«فضيلة العزة والمحافظة عليها (٢)» – يوم الجمعة ٢٠ محرم ١٤٤٤ هـ
نصّ الخطبة التي ألقاها سماحة العلامة السيد حسن النمر الموسوي، بعنوان «فضيلة العزة والمحافظة عليها (٢)»، يوم الجمعة ٢٠ محرم ١٤٤٤ هجري، في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين وصلَّى الله على محمّدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين
ربِّ اشرحْ لي صدري، ويسِّرْ لي أمري، واحللْ عقدةً من لساني يفقهوا قولي.
عباد الله! أوصيكم – ونفسي – بتقوى الله.
وإن من تقوى الله عز وجل أن يكون المؤمنُ عزيزاً، حريصاً على عزته، أبعدَ ما يكون عن أن يكون ذليلاً. ويجب عليه – بالتالي – أن يبتعد عن كل أسباب الذلة، ويقترب من جميع أسباب العزة. ولن يتأتى له ذلك إلا أن يعرف هذه وهذه.
ولذلك، فإن التفقه في الدين ليس أمراً كماليّاً! وإنما هو أمر ضروريٌّ لا يستغني عنه الإنسان، إلا بقدر استغنائه عن أن يكون من أهل التقوى والكرامة عند الله عز وجل!
لذلك، نجد أن الحق سبحانه وتعالى يبين أن التقوى مراتبُ والكرامة – عنده – مراتب، حيث يقول عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات – 13]. وصيغة أفعل تدلّ على التفضيل، يعني هناك كريمٌ وهناك أكرمُ، وهناك تقيٌّ وهناك أتقى، كذلك هناك عزيزٌ وهناك أعزُّ.
وقد مر بنا – قبل أسابيع – التفرقة بين العزة والكبر.
الكبر هو أن ينظر الإنسان إلى نفسه أنه أفضل من غيره؛ لأي سبب من الأسباب غير المشروعة.
أما العزيز فهو ينظر إلى أن له عند الله عز وجل مقاماً، حكمَ الحق سبحانه وتعالى عليه بأن يحافظ عليه حتى لا يُبتذل بأي شكل من أشكال الابتذال.
وذكرنا أن هناك قواعد، من هذه القواعد ما ذكرناه سابقاً من أن الدنيا – في المنظور الإسلامي – هي دار بلاء وامتحان، وليست هي آخر الخط. لذلك، من الخطأ للإنسان أن يقف في تنظيم حياته الظاهرة والباطنة عند حدود الدنيا “اللهم .. لا تجعل الدنيا أكبر همنا” [بحار الأنوار 92/391].
لا ينبغي، بل لا يصح، بل لا يجوز، للإنسان أن يقتصر – في تنظيم شؤون حياته – على أنه لن يبقى إلا في هذه الدنيا، طالت أم قصرت.
الدنيا – طال عمر الإنسان أو قصر – هي فترة محدودة، وفترة تمهيدية لعالم آخر أرقى، وأفضل، وأبقى، وأنقى، وهو الآخرةُ.
القاعدة الثانية: هي أن الله عز وجل بنى هذا العالم – المجتمع البشري – على أنه أفراد وجماعات
وينبثق من هذه الثنائية أن الإنسان لا يستطيع أن يفكر في تحصيل عزته بعيداً عن تحصيل العزة للآخرين. المجتمع الذليل – لأي أسباب أو بأي مظهر من مظاهر الذلة – لا يمكن أن يكون الإنسان وحده عزيزاً في هذا المجتمع الذليل إلا أن ينفصل عنه! وقد أُمرنا أن ننخرط، لا أن نعتزل. وبالتالي، أمرنا الله عز وجل أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر؛ من أجل أن نُصلح هذا الوضعَ الاجتماعيَّ؛ لأن فساده ينسحب علينا، وصلاحه ينسحب علينا. فصلاح المجتمع صلاح لنا، وفساده ينعكس علينا، شئنا أم أبينا، فالمصلحة مشتركة.
لاحظوا ماذا يقول الله عز وجل: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام – 164].
صحيحٌ أن الإنسان – في مقام الثواب والعقاب – لا يحاسب الله عز وجل أحداً بوزر أحد، لكن هناك فئة من الناس يحملون أوزارهم وأوزاراً مع أوزارهم. يعني الذين يَضلون ويُضلون لا يحاسبهم الله عز وجل على معاصيهم التي ارتكبوها فقط! بل على المعاصي والأخطاء والخطايا التي وقع الآخرون فيها بسبب فعلهم، بسبب أقوالهم، بسبب ما عملوه في أوساطهم.
