«فلسفة النبوة عند الإمام علي (١)» – يوم الجمعة ١٦ رجب ١٤٤٣هـ
نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «فلسفة النبوة عند الإمام علي (١)» يوم الجمعة ١٦ رجب ١٤٤٣هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات،
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله.
وأن يكون الإنسان تقيا يعني أن يسعى قدر استطاعته أن يتجنب ما يضره، وأن يسعى قدر استطاعته أيضا في جلب ما يصلح حاله في العاجل والآجل، ولما كان الواقع الذي يعيشه الإنسان، وهذا ما لا مكابرة فيه من قبل أحد، أن علومه بما يصلح له وما يفسده أو يصلحه ويفسده، محدود، لأن عالم الكون فيه غيب وشهادة.
فلو أن أحدا منا، فردا أو جماعة، زعموا أنهم قادرون على أن يحيطوا بما يرون ويلمسون ويشعرون، فلا يستطيعون أن يزعموا أنهم يعلمون بما وراء ذلك، أي الغيب، ومن ثم فإننا لا نستغني عن عون علميا يبيّن لنا ما يجب أن نتقيه، بما يكون في عالم الغيب، سواء الغيب القريب أو الغيب البعيد، الغيب الذي يمكن أن يعين الله عز وجل، العبد أن يطلع عليه بعد جهد معين أو الغيب الذي هو غيب الغيوب، لا يستطيع أحد أن يعرفه، فإذا علمنا أن حياة الإنسان مترابطة بعضها ببعض، يعني حدث يحصل ولك في أوائل وجودك في عالم الدنيا، يبقى أثره يصاحبك إلى أن تخرج من عالم الدنيا، فكيف إذا كان له أثر قد يكون بليغا جدا، في ما وراء هذا العالم.
الله سبحانه وتعالى، لما بعث الأنبياء، بعثهم من أجل أن يغطوا هذه المساحة، لاحظوا، الله سبحانه وتعالى، يقول { الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } هذا الطفل الصغير الذي يخرج من بطن أمه للتو، كيف يعرف أنه جائع؟ بالغريزة، بالفطرة، كيف يعرف أنه عطشان؟ بالغريزة، بالفطرة، هو قبل ثوان حينما كان في بطن أمه، ما كان يرتفع من ثدي أمه، بمجرد أن يخرج، يجد في نفسه علما ضروريا، بديهيا، لا يعلّمه أحد، أن عطشه لا يطفئه إلّا هذا الحليب الذي لا يبحث عنه بيده ولا برجله، وإنما يبحث عنه من خلال الفم، من الذي هداه إلى هذا؟ خلقه الله عز وجل هكذا، فحينما نقول { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } هذا مستوى من مستويات التربية.
ثم إذا تقدمنا خطوة أخرى، هذا الطفل الصغير ما كان يحسن أن يتحدث ويبيّن مقاصده، لذلك، يستعين في الفترة الأولى بالبكاء، لكن البكاء وحده لا يكفي، فإذا تعلم النطق من أبويه، صارت المفاهيم التي تخطر في باله، يكوّن عنها صورة معينة، يعبر عنها باللغة بالكلام، من الذي يعلمه الكلام؟ أبواه، يعني أن الله عز وجل، هنا تطور في عالم تربيته لهذا الإنسان من الجبلة والغريزة والفطرة، إلى الاستعانة ببعض خلقه وهما الأبوان أو من يتكفل بتربية هذا الولد، ثم ننتقل في مرحلة ثالثة، فنجد أنفسنا مضطرين إلى أن نعلم هذا الولد وهذه البنت أكثر من اللغة، نعلمه المهارات، نعلمه العلوم والمعارف، قد يضطر إلى أن يخرج من بلده طلبا للعلم، والسبب؟ إقرار هذا الإنسان أنه فقير علميا، يحتاج إلى أن يستزيد، يستزيد، يستعين بما آتاه الله عز وجل من وسائل التعلم.
