«الأنا المتضخمة .. والحكيمة (٢)» – يوم الجمعة ٢٤ ذوالقعدة ١٤٤٣هـ
نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «الأنا المتضخمة .. والحكيمة (٢)» يوم الجمعة ٢٤ ذوالقعدة ١٤٤٣هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي،
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله،
كنا قد شرعنا في الأسبوع الماضي حديثاً بعنوان «الأنا المتضخمة … والحكمية»، وذكرنا أن هناك أربع مبادئ ينبغي أن ينطلق منها.
المبدأ الأول: أن حب الذات والنفس أم الغرائز وليس أمراً معيباً، شرط أن ينضبط بالضوابط العقلية والعقلائية والشرعية.
المبدأ الثاني: وجوب حفظ النفس من كل ضرر سواء كان ضرراً مادياً – كما يعالجه الفقهاء – أو معنوياً، والتشوهات الأخلاقية والتضخم – الذي يسمى في الشريعة: الغرور، الكبرياء، والعجب – أيضاً هذا نوع من أنواع الأمراض التي يجب أن يتلافها الإنسان.
المبدأ الثالث: وجوب معرفة الناس من أجل أن يقي الإنسان نفسه أو يعالج نفسه مما يصيبها من الأمراض لا يمكن أن ينطلق إلا من معرفة نفسه أو يستعين بمن يتمكن أن يشخص له دوائه وأودائه.
المبدأ الرابع: هو أن هناك مخاطر تحدق بنا، الله سبحانه وتعالى يذكر لنا في القرآن الكريم أن الشيطان توعد وتهدد بأن يحتنك بني آدم. والاحتناك هو أن يضع ما يشبه اللجام ويقوده ويتمكن منه، فالإنسان إذا لم يتخذ الشيطان عدواً سيتمكن منه بطريقة ملتبسة. ولذلك أفاض القرآن الكريم والسنة المطهرة الحديث حول الشيطان ودوره والتسويل والتزيين، إلى غير ذلك مما ذكر في القرآن الكريم.
أقف عند عدد من المحطات المتقابلة، كيف يبتلى الإنسان صاحب الأنا المتضخمة بعدد من الأمراض، وهي نعيشها كثيراً ونواجهها في أنفسنا وفي المحيط الذي نعيشه ونحتك به. وفي المقابل، كيف يمكن للإنسان أن يكون حكيماً بتجاوز هذه، ثم أشير إلى بعض الأحاديث الشريفة.
المظهر الأول من مظاهر تضخم الذات، النرجسية.
حالة الشعور بأن هذا الإنسان قد بلغ حداً عالياً من الكمال، ليس بالضرورة يقول أنه يكون أفضل من غيره، لكن يشعر بأن له حظاً من الكمال ينبغي للناس أن لا يتجاهلوه. كيف يعبر هذه النرجسية؟ من التعابير، تصدر المجالس يعني أن الإنسان إذا ذهب إلى مجلس لا يقبل إلا أن يجلس في صدر المجلس بحيث لو لم يتح له المجال أن يجلس في صدر المجلس، قد يبلغ به الحال أن يخرج! يقول أنا محلي فقط في صدر المجلس، أما أن يجلس في وسط المجلس، في آخر المجلس، كما أُدبنا شرعاً أن الإنسان ينبغي إذا دخل أي مجلس -إلا أن يقدمه أصحاب المجلس- لكن من حيث المبدأ، بالنسبة لك، الإنسان المتواضع والإنسان الحكيم لا فرق عنده بين أن يجلس في أوله أو في وسطه أو في آخره لأن قيمته ليست بمجلسه. الانسان حيث يجلس هذه قيمته لا فرق فيه.
المظهر الثاني والتعبير الثاني: الشهرة المذمومة التي نجدها عند كثير من الناس، مثل وسائل التواصل الاجتماعي التي بدل أن نحولها إلى نعمة حولناها إلى نقمة.
في السابق كان الإنسان يتحفظ عن إبراز كثير من خصوصياته الشخصية، فإذا أراد أن يخرج خارج المنزل يلبس اللباس المناسب، يتهيأ للآخرين. أما اليوم تجد الناس لا خصوصية لهم. دخل إلى المطبخ، فعل في المطبخ كذا، ذهب إلى المطعم أكل كذا، فعل كذا. ما بقي للناس خصوصية. ما الذي يدعو الناس كلهم إلى التنافس في هذا التعبير؟ هو تسجيل الحضور عند الآخرين لأنه يقول – من حيث لا يشعر- حظ من الكمال ينبغي أن تطلعوا علي في كل شيء.
