«شهر رجب وروح التعبد لله» يوم الجمعة ٥ رجب ١٤٤٤ هـ
نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «شهر رجب وروح التعبد لله» يوم الجمعة ٥ رجب ١٤٤٤ هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
ربّ اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدةً من لساني يفقه قولي،
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله،
مع حلول شهر رجب المرجب – والذي وصف في الأخبار بأنه رجبٌ الأصب، بمعنى أنه تصب فيه الرحمة صباً – يحل علينا موسمُ خيرٍ يُتقرب فيه إلى الله – سبحانه وتعالى – وهو هذه الأشهر الثلاثة: شهر رجب، وشهر شعبان، وشهر رمضان – بلَّغنا الله وإياكم صيامه وقيامه -.
عنوان الحديث سيكون «شهر رجب وروح التعبد لله».
هل هذا الموضوع مهم؟ أن يملك الإنسان روحَ التعبد لله -عز وجل-؟
وماذا نعني بهذه الروح؟
وكيف نترجم، أو ما هو البرنامج الشرعي للتعبد لله -عز وجل-؟
هناك عدد من المداخل أتوقف عندها لننتقل إلى الوظائف.
***
المدخل الأول: أن ثقافتنا -نحن الدينية الشرعية- هي ثقافة نصية، ثقافة نقلية ليست شيئاً ينتجه البشر. يعني لا أسألك ولا تسألني كأشخاص ما الذي تقبله أو أقبله أو ترضاه أو أرضاه وإنما يتلقى حكم الله -عز وجل – والمعرفة الدينية من الوحي النازل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في القرآن الكريم والسنة المطهرة المروية عنه وعمن شهد لهم رسول الله أنهم امتداده الطبيعي والشرعي.
وهذا أمرٌ مهمٌّ! حتى لا نقع فيما وقع فيه كثير من الناس وبعض الشرائح في أنه يقول نحن لدينا عقول!
نعم، لديك عقل لكن لو أن الناس كان يكفيهم ما آتاهم الله – عز وجل – من العقل لاستغنوا عن الوحي! إنما بعث الله – عز وجل – الأنبياء لأن الأنبياء يطلعون – بعد أن اصطفاهم الله عز وجل للنبوة والرسالة – يطلعون على ما لا يتيسر للناس أن يطلعوا عليه.
فيقول – عز وجل – أي النبي صلى الله عليه وآله: {وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} [البقرة :151] يعني ما ليس من شأنكم أن تعلموه.
نحن قد نفهم فكرة أن العبد يجب أن يتعبد لربه وهو الله، لكن كيف يترجم هذه العبادة؟
هذه مسائل توقيفية تعبدية تُتلقى من القرآن الكريم والسنة المطهرة.
في هذا الجانب الله – سبحانه وتعالى – يبين لنا فلسفةَ الخِلقة والغايةَ من خلقه الخلق، بعد أن تأسس لدينا بالعقل والنقل أن الله -سبحانه وتعالى- كامل، وأحد وجوه كماله حكمتُهُ، والحكيم لا يفعل شيئاً عبثاً.
فحينما أراد أن يبين لنا أنه لماذا خلقنا، قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
فإذن، عبادة الله – عز وجل – والتعبد له هو الغاية الأساسية من خلقته وما يتقدم للتعبد أو ما يتقدم بين يدي التعبد والعبادة هناك مقدمات هناك شروطا هناك أحكام كل هذا يدخل تحت هذا العنوان.
المدخل الثاني: أن الإنسان إذا كان عبداً لله – عز وجل – وخُلق من أجل عبادته
بيّن لنا الله سبحانه وتعالى – أيضاً – في القرآن الكريم أن الإنسان فقيرٌ إلى الله فقال – عز وجل – {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15].