الله عز وجل يقول { أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا } أي شيء هذا الذي لا تعلمونه؟ ليس الجوع والعطش، الجوع والعطش يعلمه هذا الطفل، خرج من بطن أمه وهو يعلم أنه يجوع ويعطش ويمرض ويتعب ويتأذى، لكن هناك مستوى آخر، لا تعلمونه، هذا الذي أشارت إليه الآية، هذا الذي لا تعلمونه كيف تتلقون التعليم؟ عبر مراحل التعليم.
لكن نصل إلى مرحلة لا يكفي فيها البعد الغريزي ولا يكفي فيها تعليم الأبوين البدائي ولا تعليم المعلمين والبيئة ولا الجهد الشخصي الذي يبذله الإنسان، لأنه وصل إلى مستوى لا يستطيع أن يحلق في عالم المعرفة فيه، وهو ما نسميه بعالم الغيب.
يقول الله عز وجل { عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } يعني أن الله عز وجل، من خلال الرسل والأنبياء، يعلمكم ما ليس من شأنكم أن تعلموه، لولا الأنبياء.
وبالتالي النبوة والرسالة، وأحيانا هم مصطلحان قد يستعملان كلا منهما في مكان الآخر، نحن حينما نصف النبي بالنبي أو نصفه بالرسول، في كثير من الأحيان، لا نفرّق بين النبي والرسول، الرسول هو حامل رسالة من الله والنبي هو حامل النبأ من الله عز وجل، يتداخلان، لكن الرسالة مقام أعلى من النبوة، فكل رسول نبي لكن ليس كل نبي، رسولا.
لذلك، نجد في القرآن الكريم، قد يُجمع هذان الوصفان ولا يوصف بعض الأنبياء بالرسول والرسالة وإنما يقتصر على وصفه بأنه نبي والروايات أفاضت في هذا الجانب.
هل باب الرسالة والنبوة لا يزال مفتوحا؟ الجواب: كلا، إسلاميا نحن نعتقد بأن باب الرسالة والنبوة أغلق، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، هو خاتم النبيين (لا نبي بعدي) (يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلّا إنه لا نبي بعدي) يعني الوحي النبوي والرسالي هذا انتهى، ليس هناك أحد يتلقى وحيا نبويا ولا رساليا.
هل هذه النبوة والرسالة ضرورة بالنسبة إلى الناس؟
الجواب ما بيناه في الإطار العام، يتبين لنا أننا لا نستغني عن أن نتصل بالله عز وجل، من خلال من يرسلهم من الرسل والأنبياء، ليبينوا لنا ما لا نعرف.
“ابن سينا” الفيلسوف المعروف، وكذلك بقية الفلاسفة، يقولون نحن بالتأمل العقلي نستطيع أن نثبت، بعد معرفتنا بالله عز وجل، يعني نعرف أن الله لطيف، نعرف أن الله عادل، نعرف أن الله كامل من كل جهة، فإذن، عدل الله كمال الله المطلق، يقضي بالضرورة، بالعقل، أن هناك يوما غير عالم الدنيا، يرجع الناس فيه إلى الله عز وجل، على أقل التقادير، حتى يكافأ المحسن على إحسانه ويقتص من الظالم لظلمه، لأن الله أعدل من أن يُظلم أحد ولا تأخذ له ظلامته.
ونجد أن كثيرا من الناس يموتون مظلومين، دون أن يأخذوا حقوقهم، أين هو عدل الله؟ يقولون العقل يلزم، لا بد أن يكون هناك يوم نسميه بالمعاد، بالقيامة، بالحشر، لكن تفاصيل هذا اليوم، “ابن سينا” يقول بالعقل لا نستطيع أن نستكشف تفاصيل هذا اليوم، فهذا نتلقاه عبر الوحي، فإذن، هناك دائرة معارف، لا نستغني فيها عن الأنبياء، عن الرسل، لأن لهم عين ملكوتية، لأن الله عز وجل، يقرر في القرآن الكريم يقول { بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ }.