وبالتالي، هناك نوع من أنواع الانعكاسات.
كذلك يقول عز وجل: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر – 38] يعني الإنسان مرهونٌ بما كسبهُ، لكن ألا يوجد هناك استثناء؟!
يقول الله عز وجل: {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ} [المدثر – 39]. أصحاب اليمين نفوسهم ليست مرهونة.
كيف ليست مرهونة؟
ليست مرهونة في جانب، في جانب معين. كل إنسان، الله سبحانه وتعالى يحاسبه على ما قدم وعلى ما أحجم عنه.
لكن هناك أشياء! لنفترض لو أن الإنسان سعى إلى أن يكون عزيزاً ويدفع بالآخرين إلى العزة فلم يستجيبوا له! تبقى عزته محفوظة لأنه صار من أصحاب اليمين، أما الآخرون هم يدفعون ثمن العزة التي دعاهم إليها هذا النبي، وهذا الرسول، وهذا الإمام، وهذا الصالح، وهذا المصلح لكنهم لم يستجيبوا له!
قال: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلا أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ} [المدثر – 39] هذا استثناء. يعني هذه القاعدة القرآنية يُستثنى منها أصحاب اليمين.
هذا لا يعني أن أصحاب اليمين لا يحاسبهم الله عز وجل!
لكن أصحاب اليمين يقول: {إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر – 10]. الله -سبحانه وتعالى- لا يوقف هؤلاء على خطأ صغير هنا وهناك لأن ما قدمه بين يدي الله عز وجل.
أسباب الصلاح والفلاح تستوعب وتستهلك هذه الأخطاء الصغيرة التي تُصنف – قرآنياً – تحت عنوان اللمم. اللمم يعني الأخطاء الصغيرة، وإن كان لا ينبغي، بل لا يجوز، للإنسان أن يستهين بمعصية! لأنها قد تكون – في نظره – صغيرة من اللمم لكنها عند الله -عز وجل- [عظيمة] {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور – 15].
القاعدة الثالثة: هي أن الناس ما داموا يعيشون أفراداً وجماعات، ماذا فرض الله -عز وجل- عليهم؟
فرض عليهم أن يتعاونوا.
والتعاون شكلان:
أ – التعاون المفروض، هو التعاون على البر والتقوى.
ب – ويقابله تعاون مرفوض، هو التعاون على الإثم والعدوان.
فقال عز وجل {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة – 2].
طبعاً لأن الناس يعيشون في وسط اجتماعي، حتى قيل أن الإنسان مدنيٌ بالطبع، خلق الله -عز وجل- الناس مفطورين وغُرز فيهم محبة الأُنس بالآخرين.
لكن الله -عز وجل- لم يجعل الأمر هملًا وسائبًا، بحيث يختار الإنسان أي صَحب شاء! وأي أصدقاء شاء! وأي أفراد من الناس شاء! وإنما حثنا وحظنا على أن نتخير – من هؤلاء جميعاً – من يشبهوننا في الصلاح الذي ننشده، ونرغب إليه ونهتم به.
فالإنسان إذا كان في البيئة التي حوله تعيش حالة من الذلة، إن لم يصلحها يُخشى أن تسري الذلة منهم إليه.
لكن لو كان هو عزيزاً، وحاملاً لمشروع العزة -كما كان أئمتنا وأنبياؤنا صلوات الله وسلامه عليهم – لن يقبلوا أن يكونوا في هذه البيئة دون أن يسعوا في صلاحها وإصلاحها، حتى لو كان الثمن غالياً. لذلك، الإمام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام قام بهذه التضحية الكبيرة.
القاعدة الرابعة: أن الله – عز وجل – أراد للأفراد وللجماعات تطبيقاً مهماً، عنواناً عريضاً له سلسلة من التطبيقات هو عنوان العزة لكن الذين يستجيبون لله من هم؟
المتقون {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة – 2]، أما غير المتقين القرآن نزل لمخاطبة الناس }.. هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ ..{ [آل عمران: 138].
لكن من يستثمر القرآن الكريم؟
أهل التقوى. والتقوى مراتب!
