حديث الجمعة

«زينة المتقين – 6» – تكامل الإيمان (2) – يوم الجمعة 18 ذي القعدة 1446 هـ

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «زينة المتقين – 6» يوم الجمعة 18 ذي القعدة 1446 هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الخلق، وأشرف الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

ربِّ اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.

اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

انطلاقًا من قولِ الإمامِ السجادِ (عليه السلام) في دعاء مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال : اللهم .. بلِّغ بإيماني أكملَ الإيمانِ، هذا المقطع يشير إلى ما كان موضوعاً لحديثِنا في الأسبوع الماضي، حول تكاملِ الإيمانِ، ونكمل الحديثَ اليومَ في السياق نفسه؛ بالإشارة إلى أن للإيمانِ مساراتٍ أربعةً قد تكون أكثر، لكن نكتفي بهذه الأربعة ليتضح لكلِّ واحدٍ منّا أن الإيمان ليس مجرد شعارٍ يرفعه المؤمن، فيُصنّفَ نفسَهُ، أو يُصنّفه الناسُ، أنه من المؤمنين، وإنما هناك اشتراطاتٌ والتزاماتٌ يجب عليه أن يتحلَّى بها، إذا أراد أن يكون من المؤمنين حقّاً.

اللهُ سبحانه وتعالى يقول في سورة الأنفال بعد أن يذكرَ مجموعةً من الصفاتِ -: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 4].

ويقول في موضعٍ آخرَ عن الناسِ -: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ ..} [آل عمران: 163]
ولم يقل (لهم درجات)()، يقول: هم درجات. أي أن الناس لا تكون لهم درجات متفاوتة إلا أن يكون الإنسان في ذواتهم درجات، عن أن يتحلى بمرتبة إيمانية أعلى من المرتبة التي يتحلى بها غيره من الناس؛ فإن الله عز وجل، يقول {.. إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ..} [الحجرات: 13]. هذا التفاضل هو الذي يميز شخصاً عن آخر.

السيد الطباطبائي (رحمه الله) يشير في مواضع متعدّدة من تفسير الميزان إلى مبحث عالجه كثيرٌ من العلماء، وهو:

هل أن الإيمان يشتد ويضعف؟

وهل تتسع دائرته أو تضيق؟

هذا مبحثٌ طويلٌ في علم الكلام.

نشير فيه إلى ما ذكره السيد في موضع من مواضع حديثه، في ذيل قوله عز وجل {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ..} [الفتح: 4].

المؤمن قد يزيده الله عز وجل إيمانًا فوق إيمانه، مع إيمانه، كيف؟

أن يجمع بين العلم والعمل.

الإيمان في أصل اللغة مأخوذ من آمن، أي: صدّق، والتصديق فعل قلبي عقلي، ولذلك كل الناس يؤمنون بشيء، ويكفرون بشيء.

المؤمن مؤمن بالله عز وجل وما يتفرع عنه، ويكفر بالطاغوت وما يتفرع عنه، بينما الكافر يكفر بالله وما يتفرع عنه، ويؤمن بالشيطان وما يتفرع عنه.

فمسألة الإيمان والكفر، هي مسألة من أي زاوية تلاحظ ، فيكون فعلا ممدوحا إذا كان وفقا للموازني الإلهية، ويكون الإيمان مذموما إذا كان مساوياًفي عقيدتنا.

لاحظوا ماذا يقول اللهُ عز وجل الآيات التي استشهد بها السيد العلامة الطباطبائي (رحمه الله)، حتى يفرّع عليها نتيجة، تمهّد للحديث عن المسارات الأربعة في السورة المسماة باسم رسولنا (صلى الله عليه وآله)، يقول عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ..} [محمد: 25]. تبيّن لهم الهدى يعني: يعلمون، لكنهم مع ذلك ارتدوا، فيمكن للإنسان أن يجمع بين العلم بالشيء، وتبيّنه، وعدم الإيمان به، أي: أن لا يلتزم بلوازمه.

الآية الأخرى ما جاء في السورة نفسها: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى } [محمد: 32] فإذن يعرفون الحق لكنهم يكفرون به، لا يلتزمون بمضامينه.

وفي سورة النمل يقول عز وجل {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ..} [النمل: 14]، فليس كل من كان على يقين بالشيء، ومن الشيء، يعني أنه حقق الإيمان به، فهذا فعل وذاك فعل، إذا اجتمعا، فهو أمرٌ حسن، وإذا افترقا ويمكن أن يفترقا يكون هذا فعلاً سيء.