كل شيء في هذا العالم، ليس هو الذي نراه، فقط، ما وراء هذا الذي نراه ونلمسه ونسمعه، هناك عالم آخر، هذا العالم لا تبحث عنه في المختبرات ولا بالتلسكوبات ولا بالمجهر، هذا لا يُرى، هذا شيء آخر.
يعني لو أنك جميع مجاهر العالم وتلسكوباته سُلطت عليك لما عرفوا ما يجول في خاطرك، خاطرك أنت الذي تعرفه، هناك عالم آخر، أعقد من هذا، هذا ما يدعو إلى أن نقول يجب أن يكون هناك أنبياء، لأننا حينما نقول يا أيها الناس اتقوا الله
كيف نتقي الله عز وجل، والناس يكتبون الدساتير والقوانين والأنظمة ويسوون الخرائط للبيوت، ثم في أثناء بنائك لبيتك تكتشف أنك أخطأت، كيف أخطأت، وقد تأملت وتفكر تراجعت المهندس وشاورت فلانا وشاورت فلانا واستفدت من تجربة فلان؟ نعم لا يحيطون بعلمه، هناك شيء تكتشفه في الأثناء، هذا البيت يمكن لا يصلح البيت، نعيد البناء، البيت، نعيد الخريطة، حتى لو خسرنا مالا، لكن عمرك هذا الذي تصرم وانقضى، كيف تقول أستدرك عمري بأن تتقي الله عز وجل، في شيء كنت أظن أن المصلحة في فعل كذا وترك كذا؟! لا تستطيع أنت أيها الإنسان أن تقنن لهذا الجانب على أقل التقادير، ندرك أن لله عز وجل، في أعناقنا حقا، هو أن نعبده {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ }.
لكن كيف نتعبّد الله عز وجل، بالركوع والسجود بالصلاة بالصوم بالصامت؟ ما ندري، نحن كبشر، لا نستطيع أن نقترح، ولذلك لما تدخلت عقليات الناس في العبادات، ستجد الأعاجيب، والسبب هو أن هؤلاء ليس كلهم يقول أن هذه العبادة منسوبة إلى الله سبحانه وتعالى، لماذا نتجه إلى الكعبة، لا نتجه إلى مكان آخر؟ لا ندري، الله سبحانه وتعالى، هو العالم بأي الجهات تصلح أن نتوجه إليها.
شوفوا “أمير المؤمنين” عليه أفضل الصلاة والسلام، يقرر أربعة قواعد تفرض علينا أن نؤمن بضرورة ولزوم بعث الله عز وجل الأنبياء:
القاعدة الأولى – أن الله سبحانه وتعالى الذي خلقنا.
وأن يكون الإنسان مخلوق هذا لا يقر فيه لا ملاحدة ولا مؤمنين، الكل يعرف أنه لم يكن ثم كان، ما في أحد بعد يقول أنا كنت قديما، ولا أنه مخلد { أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ } الكل جاء وسيذهب، قبل أن يأتي وبعد أن يذهب، ما هو حاله؟ كيف يجب أن يكون عليه حاله؟
الله سبحانه وتعالى، هو الذي خلقك، فلا بد أن وراء خلقك هذا حكمة تناسب كمال الله.
مو[لا أن] يجيء نصنع لنا جهاز معقد جدا، ثم بعد أن نقلب هذا الجهاز ونتأمله، نقول ما هي فائدته؟ يجيء المهندس الذي صنعه يقول والله كنت ألعب..!
يضحك عليك.! بكل هذا التعقيد وهذه الأسلاك وهذه البراغي وهذه الصواميل، تقول أنا صنعته لا لشيء، هذا لا يفعله إلّا الحمقى، فكيف بالله عز وجل، الذي خلق هذا الإنسان لحكمة عظيمة تناسبه، من يبيّنها؟ هو { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} أيضا هنا ليعبدون ليست العبادة نفعها يرجع إليه وإنما يرجع إلى العبد نفسه، لأن الله قرر أنه غني حميد، فالفائدة ترجع إلى العابد لا إلى المعبود، فالقاعدة الأولى نفي العبث عن الله.