الله سبحانه وتعالى فرض علينا أن نستتر في عدد من المحطات واجب، ومحطات أخرى ينبغي للإنسان، يستحب له أن يتستر. يعني أن لا يمارس ولا يبتذل. حتى أولادك مثلاً في المنزل أدّبنا الله عز وجل على أن نعودهم ونروضهم ونهذبهم على أن هناك أوقات خصوصية. لا ينبغي للولد أن يدخل في غرفة الوالد والوالدة إلا بعد أن يستأذن. قد لا يكون الأب والأم في وضع يسمح له أن يطلع عليه أبناؤه الصغار أو أبناؤه الكبار. لكن هذا المرض الذي ابتلي به كثير من الناس ألغى هذه الخصوصية وهي تحكي – لا نتهم الجميع – لكن نقول أن كثيراً ممن يمارسون هذا الدور، ولذلك تجد أن أغلب الناس يستسخفون هذا التصرف. لمَ يأخذ الناس موقفاً سلبياً من مثل هذا المظهر؟
لأنهم من حيث يريدون أو لا يريدون يقولون إن هذه “أنا” متضخمة. وقع هذا الإنسان في هذه الهوة.
المظهر الثاني: الوهم والجهل.
الأنا المتضخمة يشعر الإنسان بأن لديه القدرة في أن يتحدث ويتناول ويعالج كل شيء، فإذا حضر في مجلس من المجالس هو لا يكتفي بأن يحضر ويصر على صدر المجلس، حتى لو جلس في أدنى المجلس هو يحب أن يشارك في كل حديث يتطرق له في المجلس الذي يَعقد بحضوره.
وذكرنا في الأسبوع الماضي قد لا يملك الإنسان التأهيل الكافي أن يخوض في كل شيء. إذا كان شأناً فقهياً فليتركه لأهله إن لم يكن من أهله. إن كان شأناً ميكانيكياً فليتركه لأهله. إن كان شأناً طبياً فليتركه لأهله، وهكذا في كل شيء.
يعني نحن لماذا نذهب الى الخباز وهي حرفة متواضعة. يظن كثير من الناس أنها حرفة متواضعة، لا ليست متواضعة، هذا شأن تخصصي. لذلك الناس يتناولون ويتحدثون فيما بينهم: المخبز الفلاني أفضل من المخبز الفلاني. السبب ما هو؟
خبرة هذا الخبّاز أفضل من خبرة هذا الخباز. يعني أنك بكل تواضع تقر بأنك لست من أهل الخَبْز الجيد وأنك تفضل هذا وهذا على نفسك. لكنك في مقام التفاضل والتفضيل تميز هذا على هذا. هذا إقرار منك. في أي شيء إقرار؟ في حق خبزة تريد أن تتناولها للإفطار أو للغداء أو للعشاء.
فإذا بلغنا إلى المسائل الكبيرة لماذا يخوض الناس في كل شيء ويتصورون أنهم قد أحاطوا بأطراف الموضوع كله. كما قال أهل الحكمة والعلم: “من تَرك قول لا أدري أصيبت مقاتله”.
الإنسان إذا تحدث في كل شيء بالخصوص في الشؤون الخطيرة، في الشؤون الدينية مثلاً يظن بعض الناس أنها ليست شأناً خطيراً. لا، الشأن الديني أخطر بكثير من الشأن الصحي. في الشأن الصحي نحن لا نستسلم لكل طبيب. نسأل فلان وفلان وفلان ثم نسلم أنفسنا للطبيب بعد جهد جهيد. شأن الدين أخطر وأخطر. في المسألة الطبية، وفي الخبز، وفي السيارة، وفي الميكانيكا، قصارى ما في الأمر أن السيارة سيصيبها العطل وتضطر أن تدفع مبلغاً من المال لتصليحها من جديد. لكن في الشأن الديني اذا وقع الانسان في انحراف ديني لا يرضاه الله عز وجل، كيف سيعوض؟
هل يملك عمراً جديداً يقول: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}؟ لا تملك هذه الفرصة. ولذلك لاحظوا في الأحكام الشرعية ليس كل الناس يسقط عنهم القضاء وإعادة التكليف مرة أخرى بحجة أني ما كنت أعلم. لا، حتى لو ما كنت تعلم. لو أن الإنسان صلى سنوات دون أن يكون وضوءه أو غسله صحيحاً يجب عليه أن يعيد صلواته كلها.