ويقول عز وجل في سورة الجاثية عمن ذمه {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ..} [الجاثية: 23]، فيمكن للإنسان أن يكون عالما بالشيء، ومع ذلك يضله الله عز وجل، لأنه لا يريد أن يهتدي.

السيد (رحمه الله) يستنتج : فالآيات كما ترى تثبت الارتداد، والكفر، والجحود، والضلال، مع العلم. فالعلم وحدة ليس ضمانة لأن يكون الإنسان مؤمناً

هذا جانب، أرضية العلم يشكل أرضية حسنة للإيمان إذا أضفنا إليها ترجمة هذا العلم على مستوى العمل، يضيف السيد يقول:

فمجرد العلم والجزم بكونه حقًّا، لا يكفي في حصول الإيمان، واتصاف من حصل له بالإيمان، بل لا بد من الالتزام بمقتضاه، وعقد القلب على مؤدّاه، بحيث يترتّب عليه آثاره العملية ولو في الجملة، حتى يدخل في حظيرة المؤمنين، ثم داخل حظيرة المؤمنين، هناك مؤمن، وهناك من هو أشدّ إيماناً، لكن الذي لا يلتزم بشيء من لوازم الايمان أصلاً، ما دخل في هذه الحظيرة المقدسة، حتى يكون من المؤمنين، هو خارج هذه الدائرة.

فالذي حصل له العلم بأن الله تعالى إله لا إله غيره، فالتزم بمقتضاه وهو عبوديته وعبادته، وحده، كان مؤمناً، ولو علم به ، أي بأن الله هو الإله وحدة ولم يلتزم، فلم يأتي بشيء من الأعمال المظهرة للعبودية، كان عالماً، وليس بمؤمن.

فإذن، لابد أن نضع في حسباننا هذا الأمر، فالإيمان علم وعمل. بل في بعض الأخبار الإيمان عمل كله().

وأما المسارات، فنُشير إلى أربعة مسارات رئيسية:

المسار الأول: أن للإيمان تكويناً نفسيّاً يسميه الله عز وجل في القرآن الكريم بـ(الصبر)

وقد ورد في الأحاديث الشريفة كما أشرنا سابقاً -: الصبر من الإيمان، كالرأس من الجسد()، فمن لا صبر له، لا إيمان له. يجب أن يتحلى الإنسان بحالة الصبر، وبفضيلة الصبر، حتى يكون من المؤمنين فعليه أن يدخل في الإيمان أولاً، ثم يترقى في درجات ومراتب الإيمان درجة فوق درجة.

يقول الشاهد على هذا ما جاء في قول الله عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 157].

الاهتداء هنا يساوي الإيمان.

من هو المؤمن والمهتدي؟

هو من يتحلى بهذه الفضيلة.

كيف؟

الله سبحانه وتعالى يُتيح لبعض الابتلاءات والمشاق أن تنال من الإنسان، أن يفقد عزيزاً، أن يُصاب في مال، أن يُصاب في بدنه؛ لأسباب لم يكن السببُ هو فيها، حتى يقول أنا أتحمل، لا، شيء حل به مصيبة حلت به، أن يفقد الإنسان أباه أو أمه ليس أمراً يختاره هو، لأن الإحياء والإماتة بيد الله عز وجل. كيف يتعامل هذا الإنسان؟

بعض الناس للأسف الشديد قد يفقد الإيمان ولو للحظة، هذا الإنسان الذي يجزع في المقبرة عند الموت، لماذا؟ أنا من بين جميع الناس أصاب بهذا؟!

من قال بأنك وحدك، الذي تصاب بمثل هذه المصائب؟!

إذهب إلى المستشفيات والمقابر وانظر إلى أحوال الناس، ستجد أنك مهما بلغك بك من البلاء، فستجد من هو أشد بلاءً منك.

لذلك، المؤمن يتحلى بالصبر، يعي ويُدرك أن الابتلاءات سنّة من سنن الله في الدنيا. لا يمكن للإنسان أن يعيش في عالم الدنيا دون أن يُبتلى بنحو من أنحاء الابتلاءات، بالفقدان حيناً، في المادة والمعنى، وبالوجدان حيناً آخر.

كما أن الفقير يبتلى، الغني أشدُّ ابتلاءً من الفقير!

الفقير المطلوب منه الصبر قياساً بما يطلب من الغني، نسبة متواضعة جدا الأغنياء الأغنياء بك، أي معنى الأغنياء في المال، الأغنياء في العلم، الأغنياء بكل نعمة أنعمه أنعمها الله سبحانه وتعالى عليهم. المطلوب منهم من التكاليف اللازمة والمستحبة أضعاف ما يطلب من المؤمنين.