لاحظوا ماذا يقول أمير المؤمنين عليه السلام؟
يقول (واعلموا عباد الله….) مرت علينا ذكرى ولادته ونحن بعد فترة وجيزة بأيام نستقبل بعثة النبي، هذه هي المناسبة، المناسبة التي فرضت علينا أو اخترنا بسببها، أن نختار فلسفة النبوة عند “أمير المؤمنين” عند “الإمام علي” عليه السلام، يقول (واعلموا عباد الله أنه لم يخلقكم عبثا ولم يرسلكم هملا)
الله لم يعبث حينما خلق الناس ولو أنه أرسل الناس هملا، لم يكلفهم بشيء، لناقض ذلك حكمة الله سبحانه وتعالى، فإذن، لا بد أن هناك شريعة، لا بد أن هناك قانون، لا بد أن هناك غاية.
ويقول في موضع آخر (ولم يرسل الأنبياء لعبا ولم ينزل الكتاب للعباد عبثا، ولا خلق السموات والأرض، وما بينهما باطلا {ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار}).
من يتوهم أن الله عز وجل، خلقه ثم رفع الله عز وجل، يده عنه، قال له افعل ما تشاء، أنت تأمل أن تفكر في نفسك، أنت خطط لنفسك، بعيدا عما قرره الله عز وجل، إليك، هذا مستوى من مستويات الكفر بالله سبحانه وتعالى، هذا اتهام لله عز وجل، هذه قاعدة.
القاعدة الثانية – الحاجة إلى الوحي، كما ذكرنا والنبوة يقضيها ويلزم بها إيماننا بالغيب والشهادة.
وبالتالي، نحن لا نعلم المصالح الحقيقية، لاحظوا ماذا يقول “أمير المؤمنين” يقول في موضع آخر، خطبة الخطبة (٣٣) من “نهج البلاغة” (إن الله سبحانه بعث محمدا صلى الله عليه وآله وليس أحد من العرب يقرأ كتابا…) أي كتابا سماويا لا يقصد الكتابة، يقرأ الكتابة لا فخر فيها، قراءة الكتاب المقصود به الكتاب السماوي، كتاب الوحي (…وليس أحد من العرب يقرأ كتابا ولا يدعي نبوة).
“أمير المؤمنين” كأنه هنا يلمح، يقول حاجة الناس إلى الوحي، هذه مسلّمة، ضرورة، ما ينبغي لأحد أن يشكك فيها ولا ينبغي لأحد أن يشكك في أن الناس يحتاجون إلى نبي يكون سفيرا بين الله وبينهم، يعلمهم ما يحتاجون ويدفعهم عما يضرهم (…ولا يدعي النبوة فساق الناس…) أي النبي صلى الله عليه وآله الذي قرأ الكتاب والذي ادّعى – صادقا- النبوة عن الله عز وجل.
بركة هذا الوحي ماذا كانت؟ (….فساق الناس حتى بوأهم محلتهم وبلغهم منجاتهم فاستقامت قناتهم واطمأنت صفاتهم).
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أحدث نقلة اجتماعية ضخمة جدا، على مستوى من آمن به، كيف كان حال العرب قبل الإسلام وأين أصبح حالهم بعد الإسلام، أمة
تركت بصماتها على واقع البشر أجمعين، لكن لما انتكسوا أيضا رجع الوضع إلى ما كانوا عليه، لأننا لا نستغني عن الكتاب ولا عن النبوة.
القاعدة الثالثة – الله سبحانه وتعالى، لما خلق الناس بمقتضى أنه لم يخلقهم عبثا، جعل بينه وبينهم ميثاقا، وهذا الميثاق بمستويين، ميثاق تدركه بفطرتك، مثل شعورك، بضرورة شكر المنعم.