كيف يجب أن تنظم العلاقةُ بين الفقير المطلق والغني المطلق؟
لا نتحدث عن الفقر الذي يعرفه الناس والغنى الذي يعرفه الناس. لا! نتكلم عن فقرٍ وجوديٍّ! أنت لم تكن شيئاً مذكوراً قبل أن يخلقك الله، وبعد أن خلقك الله -عز وجل – لو أن قناة الفيض الإلهي انقطعت عنك لخرجت من هذه الدنيا. الإنسان متى يموت؟
بعد أن ينتهي رصيده المقدر له، الرصيد الوجودي من المأكل من المشرب من التنفس من كل أسباب العيش والبقاء يخرج من هذا العالم.
فإذن، هذه العلاقة – علاقة الفقر والغنى – يجب أن تُحفظ.
أيضاً هناك مدخل ثالث: أحد وجوه الفقر عند الناس إلى الله – سبحانه وتعالى – هو الأمن والإيمان.
كل الناس يبحثون عن الأمن، والأمن مراتب.
هناك أمن مادي، هناك أمن اقتصادي، أمن فكري نفسي، هناك أمن في الدنيا، وهناك أمن في الآخرة.
نحن ننشد الأمن ونطلبه، ويمتن الله – عز وجل – علينا بأن آمن الناسَ من الخوف، أسباب الخوف، أسباب الحزن، {فلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. هذا نوع من أنواع الأمن.
بل إن الله – عز وجل – جعل تحية هذا الدين (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) لأن الله – عز وجل – يريد بين الناس أن تشيع هذه الثقافة. ثقافة الأمن حيث لا يؤذي أحدٌ أحداً، هذا مهم.
إلى جانب هذا وتوأمه الذي لا ينفك عنه الإيمانُ.
الأمن الحقيقي إنما يتوفر عند المؤمن الحقِّ. لذلك المؤمن الحق المؤمن الحقيقي لا يُتصور أنه يؤذي الناسَ. أنت تأمن جانبه لأنه يخشى الله – سبحانه وتعالى – فلا يضر أحداً بغير حق. لا يعتدي على أحد بغير حق.
فإذن، هذان الأمران أيضاً مطلوبان.
لاحظوا ماذا يقول الله عز وجل، يحكي لنا بعض الحوادث التاريخية التي يُفتح لنا وعلينا باب، أو أبواب من المعرفة نحتاج إليها في هذا الباب.
يقول عز وجل عن إبراهيم شيخ الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليه وعلى نبينا وعلى جميع الأنبياء والمرسلين – يقول عز وجل {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} [الممتحنة: 4] يعني الإيمان.
إبراهيم (صلوات الله وسلامه عليه) لم يساوم على إيمانه، بقي صلباً متمسكاً بهذا الإيمان وهذا الدين، حتى لو توقف على القطيعة مع قومه.
والله – عز وجل – في سورة الكافرون يبين لنا هذا المعنى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [سورة الكافرون].
إذا وصلت المسألة إلى هذا المجال يجب أن يفصل الإنسان نفسه شعورياً بشكل كامل عن هذا المجتمع الذي لا يؤمن بالله عز وجل؛ لأن الإنسان إذا سُلب إيمانه سُلب منه الأمنُ المنشودُ، الأمنُ المطلوبُ، الأمن الذي يجعله مستقراً، ينام وهو مرتاح.
مثل هذا لا يتصور إلا في حالات الإيمان.
يقول – عز وجل – على لسان إبراهيم في هذا الباب. يقول – عز وجل – على لسان إبراهيم يحكي لنا دعائه {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [ إبراهيم: 40 – 41] هذا الدعاء الذي صدر من إبراهيم، دعاء جوهره وعمدته ومحوره تحصيلُ الإيمان.
الصلاة واحدة من أهم مسببات وموجبات تحصيل الإيمان، لذلك سألها إبراهيم -صلوات الله وسلامه عليه- لنفسه ولأولاده ثم سأل الله – عز وجل – أن يغفر له وللمؤمنين كل موجبات الخوف، السيئات والمعاصي توجب القلق، توجب الخوف فهو يسأل الأمن والإيمان أيضاً.