المؤمن الفقير لا شيء عنده حتى يحاسبه الله عز وجل، لكن ذاك الذي آتاه الله عز وجل مالاً أو علماً، أو جمالاً، أو كمالاً، حسباً، نسباً، مطلوب منه أضعاف ذلك، ماذا يقول الله عز وجل: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ..} [الأحزاب: 32] كونك زوجةً لنبي من أنبياء الله، لرسول من رسول الله، الحساب مضاعف، من يأتي منهن بفاحشة العقاب لها مضاعف، ليس كغيرها.

لذلك السيد الشريف الرضي (رحمه الله) وقد كان بعد أبيه  نقيباً للهاشميين للطالبين كان يعاقب الواحد من السادة إذا وقع فيما يستوجب التعزير عقوبتين: عقوبة للإثم الذي وقع فيه، ويضيف إليه عقوبة أخرى، يقول هذه لرسول الله. أنت تحمل الانتساب لرسول الله، الحساب عليك أشدّ من الحساب لغيرك من الناس، لأنك تضيف إلى إثمك إثماً آخر، وهو تشويه سمعة هذا النسب الشريف. فبالتالي من له الغنم، فعليه الغرم كما يقولون.

فإذن هذا آية، فالصبر يجب أن نعرفه، يجب أن نعرف كيف نتحلى به، ويجب أن نلتفت إلى أن الإنسان لا يستغني عن الصبر، أعزباً كان أو متزوجاً، غنياً أو فقيراً، كبيراً أو صغيراً، مريضاً أو سليماً، في جميع أحوالك، أنت بحاجة إلى الصبر.

الذين يلتزمون الصلاة إنما يلتزمونها، لأنهم يتحلون بالصبر، وبقدر ما يفتقدون فضيلة الصبر، يتخلون عن أداء الصلاة كما فرضها الله عز وجل، وقس على هذا جميع ما فرضه الله عز وجل، أو ما ندب إليه. يجلس بين الصلاتين، لا شغلَ عنده! يترك النوافل لا شغل عنده! فقط لأنه لا صبر عنده، لا يحتمل أن يصلي ركعتين، لكنه يحتمل أن يضع الجوال بين يديه. الجماعة يشتغلون بالنوافل، وهم يشتغلون بالجوال، هذا شغل، وهذا شغل، لكنه صبر على هذا، ولم يصبر على هذا، وقس على هذا، كل عمل حسن، ينبغي للإنسان أن يفعله ولا يفعله، والسبب هو أنه لا يتحلى بالصبر.

المسار الثاني: التكوين العلمي الذي يسميه الله عز وجل في بعض الآيات باليقين

مطلوب منا أن نتعلم، لكن مطلوب منا أن تكون قدم أقدامنا راسخة في العلم، لا أن يكون علمنا سطحي وساذج وبسيط، لأن الإنسان إذا كانت معلوماته بسيطة يدخله الرجال، ويخرجه الرجال، فيكون تبعاً لهذا، وتبعا لذاك، ينعقون مع كل ناعق.

لاحظوا ماذا يقول الله عز وجل عن القرآن الكريم: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 2/5]

المطلوب هو الإيقان بالآخرة، وليس العلم بأن هناك آخرة يحاسب اللهُ عز وجل فيها الناسَ، كلما زاد يقين الإنسان بالآخرة كلما انكمش عن أن يقع في السيئات، لأنه يعلم أن الله سيحاسبه على الصغيرة والكبيرة.

لاحظوا كيف يتغير سلوك الناس حين يعلمون أنهم تحت المراقبة.

لا حظوا كيف الناس يراقبون اليوم قبل أن توضع الغرامات على الإلتزام بأنظمة المرور. كان الناس لا يلتزم بأنظمة المرور، لكن لما علم الناس أن هناك كاميرا، وهنا مراقبة، هناك كاميرا ثابتة، هناك كاميرا متنقلة، الناس يحذرون أول ما يركب السيارة يضع الحزام، ثم لا يخالف، لا يرفع الجوال، لا يقوم بأي مخالفة؛ ليقينه بأن الضرر سيترتب عليه، ولو كان ضرراً مالياً.