شوفوا البشر، من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، لو أن أحدا منهم أسدى إلى أحد معروفا ولم يبدي له مستوى من مستويات الشكر، كل الناس يذكرونه بأنه جاحد للنعمة، وهذه نعمة بسيطة، فكيف الله سبحانه وتعالى، الذي خلق لك وهيأ لك، كل هذا هذه الظروف التي جعلتك تعيش هذا النعيم الذي أنت فيه، ألا يستحق منا شكرا؟!
بلى، يستحق منا شكرا، وهذا يقضي أن نعرفه ثم نترجم شكرنا لله عز وجل، بما يناسبه، فإذن، هناك ميثاق وهناك أيضا وجوب شكر المنعم وأمثاله، مما يترتب عليه. قال عليه السلام في الخطبة الأولى من “نهج البلاغة”.
(….فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبيائه ليستأدوهم ميثاق فطرته) ميثاق الفطرة، هذه القناعات والإيمانيات الموجودة في فطرتك، لا يجوز للإنسان أن يتجاوزها ويتخلى عنها، الأنبياء هم الذين يفعّلون هذه الفطرة، ويحافظون على هذا الميثاق ويبرزونه.
(….ويذكروهم منسي نعمته ويحتج وعليهم بالتبليغ….) لأنهم سيرجعون إليه، حتى لا يقول أحد يا ربي أنا كنت أود أنا أعبدك وأنا أكون متقيا، لكن لم أكن أعرف، بعث الأنبياء من أجل أن يقطع الطريق أمام مثل هذه الدعوى.
القاعدة الرابعة – يقول عليه أفضل الصلاة والسلام ويقرر أن عالم الدنيا هذا يجب أن توضع الدنيا في حدودها المستحقة.
لا نهملها إهمالا كاملا، لكن لا نعبدها من دون الله عز وجل، وهذا فعل يفعله البشر جميعا، ألا يقول العامة من الناس “إللي ما يعرف طير الصقر يشويه”…!
طير الصقر ليس مما يشوى ويؤكل، الذي يؤكل طير آخر، لأن للصقر مهمة أخرى. كذلك عالم الدنيا، عالم الدنيا من جعلها غاية تهلكه ومن جعلها وسيلة إلى الآخرة.
تنجيه.
يقول عليه أفضل الصلاة والسلام، في الخطبة (١٨٣) (وبعث إلى الجن والإنس رسله ليكشفوا…) أي الرسل يكشفون للجن والإنس (….ليكشفوا لهم عن غطائها….) يعني مواعظ الأنبياء والتزهيد في الدنيا، ليس لأن الدنيا لا قيمة لها، لكن الأنبياء يريدون أن يقولوا من الحكمة أن تتعامل مع كل شيء بما يناسبه.
(….ليكشفوا لهم عن غطائها وليحذروهم من ضرائها…) ضررها يعني (…وليضربوا لهم أمثالها و ليبصروهم عيوبها وليهجموا عليهم بمعتبر من تصرف مصاحها وأسقامها) يعني عالم الدنيا عالم تقلب، عالم تقلب أحوال وعالم تقلب الأحوال لا ينبغي أن تبني بيتك على بحيرة من الملح وبحير من الماء، بحيرة الملح بحيرة ملح والماء ماء، لا يبنى عليه، في عالم الدنيا، كم سيدوم عمرك؟ مئة سنة، ستين سنة، خمسين سنة، ألف سنة، لكن لن يزحزح المستحق للعذاب أن يعمر ألف سنة، لا يمكن أن يعمر، لأن الله لم يخلقك للدنيا وإنما خلقك للآخرة.
(….وحلالها وحرامها وما أعد الله للمطيعين منهم والعصاة من جنة ونار وكرامة وهوان).
هذا مجمل ما يمكن أن يذكر كفلسفة للنبوة، كيف أدى هؤلاء الأنبياء وترجم هؤلاء الفلسفة، هذا ما سنستعرضه إن شاء الله في حديث لاحق.
نسأل الله عز وجل أن نكون وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا،
اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضا عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.