الشارع المقدس يعفيك لو كان في بدنك أو في ثيابك شيء من النجاسة ولم تكن تعلمه وهذا معفو عنه. يعني النجاسة الخبثية لكن الطهارة الحدثية، لو أن الإنسان تبين له بعد سنوات أن وضوءه غير صحيح والسبب هو أنه لم يتواضع، تضخمت ذاته، أنا أحتاج أتعلم الوضوء؟ أنا أحتاج أتعلم الغسل؟ نعم. إن لم تتعلمه وأنت صغير ستجد نفسك في سن السبعين والخمسة وسبعين والثمانين سنة، تجد نفسك مضطر أن تكتب في الوصية يجب أن تعيدوا أن تقضوا عني إذا توفاني الله صلوات سبعين سنة أو ستين سنة. هذا أفضل ولا هذا أفضل؟
تواضع سويعات قليلة، دقائق قليلة يتواضع فيها الإنسان يصحح فيها عمله أفضل من أن يبتلى بمثل هذه المصيبة وقس على هذا أموراً كثيرة.
التعبير الثاني في هذا الجانب المقاطعة في الكلام.
بعض الناس إذا شارك في مجلس لا تحب وهذا نشاهده في أنفسنا كثيراً يعني في المجالس التي نختلط بها. بعض الناس لا تحب أن تجلس معه، لأنه لا يتيح لك الفرصة أن تكمل حديثك. هو يقفز مع كل كلمة، مع كل جملة تتحدث بها يريد أن يقوم بمداخلة للتصحيح، للتصويب، للإضافة من أجل أن يبين لك أو للحاضرين بأن هذه الكلام، هذه الجملة، هذا الكلام الذي يُسمع ليس غريباً عني، أنا لي حظ من المعرفة فيه، نصيب من المعرفة منه. فبدل أن يتحول المجلس إلى مجلس راحة ومحبة ومودة يخرج الأطراف فيه متباغضون. يقول فلان: رجاءً إذا كان فلان في المجلس، أنا اعذروني لا أريد أن أحضر. هذا أيضاُ يُبتلى به أصحاب التضخم.
المظهر الثالث: السلوكيات الخاطئة.
مثلاً ذكرنا، لعلنا أشرنا في الأسبوع الماضي أو بعض الأحاديث، بعض الناس يتصور أن التربية الأخلاقية هي أمر كمالي. لك أن تتأدب أخلاقياُ أو لك أن لا تفعل ذلك.
أول ما عُصي الله به رذيلة أخلاقية: الكبر {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ} والكبر هو تضخم الأنا. لو أن إبليس تواضع الله سبحانه وتعالى يقول {أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ} يعني أنت لم تسجد لأنك من العالين الذين يستثنون من الأمر بالسجود، أو لا هو من العالين المفسدين وليس من العالين الصالحين المستثنين. فالإنسان إذا ابتلي بتضخم الأنا يفوته خيرٌ كثير، بل يلحق بنفسه ضرراً كبيراً.
الكبر ناشئ من الأنا المتضخمة، الحرص ناشئ من الأنا المتضخمة، الطمع ناشئ من الأنا المتضخمة. وقس على هذا الكثير من الرذائل الأخلاقية التي جمعها إمامنا الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) في حديث صنفها صنفين الرذائل الاخلاقية يقابل الفضائل الأخلاقية، فسمى هذه بجنود الجهل وتلك بجنود العقل.
الإنسان لكي يكون عاقلاً يجب أن يتحلى بالفضائل تتكامل شخصيته و إلا سيُبتلى بالجهل وبجنود الجهل وهي حرب تبدأ ولا تنتهي.
في حين في المقابل الآن الحكيمة على الضد من ذلك تماماً. التواضع، ولذلك ندبنا الشارع المقدس الصمت “إذا وجدتم الرجل صموتاً فادنوا منه فإنه يتلقى الحكمة”.
قد يكون الشخص الذي يتحدث في محضرك أصغر سناً منك، أقل خبرة منك بل أقل علماً منك ومع ذلك يلتفت الى شيء لا تلتفت إليه. كم واحد منا استعان بولده الصغير إذا أراد أن يضع الخيط في الابرة، لأنك استسلمت بأن عينك ما عادت كما كنت في سن الشباب والصبا فتستعين بولدك الصغير. اليوم في كثير من الأحيان، الكمبيوتر والأدوات الحديثة أبناؤنا الصغار أكثر خبرة منا بكثير. فلو أن الكبير تعالى عليهم قال أنا لا أريد هذا المعنى. تضخمت ذاته، لن يتعلم. الانسان الحكيم بل بالعكس، من الحكمة أن تستعين بهذا الصغير لتزرع فيه الثقة في النفس وتتواضع أمامه ليتعلم هو التواضع كما وجدك متواضعاً. فالصمت حسنة.
العزلة أيضاً حسنة، ليست كل المجال صالحة بأن يختلط بها الناس. كثير من المجالس إما أنها يُرتكب فيها الحرام – أبعدنا الله وإياكم عنه – أو لا تكون مفيدة. وإذا لم يكن المجلس مفيداً بمن اشترك فيه الضرر. بالضبط مثل ذاك ذاك الذي يقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا}. هو ليس بالضرورة يتحسر على أنه عمل غير صالح، لا! مجرد عدم عمل الصالحات هذا ضرر، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} بعض الناس يفد على الله عز وجل حتى لو نجاه الله سبحانه وتعالى من السيئات، لكن لا عمل صالح عنده.
ولذلك نسأله في الدعاء كما في القرآن الكريم {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً} التوفيق للعمل الحسن والعمل الصالح، هذا يحتاج إلى تواضع ويحتاج إلى حكمة.
المظهر الثاني: الحرص الشديد الذي ذكرناه. ولذلك هذا الإنسان الصامت هو لا يصمت لأنه بليد وإنما يصمت عن
رغبة في أن ينصت لعل فيما يقوله فلان شيء من الحكمة.
يقال أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أصرت قريش على أن تضغط عليه بشتى الأساليب بعثوا إليه أحدهم، وأخذ هذا السفيه يتحدث في محضر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقاطعه، بعد أن فرغ من كلامه وسكت. قال أفرغت يا فلان؟ لاحظوا، أدب النبي (صلى الله عليه وآله) حتى لا يعطيه حجة يقول لم تدعني أكمل كلامي.
تركه إلى أن يفرغ ما في جعبته من الكلام الباطل. افرغت يا فلان؟ قال: نعم. تحدث النبي (صلى الله عليه وآله) آنذاك بما يصلح جواباً له.
التعبير الثالث الجود والسخاء.
الإنسان الحكيم ليس أنانياً يحب الخير لنفسه فقط، هو إنما يتكلم لأنه يزن كلامه بميزان الذهب. الكلمة ترفعك وتخفضك عند الله عز وجل. فإذا كان عالماً تحدث أمراً بالمعروف، نهياً عن منكر، إرشاد، توجيه، إصلاح، نصيحة. وإلا سيختار المظهر الأول الذي ذكرناه الصمت.
الأمر الثاني: التواصل الحميد، يعني نحن أُمرنا شرعاً إذا اتصل أو التقى أحدنا بأحدنا الآخر أن نحييه بالتحية فنقول له السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في مثل هذه الحالة الصمت ليس أمراً حسناً. الذي يبدأ بالتحية له ثواب كثير. والذي يرد التحية له ثواب وإن كان أقل منه. فهذا فعل حسن. فإذا كان الكلام من هذا القبيل فبها ونعمت.
من هذا المنطلق ولحرص الشريعة الإسلامية على أن يكون الناس أصحاب “أنا” ونفوس حكيمة، عقول حكيمة بعيداً عن المتضخمة، نُدبنا إلى سلسلة من المظاهر والآداب الشرعية منها: محاسبة النفس التي تؤدي بها إلى مقتها. لاحظوا النفس القرآن الكريم يعبر، يقول عندنا نفس أمارة بالسوء ونفس لوامة.
اللوامة الجانب الإيجابي والحسن، هذا نشجعه ينبغي أن نشجعه وحتى لا يموت فينا الذي يُسمى الآن الضمير. في المقابل النفس الأمارة بالسوء، لما خلق الله عز وجل الناس من الطين والأرض لهم ارتباط عضوي ووجودي بالأرض بالمأكل، بالمشرب، بالمشتهيات لكن هذه هي نقطة الضعف الموجودة فينا التي تجرنا جراً إلى تضخم الذات ومظاهرها السلبية، في حين أن الله عز وجل زودنا بعقل يفترض أن يعقل وجود هذا الإنسان فيرتقي به إلى عالم الملكوت الأعلى فيكون أمراً حسناً.
الحسن بن الجهم قال: قال سمعت أبا الحسن – هو يروي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) ويروي عن الإمام الرضا فيحتمل أن الإمام أبا الحسن وكلاهما كنيته أبو الحسن، الإمام الكاظم والرضا بعضهم يغلّب أنه الرضا (عليه السلام) – يقول الإمام (عليه السلام) يقول إن رجلاً في بني إسرائيل عبِد الله أربعين سنة، ثم قرب قربانا فلم يقبل منه”. في الأمم السابقة كان هناك مظهر الله سبحانه وتعالى يعرّف الناس على أن هذا القربان قُبل أو لم يُقبل في الروايات بعض الروايات يذكر أن ناراً تنزل من السماء تحرقه، هذا الآن ليس موجودا في أمتنا.
“ثم قرب قربانا فلم يقبل منه – مثل ما حصل في هابيل وقابيل – فقال لنفسه: ما أُتيت إلا منك”. يعني ما ألقى باللوم على الآخرين، مثل ما فعل قابيل في حق أخيه هابيل، قال الخلل مني – أنا – لابد أن عندي خلل لأن الله عز وجل الذي ندبنا إلى أن نتقرب إليه بالقرابين هو ما أمرك أن تتقرب إلا لأنه ضمن أن يقبل قربانك فإذا لم يُقبل العيب ليس في الله حاشاه الكامل المطلق العيب فيك أنت.
فيقول: “قال لنفسه: – بينه وبين نفسه هذا نسميه المحاسبة – ما أتيت إلا منك، وما الذنب إلا لك، قال: فأوحى الله عز وجل إليه – بواسطة ملك، بواسطة النبي – فأوحى الله عز وجل إليه ذمك لنفسك أفضل من عبادتك أربعين سنة.
ليش أفضل من عبادة أربعين سنة؟ لأن هو في الواقع اكتشف بان هذه السنوات الأربعين التي عبد الله فيها عز وجل لم تنتقل به من المستوى غير الصالح إلى أن يكون من الصالحين.
لذلك لما دخل صالة الامتحان أخفق فإذا أخفق تبين أن دراسته سنة، سنتين، أربع سنوات، عشر سنوات ما نجح فيها. الله سبحانه وتعالى يقول له هذه اللحظة في محاسبتك لنفسك أفضل من تلك العبادات كلها. يمكن واحد يستغرب. لا، في عندنا في الروايات أن ضربة علي (عليه افضل الصلاة والسلام) أفضل من عبادة الثقلين في يوم الخندق ليش؟ الإخلاص. المسائل لا تقاس بالكثرة والوفرة. لا، العبرة بالميزان، ميزان العمل قد يكون عملاً صغيراً. هذا هو المقبول {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.
ويقول أمير المؤمنين (عليه افضل الصلاة والسلام) في نهج بلاغته: “يا أسرى الرغبة أقصروا” يعني أصحاب المطالب الكثيرة في الدنيا “أقصروا فإن المُعرّج على الدنيا لا يروعه منها إلا صريف أنياب الحدثان”. تعبير استعاري تشبيهي. يقول لن تجد في عالم الدنيا، هذه الدنيا ليست إلا مثل الوحش الذي له أنياب. لن تجني إذا جعلت الدنيا هي همك الأول والأخير لن تجني منها إلا ما يجنيه الناس من الحيوانات المفترسة. “أيها الناس تولوا من أنفسكم تأديبها، واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها”.
والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: “من مقت نفسه دون مقت الناس” لا يعنينك ماذا ينظر الناس إليك وماذا ينظر الناس إلى أنفسهم. أنت ينبغي أن تلتفت إلى نفسك لأن ثمن نفسك الجنة فلا تبيعوها إلا بها. كما يقول أمير المؤمنين: “إن لأنفسكم ثمناً هو الجنة فلا تبيعوها إلا بها”، يقول (صلى الله عليه وآله): “من مقت نفسه دون مقت الناس آمنه الله من فزع يوم القيامة”.
لأن الإنسان إذا مقت نفسه سيكون في جهد وجهاد في أن ينتقل دائماً يحافظ على نفسه من الوقوع في الأخطاء والخطايا والعمل الحثيث بالصالحات.
جعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضا عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.