يقول – عز وجل – أيضا على لسان إبراهيم في آية ثالثة {وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِنًا} عن مكة المكرمة، لما أمر بأن يرفع قواعد البيت وفي آية أخرى {اجعل هذا البلد أمناً}.
وهناك فرق بين رب اجعل هذا بلداً آمناً.
المفسرون يقولون هذا سؤال من إبراهيم – عليه أفضل الصلاة والسلام – قبل أن يشيد الكعبة ويرفعها، لمّا شيّد الكعبة وتردد عليها الناس سأل الله – عز وجل – مرة ثانية فقال رب اجعل هذا البلد، صار البلدَ، اكتملت هذه البلدة، لكن سأل الله – عز وجل – مع ذلك لهذا البلد أن يكون آمناً، نسأل الله الأمن والإيمان لجميع بلاد المسلمين.
ويقول – عز وجل – أيضا على لسان إبراهيم {إِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِنًا وَٱجْنُبْنِى وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلْأَصْنَامَ} [إبراهيم – 35].
عبادة الأصنام تعني التمرد على الله – سبحانه وتعالى – تعني أن يسلب الإنسان من نفسه روح العبودية لله – عز وجل -. وإذا سلب الإنسان روح التعبد لله – عز وجل – فقد عاملين أساسيين هما اللذان يرتكز عليهما كمال الإنسان وسيره في هذا الصدد:
أ – حب الله – عز وجل – الذي يرجى معه ومنه الخير.
ب – والخوف من الله – عز وجل – والذي يبعث في الإنسان إذا تحقق الخوف أمن الإنسان، إذا ارتفع الخوف من الإنسان أوقع نفسه في المعاصي وإن أمن بشكل مؤقت لكنه سيواجه عذاباً أليماً بعد حين.
المدخل الرابع هو شهر رجب
شهر رجب في هذه المنظومة الفكرية ماذا يمثل ماذا يقول الله – عز وجل – في القرآن الكريم؟
يبين لنا أن الأشهر والأزمنة ليست على نسق واحد ومستوى واحد، فيها ما هو فاضل وفيها ما هو مفضول.
يقول – عز وجل – الأحكام من حيث الاعتبارات {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}.
قد يسأل أحد يقول لماذا الله – سبحانه وتعالى- بين لنا مسألة التوقيت وأن الأشهر اثنا عشر؟
لأن الأمم لم تشرك على مستوى الاعتقاد فقط! تلاعبت حتى في التوقيت، تلاعبت حتى في الزمان مع أن الله – عز وجل – هو خالق الكون وخالق حركته وبالتالي هو الذي يحدد أن هذه الفترة الزمنية لها هذا الحكم، الفترة الزمنية الأخرى لها هذا الحكم، هذا يسمى يوم السبت هذا يسمى يوم الجمعة، هذا التصنيف والتوزيع تلاعب به الناس. لذلك تجدون تقاويم متعددة عند الأمم، كلا حسب معتقده.
{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [ التوبة: 36]. ما المطلوب من الناس؟
أن يكونوا متقين.
كيف يكون المتقون؟
أن يعرفوا الحرام والحلال، أن يعرفوا هذه الأشهر الحرم ويتجنبوا ما حرّم الله – عز وجل – ممارسته واقترافه في هذه الأشهر.
ما هي هذه الأشهر؟
أول هذه الأشهر شهر رجب وأشهر ذي القعدة وذو الحجة ومحرم، هذه الأشهر كانت محترمة حتى أيام الجاهلية.
أيام الجاهلية تشن الحروب بين الناس منها ما يعرف بحرب الفِجار، التي يتداول أنها حرب الفجَّار، كلاهما صحيح.