لكن المسألة فيما يتعلق بتكاليف الله، ليست ضرراً مالياً، غرامة تدفعها مصيرك على المحك، قد يفوتك الجنة، وقد نعوذ بالله، تبتلى بأن نكون وإياكم من أهل النار نعوذ بالله من ذلك فالمسألة خطيرة. من الذي ينجو؟ الذي يكون على يقين من الآخرة، يعرف أدلتها، يعرف أن عدل الله عز وجل لا يجوزه ظلم ظالم. زوجته لا يؤذيها، لعلمه أن الله عز وجل سيوقفه. زوجها لا تظلمه، لعلمها أن الله عز وجل لا يجوزه ذو المظالم، وعلى هذا الحساب والمقاس، كل إنسان مطلوب منه أن يكون عادلاً، مؤدياً لفرائض الله عز وجل، لأنه الخالق ولجميع المخلوقين، {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } [المائدة: 8]. حتى مع العدو يجب أن يكون الإنسان عادلاً، لأن لهذا العدو حق سيقتص من هذا، إذا وقع عليه عدوان بغير حق.

المسار الثالث: العدل

العدل هو انضباط ذاتي، نجمع إلى جانب اليقين أن يكون الإنسان عادلاً. والعدالة تعني السير في الصراط المستقيم. كانوا عن الصراط المستقيم، وهذا يتوقف على المسار السابق العلم، يعني لا يمكن للإنسان أن يلتزم حرفياً بالنظام الإلهي، وهو لا يعلمه، لا يعرفه. ستجده يتخبط هنا ويتخبط، هنا يمكن أن يتدارك بعض التصرفات الخاطئة، لكن هناك تصرفات خاطئة قد لا يتأتى للإنسان أن يتداركها أو يفوته الوقت أن يتداركها.

لاحظوا ماذا يقول الله عز وجل، في سورة التوبة: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة: 19 20].

هذا الانضباط الذاتي، هو ما نسميه بالعدل، أن يتصف الانسان بصفة العدالة، أي الاستقامة والانضباط وفقاً للموازين الشرعية، وهذا يحتاج إلى علم ويحتاج إلى تدريب، ويحتاج إلى مراقبة دائمة ومستمرة.

المسار الرابع والأخير: تحمل المسؤولية

وهو ما يمكن أن نسميه بالجهاد في سبيل الله، سواء جهاد أصغر القتال، قتال، العدو المعتدي، أو مقاتلة الشيطان، وهي معركة تبدأ ولا تنتهي، ابتدأت مع أبينا آدم، ولن تنتهيَ إلى آخر هذه الدنيا. مطلوب منك أن تتحمل المسؤولية تجاه نفسك، وتجاه خالقك، وتجاه الناس.

يقول الله عز وجل في سورة البقرة: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].

بعض أتباع الديانات المنحرفة، والتي خرجت عن مسار الله عز وجل كاليهود مثلاً يعتبرون الختان، هذا هو عهد الله، يجب أن يختتن الإنسان. نعم، اختتن الإنسان، ثم ماذا؟ يجب أن يتوجه إلى القبلة الفلانية؟ ثم ماذا؟ قال: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران: 175]. خد راحتك مع الآخرين. اعتدِ عليهم.

الله عز وجل يضع لنا موازين، قال: ليس البر أن تولي وجهك في هذه الجهة أو تلك. لا! ثمة موازين، هي ما ذُكرت في الآية الشريفة: إيتاء حق الله عز وجل له، وأداء حقوق الناس، ومراعاة حق الإنسان، حق نفسه عليه.

ليس مسموحاً للإنسان أن يقول بلسان الحال أو المقال -: أنا حر!

لا! لا يمكن للإنسان أن يكون حراً في مقابل ما وضعه الله عز وجل علينا من قيود، كل ما كُلِّفنا به من الفرائض؛ من الصيام أو الحج أو الزكاة أو غيرها من التكاليف، الغرض منها هو وضعنا في هذه المسارات الأربعة، حتى يتحقق منا الإيمان كما يريده الله عزه وجل.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

اللهُمَّ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمد.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة، وفي كل ساعة، وليًا، وحافظًا، وقائدًا، وناصرًا، ودليلًا، وعينًا، حتى تسكنه أرضك طوعًا، وتمتعه فيها طويلًا.

اللهُمَّ انصُر الإِسلامَ والمُسلِمين، واخذُلِ الكُفَّارَ والمُنافقين. اللهُمَّ اشفِ مَرضانا، وارحَم موتانا، وأَغنِ فُقراءَنا، وأَصلِح ما فَسَدَ من أَمرِ دِيننا ودُنيانا، ولا تُخرِجنا من الدُنيا حتى تَرضَى عنَّا يا كَريم.

وصلَّى اللهُ على سيِّدنا ونَبيِّنا مُحمّدٍ وعلى آلِه الطيّبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *