خطبة عيد الأضحى 1443 هـ
نص خطبة عيد الأضحى المبارك التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي صباح يوم الاثنين ١٠ ذي الحجة ١٤٤٣ هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.
الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، زنةَ عرشِهِ، ورضا نفسِهِ، وعددَ قطرِ سمائِهِ وبحارِهِ، له الأسماءُ الحسنى، والحمدُ للهِ حتى يرضى، وهو العزيزُ الغفورُ.
اللهُ أكبرُ كبيراً متكبراً، وإلهاً متعززاً، ورحيماً متحنناً، يعفو بعد القدرةِ، ولا يقنطُ من رحمتِهِ إلا الضالون.
اللهُ أكبرُ كبيراً، ولا إلهَ إلا اللهُ كثيراً، وسبحانَ اللهِ حنَّاناً قديراً.
والحمدُ للهِ، نحمدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفرُهُ، ونستهديه.
ونشهدُ أن لا إلهَ إلا هو، وأن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ. مَن يُطِع اللهَ ورسولَهُ فقد اهتدى، وفاز فوزاً عظيماً، ومَن يعصِ اللهَ ورسولَهُ فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً، وخَسِرَ خُسراناً مُبِيناً.
عبادَ اللهِ!
أوصيكم – ونفسي – بتقوى اللهِ، فإنها الحصنُ الحصينُ، والحبلُ المتينُ.
أما بعد، فإن اللهَ تعالى نبَّهنا في كتابِهِ الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِه ..} [فصلت: 42]، فقال ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ..}، ثم حثَّنا على العملِ والطاعةِ، وحضَّنا على الثباتِ على ذلك، فقال {.. وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وبيَّن لنا أن العملَ المأمورَ به، والمجزيَّ بالأجرِ الحسنِ عليه، هو العملُ الصالحُ على قاعدةِ الإيمانِ، فقال عزَّ من قائلٍ {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 96-97].
فلنحرص – أيها المؤمنون والمؤمناتُ – على هذا وذاك، ولنجتهد أشدَّ الاجتهادِ؛ من أجل أن نحظى وإياكم بوعدِ مَن لا يُخلف الميعادَ.
وإن من المظاهرِ الجليةِ للإيمانِ، والمصاديقِ الواضحةِ للعملِ الصالحِ، السعيَ إلى استثمارِ الوقتِ، ورعايةِ مَن وُلِّينا أمرَهُ.
وها قد أطلَّت علينا العطلةُ الصيفيةُ، والتي هي فترةُ استجمامٍ من عناءِ الدراسةِ للطلابِ والطالباتِ، ولأهليهم، لكن هذا لا يُعفينا – ولا يُعفيهم – من واجبِ الإيمانِ وشُعبِهِ، ولا من العملِ الصالحِ بصنوفِهِ، وكلاهما لا بد فيه من السعيِ والجهدِ، فقد قال اللهُ تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39].
ونضيف إن العطلةَ الصيفيةَ هي فرصةٌ ذهبيةٌ لِمن أحسَن استثمارَها؛ لتداركِ بعضِ تقصيرِهِ، أو تعويضِ شيءٍ مما فاته، وما أكثرَ النشاطاتِ النافعةِ للبنين والبناتِ، التي يمكن أن تضيفَ إلى معارفِهم معارفَ، وإلى مهاراتِهم مهاراتٍ، هم – ونحن معهم – بأمسِّ الحاجةِ إليها.
وإن أملَنا بأبنائِنا لكبيرٌ، وحاجتَنا إليهم لشديدةٍ، لكن هذا الأملَ لن يتحققَ، وهذه الحاجةَ لن تُلبَّى، إلا على أيدي الصالحين منهم.
لذلك ندعو الآباءَ والأمهاتِ، والأبناءَ والبناتِ، إلى أن لا يفوِّتوا نعمةَ العطلةِ الدراسيةِ، بالكسلِ واللهوِ، فتكونَ عليهم وعلينا غصةً، وليشمِّروا – ولنشمِّر معهم – عن ساعدِ الجدِّ والمثابرةِ، لتكونَ العطلةُ الصيفيةُ – لهم ولنا – خيرَ فرصةٍ، فنكونَ وإياهم من المرحومين، فقد روي عن أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام) أنه قال “رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً اغْتَنَمَ الْمَهَلَ، وَبَادَرَ الأَجَلَ، وَتَزَوَّدَ مِنَ الْعَمَلِ” [نهج البلاغة – الخطبة 76].
جعلنا الله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.
اللهم صل على محمدٍ وآلِ محمدٍ، وبارِك على محمدٍ وآلِ محمدٍ، وتحنن على محمدٍ وآلِ محمدٍ، وسلِّم على محمدٍ وآلِ محمدٍ، كأفضلِ ما صليتَ وباركتَ وترحمتَ وتحننتَ وسلمتَ على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيدٌ.