هذه الحرب إذا اشتبك الناس فيها وحلّ شهر رجب يكفون عن القتال مع أنهم كانوا مشركين كانوا جاهليين جهلة لكن بقيت هذه البقية عندهم من إبراهيم – عليه السلام – فكانوا يحترمونها حتى يذهب الناس في شهر رجب إلى بيت الله للعمرة، وفي أشهر الحج يذهبون ويؤوبون إلى بلدانهم من الحج فيأمنون. تأمن السبل تستقر الحياة الاقتصادية، تنتعش في هذه الفترة، فترة أسواق العرب الأغلب منها المرتبط بمكة المكرمة والطائف وهذه المناطق ترتبط بالعمرة والحج أي في الأشهر الحرم.
عن الإمام الصادق عليه أفضل الصلاة والسلام في خصوص شهر رجب الذي هو واحد منها يقول: «أعطيت هذه الأمة ثلاثة أشهر لم يعطها أحد من الأمم: رجبٌ، وشعبان، وشهر رمضان» [وسائل الشيعة 8 /24]. ليس من الأشهر الحرم لكن له خصوصية عبادية – تأتي إن شاء الله في محله – هذا فيما يتعلق بالمداخل.
ما المطلوب في شهر رجب أن يفعله المؤمنون؟
انتهاز الفرص فإنها تمر مر السحاب.
يوم الجمعة ليس كغيره من الأيام، ليلة الجمعة ليست كغيرها من الليالي. مثل ما أن الإنسان يمر بمحطات في عمره، هذه الفترة تكون ذهبية قياساً بما تقدمها وقياساً بما يأتي بعدها. مثلاً سن الشباب سن ذهبي يستطيع الإنسان بقوته البدنية أن ينجز أعمالاً كان يعجز عنها لما كان طفلاً صغيراً ويعجز عنها لو امتد به العمر وصار كهلاً وشيخاً. لذلك هذه الفترة فترة حساسة لا ينبغي أن يفرط فيها الشباب فيما ينفعهم.
كبار السن أيضاً يدركون قيمة الوقت أكثر مما يدركه الشباب لذلك تجدون كبير السن المتدين يحرص بعكازته على أن يذهب إلى المسجد لأنه صار في سباق مع الزمن. بينما قد نجد الشباب يتراخى بوهم وظن أن عنده متسع من الوقت قد يعوضه إذا كبرت سنه وهو لا يعلم أن الله – عز وجل – قد يقدر له امتداد العمر أو لا يقدر.
هناك عدد من الوظائف اذكر أربعة من وظائف هذا الشهر الكريم، الوظائف المستحبة التي ينبغي للإنسان أن يعملها.
[الوظيفة الأولى] هذا الشهر هو شهر الاستغفار
والاستغفار يرتبط بمسألة التعبد ارتباطاً وثيقاً لأنه يعني الإنسان حينما يستغفر الله – عز وجل – يتواضع بين يدي الحق – سبحانه وتعالى – ويقر على أنه ضعيفٌ فقيرٌ قاصر وأن أخطاء وخطايا وقعت منه. يطلب من الله – عز وجل – من خلال الاستغفار والتواضع بين يدي الله أن يغفر له وأن يعينه على نفسه كما أعان الصالحون على أنفسهم وأن يحميه أن يرتكب الخطيئة والمعصية مرة أخرى.
الإمام الصادق – عليه أفضل الصلاة والسلام – يروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «رجب شهر الاستغفار لأمتي أكثروا فيه من الاستغفار فإنه غفور رحيم وشعبان شهري استكثروا في رجب من قول أستغفر الله وسلوا الله الإقالة والتوبة فيما مضى والعصمة فيما بقي من آجالكم وأكثروا في شعبان من الصلاة على نبيكم إلى أن قال وإنما سمي شعبان شهر الشفاعة لأن رسولكم يشفع لكل من يصلي عليه فيه وسمي شهر رجب الأصب لأن الرحمة تصب على أمتي فيه صبا ويقال الأصم لأنه نهي فيه عن قتال المشركين وهو من الشهور الحرم» [وسائل الشيعة 10/ 512]. مع أن المشركين يجوز قتالهم إذا توفرت شروط معينة في شهر رجب والأشهر الحرم لا يبدؤون فيها بقتال وهو من الشهور الحرم.
