين خرجوا مع الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام) من مكة المكرمة باتجاه العراق حيث كربلاء كانوا ألوفاً كثيرة من الناس لم يخرج وحيداً ولم يخرج بهؤلاء الذين انتهى المطاف بهم إلى كربلاء، لكنه كان في كل محطة من محطات رحلته المباركة – والتي نتفيأ وإياكم ظلالها – كان يحذر كثيراً من الناس، ينبه كثيراً من الناس، لأنه لا يريد إلا الصفوة. لا يريد أن ينتصر بأحد لم يكن يدرك أهدافه. كان يريد من كل من التحق به أن يعرف أن مآل حركته هذه إلى الشهادة. من لحق بنا استشهد ومن لم يلحق بنا لم يدرك الفتح يعني خيرهم بين أمرين: أولاً من التحق بنا سيكون ممّن فتح له لكن فتح بمستوى الشهادة لذلك كان في كل محطة من المحطات ينسحب جماعة من الناس لماذا؟ الخيار صعب. ماذا يقول الإمام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام؟ يقول “الدين لعق على ألسنتهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون” نحن نكرر وإياكم والمؤمنون – جعلنا الله وإياكم ممن يصدق في هذا الشعار – يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً. نحن لم نوفق إلى أن نكون ممّن يعاصر الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام). لكن مبادئه، خصومه، وأعداؤه، أولياؤه، كل هؤلاء موجودون. أنت تواجه كل هذه المصاديق ليلاً ونهاراً تنحاز للإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام) بطاعة الله والتزامها. أو – نعوذ بالله – ينصرف بك الشيطان إلى حيث أعداء الله وأعداء رسوله ومعاصي الحق سبحانه وتعالى. من يكون صادقًا في قوله يا ليتنا كنا معكم، لا فرق والمطلوب مني ومنك أمر أبسط مما واجهه أصحاب الإمام الحسين عليه (أفضل الصلاة والسلام). لم يطلب منا أن نشحذ سيوفنا ونواجه الخطوب و تسفك دماؤنا، مطلوب منا في هذه الفترة في هذا الظرف أن نسير في خطى الله عز وجل، على خط طاعة الله عز وجل . نلتزم بما أمر بما فرض، لا نتخلى عن المعاصي، تستطيع اليوم كما كان الإنسان دائما عبر التاريخ أن يطيع الله في السر والعلن ويعصي الله في السر والعلن لكن الذين تعمر قلوبهم بمحبة الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام) لأنهم يطلبون محبة الله “أحب الله من أحب حسيناً”. لا فرق عنده بين السر والعلن، ولا في الأمر الخطير والصغير، ولا في الأمر في السلم، ولا في الحرب، لا في حالات الصحة، ولا في حالات المرض، لا في حالات الغنى، ولا في حالات الفقر الكبار والصغار.
الجميع مطلوبٌ منهم أن يكونوا حسينيّين أن يكونوا محمديّين فيما أمر الله عز وجل به. كيف هذا يكون هذا المعنى؟ ذكر الإمام الحسين وإحياء هذه المناسبة في الحقيقة هو يقرب الإنسان إلى الله بقدر ما يقترب إلى الإمام الحسين؛ لأن الإمام الحسين عظمته عندنا وفينا لأنه وليُ الله؛ لأنه وريث آدم؛ لأنه وارث نوح. لأنه وارث إبراهيم. لأنه وارث موسى. لأنه وارث عيسى. وارث محمد وبالتالي كل ما نقرؤه في القرآن الكريم وفي سير الأنبياء نجده ممثَّلاً للإمام الحسين. فإذا أحببت الإمام الحسين أنت ترتبط بآدم وبقيمه، ترتبط بإبراهيم وبقيمه، بموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وعليهم أجمعين) بقيمهم، تخالف من خالفوا، و توالي من والوا، تعاد من عادوا، وبالتالي يكون الإسلام فيك إسلامًا حيًّا لا إسلامًا ميّتًا يقف عند حدود الشعارات، لا يقف عند حدود صلاتك وصومك بل في قيامك وفي قعودك في حلك و ترحالك في حالات الغضب في حالات الرضا مع من تحب مع من تبغض أنت مسلم لله عز وجل لا تفعل إلا ما يريد الله ولا يمكن بعون الله عز وجل أن تقع في شيء لا يرضاه الله عز وجل لك. بهذه الطريقة يكون الإنسان صالحًا ومؤهلاً أن يكون داعيًا إلى الصلاح. وأهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام بينوا لنا أن الدعوة إلى الله والدعوة إلى رسوله وإليهم لها مستويان. المستوى الأول: العلني قد لا يتيسر لكل جميع الناس أن يكونوا دعاة علنيين. يمكن يوفق إلى هذا أهل العلم والمعرفة والخطابة والكتابة. لكن جميعنا يستطيع أن يكون صالحًا في نفسه فيكون داعيًا بصمته. « كونوا دعاة لنا ألسنتكم أو «دعاة لنا صامتين». في رواية أخرى. وكذلك يقولون: « كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً». أنت محسوب على أهل البيت محسوب على الإمام الحسين. كيف تنصر الإمام الحسين؟ حسن أخلاقك، حسن قولك، سداد فعلك، بهذا أنت تكون منارةً من منارات الهدى إلى الأمام الحسين وإلى الله و-لا سمح الله- لو أن الإنسان خالف هذا سيُقال شيعي ويحمّل الإمام الحسين بطريقة أو بأخرى هذا سوءًا من الفعل.
نسأل الله عزّ وجل أن نكون وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين، اللهم ارزقنا زيارته وشفاعته
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدًا وناصرًا ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلا.
اللّهم انصرْ الاسلام والمسلمين واخذلْ الكفار والمنافقين، اللّهم اشفِ مرضانا وارحم موتانا وأغنِ فقراءنا وأصلحْ ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجْنا من الدنيا حتى ترضى عنا، وعجل فرج مولانا صاحب العصر والزمان وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.