إن أحسنَ الحديثِ ذكرُ اللهِ، وأبلغَ موعظةِ المتقين، كتابُ الله عزَّ وجلَّ.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ، نحمدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفرُهُ، ونستهديه، ونؤمنُ به، ونتوكلُ عليه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا.
مَن يهدي اللهُ فلا مضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له.
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، أرسله بالهدى ودينِ الحقِّ ليظهرَهُ على الدينِ كلِّهِ ولو كره المشركون، وجعله رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً وداعياً إلى اللهِ بإذنِهِ وسراجاً منيراً. مَن يُطع اللهَ ورسولَهُ فقد رشُد، ومَن يعصيهما فقد غوِي.
عبادَ اللهِ! أوصيكم – ونفسي – بتقوى اللهِ، الذي ينفعُ بطاعتِهِ مَن أطاعَهُ، والذي يضرُّ بمعصيتِهِ مَن عصاه، الذي …
… رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28].
عباد الله!
إن من الإيمانِ والعملِ الصالحِ أن نتجنبَ الباطلَ كلَّهُ، اعتقاداً وممارسةً، قولاً وفعلاً، بل أن لا نرضى به، وقد قال مولى المتقين عليٌّ (عليه السلام) محذراً من الباطلِ، والرضا به “.. فَإِنَّ الرَّاضِيَ بِفِعْلِ قَوْمٍ كَالدَّاخِلِ مَعَهُمْ فيهِ.
وَعَلى كُلِّ دَاخِلٍ في بَاطِلٍ إِثْمَانِ : إِثْمُ الْعَمَلِ بِهِ . وَإِثْمُ الرِّضَا بِهِ.
أَلاَ وَإِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَمَّهُمُ اللَّهُ تَعَالى بِالْعَذَابِ لِمَا عَمُّوهُ بِالرِّضَا، فَقَالَ سُبْحَانَهُ {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمينَ}.
وَقَالَ {فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا}، وَآيَةُ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطى فَعَقَرَ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابي وَنُذُرِ}” [نهج البلاغة].
فلنحذر – أيها المؤمنون – من الوقوعِ في الباطلِ، في أنفسِنا، ومن الرضا به، من غيرِنا، ولنبذل جهدَنا في تربيةِ أبنائنا، ليكونوا صالحين مصلِحين، ونجنبَهم أن يكونا فاسدين مفسدين، ولن يتيسرَ لنا ولهم ذلك إلا بأن ننتهز الفرصَ؛ فإنها تمر مرَّ السحابِ، وإن الليلَ والنهارَ يعملان فيك، فاعمل فيهما.
جعلنا الله وإياكم من أهلِ قولِ تعالى ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69].
اللهم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ، اللهم أعطِ محمداً الوسيلةَ والشرفَ والفضيلةَ والمنزلةَ الكريمةَ.
اللهم اجعل محمداً وآلَ محمدٍ أعظمَ الخلائقِ كلِّهم شرفاً يومَ القيامةِ، وأقربَهم منك مقعداً، وأوجهَهم عندك يوم القيامة جاهاً، وأفضلَهم عندك منزلةً ونصيباً.
اللهم أعطِ محمداً أشرفَ المقامِ، وحباءَ السلامِ، وشفاعةَ الإسلامِ.
اللهم وألحقنا به غيرَ خزايا، ولا ناكثين، ولا نادمين، ولا مبدِّلين، إلهَ الحقِّ آمين.
اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، الأحياءِ منهم والأمواتِ الذين توفيتهم على دينِك وملةِ نبيِّك صلى اللهُ عليه وآلِهِ وسلم.
اللهم تقبل حسناتِهم، وتجاوز عن سيئاتِهم، وأدخِل عليهم الرحمةَ والمغفرةَ والرضوانَ، واغفر للأحياءِ من المؤمنين والمؤمنات، الذين وحَّدوك، وصدَّقوا رسولَك، وتمسَّكوا بدينِك، وعملوا بفرائضِك، واقتدوا بنبيِّك، وسنُّوا سنتَك، وأحلُّوا حلالَك، وحرَّموا حرامَك، وخافوا عقابَك، ورجَوا ثوابَك، ووالوا أوليائَك، وعادَوا أعدائَك. اللهم اقبل حسناتِهم، وتجاوز عن سيئاتِهم، وأدخِلهم برحمتِك في عبادِك الصالحين، إلهَ الحقِّ آمين.
وصلى اللهُ على محمدٍ وآلِهِ الطيبين الطاهرين
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون: 1-6].