الوظيفة الثانية: شهر الاعتمار – العمرة
في رجب مقدمة على العمرة في غيره من الشهور ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عن الإمام الباقر – عليه السلام – قال: «وأفضل العمرة عمرة رجب» [وسائل الشيعة 14/301].
طبعاً من أهم ما يترتب على العمرة والحج هو ربط المؤمنين والمسلمين بعضهم ببعض، وأن يستشعروا أنهم أمة واحدة وأن هذه الأمة مدارها على توحيد الله – عز وجل – والإسلام له.
الوظيفة الثالثة: شهر رجب، شهر الصيام المستحب
الناس لا ينبغي لهم أن يفوتوا على أنفسهم كل سبب من أسباب التقرب إلى الله -عز وجل – والصوم لي كما ورد في الخبر «الصوم لي وأنا أجزى به» أو «وأنا أجزي به» [مستدرك وسائل الشيعة 7/ 499].
عن علي بن سالم، عن أبيه، قال:
دخلت على الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) في رجب وقد بقيت منه أيام، فلما نظر إلي قال لي: يا سالم، هل صمت في هذا الشهر شيئاً؟ قلت: لا والله يا بن رسول الله. فقال لي: لقد فاتك من الثواب ما لم يعلم مبلغه إلا الله عز وجل، إن هذا شهر قد فضله الله وعظم حرمته، وأوجب للصائمين فيه كرامته.
قال: فقلت له: يا بن رسول الله، فإن صمت مما بقي شيئاً، هل أنال فوزاً ببعض ثواب الصائمين فيه؟ فقال: يا سالم، من صام يوماً من آخر هذا الشهر، كان ذلك أماناً له من شدة سكرات الموت، وأماناً له من هول المطلع وعذاب القبر، ومن صام يومين من آخر هذا الشهر، كان له بذلك جواز على الصراط، ومن صام ثلاثة أيام من آخر هذا الشهر، أمن يوم الفزع الأكبر من أهواله وشدائده، وأُعطي براءة من النار” [وسائل الشيعة 10/475].
الوظيفة الرابعة والأخيرة: الزيارة
شهر رجب، شهر زيارة الإمام الحسين – عليه أفضل الصلاة والسلام – في الدرجة الأولى والإمام الرضا – عليه أفضل الصلاة والسلام – في الدرجة الثانية بل عموم أهل البيت لأن هناك أدعية ترتبط هي أشبه ما تكون بالزيارة لهم صلوات الله وسلامه عليهم. ونحن إنما نرتبط بالنبي وبآله – عليهم أفضل الصلاة والسلام – لأنهم سفراء الله إلى خلقه، أعلامه بين الناس، حججه على الناس.
«عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، قال سألت أبا الحسن الرضا – عليه السلام – في أيّ شهر نزور الحسين قال من النصف من رجب والنصف من شعبان» [وسائل الشيعة 14/ 466].
طبعاً هذا لا ينفي أن زيارة الحسين – عليه السلام – مطلوبة في غيرها، لكن يقول هذان الوقت إن هاتين الفترتين، هذان الشهران لهما خصوصية فيما يتعلق بزيارة الإمام الحسين وفلسفة زيارة الإمام الحسين وتقديمها على غيره من الأئمة – عليهم أفضل الصلاة والسلام – هذا يرتبط بالدور العظيم الذي أنجزه هذا الإمام – صلوات الله وسلامه عليه – من الفرز التام بين المحقين والمبطلين بين الإسلام الذي جاء من عند الله – عز وجل – وبين الإسلام الذي حاولت البشر أو أيدي البشر عبثت فيه بقليل أو كثير.
نسأل الله – عز وجل – يجعلنا وإياكم من عباده الصالحين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.