هناك حد أدنى من التقوى يُرجى في هذا الإنسان أن يستجيب لنداء الله – عز وجل – للحياة الطيبة.
وهناك فئة أخرى }سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ{ [البقرة: 6].
من هؤلاء؟
الذين انعدم عندهم الحد الأدنى من التقوى، لا يخشون الله -عز وجل- ولا يرقبونه في حال من الأحوال. هؤلاء لا يرجى فيهم خير ولا يرجى منهم الخير.
لكن ليس كل الناس هكذا! فئة كبيرة من الناس، الفئة الأعظم من الناس، يملكون الحد الأدنى من التقوى. ولذلك، كُلفنا – جميعاً – أن ندعو إلى الله – عز وجل – حتى أمر الحق سبحانه وتعالى نبيه الكريم بقوله: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [ يوسف: 108].
العزة ماذا يقول الحق سبحانه وتعالى؟
قال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون – 8]. هنا الحق سبحانه وتعالى يخبر لكن يقولون أحياناً الكلام يكون في صيغة الخبر لكن يُراد به الإنشاء، يراد به الأمر. مثلاً، حينما تسأل الفقيه ماذا أفعل بهذا الثوب الذي أصابته النجاسة؟ قال تغسله. صيغة (تغسله) إخبار، لكن هو يريد أن يقول لك اغسله. (تغسله) يعني اغسله، بل يقولون هو آكد وأوضح وأدل على الإلزام مما لو قال اغسل، لأنه يعتبر الأمر مفروغا منه.
فالله -سبحانه وتعالى – حينما يخبر يقول {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}، هو يريد أن يقول: شأن المؤمن، كما هو الله – عز وجل -، كما هو الرسول، يجب أن يكون عزيزاً. عزيزاً يعني ممتنعاً رفيعاً عالي القدر، لا يقبل أن ينزل إلى الحضيض الذي لا يناسب إيمانه، لا في القول، ولا في الفعل، ولا في مشاعره.
ليس مسموحا للمؤمن أن يعيش الذلة في نفسه، بل يجب أن يكون عزيزاً.
طبعاً هذا [هو] العنوان العريض، في التفاصيل لم يتركنا الله – عز وجل – دون أن يضع النقاط على الحروف. فقال هذا مظهر ذلة، وهذا مظهر عزة، اطلبوا هذا، ودعوا هذا، وخذ هذا، أو اقرأ ما جاء في الآيات والروايات والفتاوى التي استنبطها الفقهاء من هذا وهذا، ستجد أن الفقه الإسلامي كله مبني على هذا الأساس. حتى ستر العورة!
الله – سبحانه وتعالى – أحد أحكام ستر عورة الإنسان العورة الخاصة والعورة العامة – ألزمنا بأن نتخير من الألبسة ما يجعلنا في حالة تجمّل. «من كان له شعر فليرجله» كما ورد في بعض الآثار [قال رسول الله (ص): من اتخذ شعرا فليحسن إليه ..” [مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل 1/412، برقم (1023)]. لا ينبغي للإنسان أن يكون أشعث أغبر دون دون مبرر ودون سبب، {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف – 31].
هذه مستحبات.
لكن هناك حدّ آخر أوجبَ الله عز وجل فيه على الناس، أن لا يبتذلوا أنفسهم ولا يذلوا أنفسهم بأن يبدوا عوراتهم إلى الناس!
لا، هذا المقدار لا يجوز.
ولو أن الإنسان صان نفسه في هذا المقدار لصار بينه وبين الوقوع في المعاصي بون شاسع.
لذلك، المجتمع المسلم قد يستغرب – مثلاً – من هؤلاء الذين يدعون – أجلَّكم الله – للشذوذ!
المسافة بين المسلم، والمجتمع المسلم، والشذوذ واسعة.
الإنسان حتى يقع في هذه الفاحشة الآثمة، يحتاج يقطع – أو يتجاوز – الكثير من الحدود!
أدب الله – سبحانه وتعالى – المؤمن على أن يكون نظره نظراً عفيفاً. إذا كان النظر عفيفاً، وراعى المؤمن والمسلم هذا الحكم الشرعي، ولباسه نظيف، كيف يتأتى له أن يقع في هذه الفاحشة؟!
لا يُتصور منه هذا.
لكن أولئك يحطمون كل السدود والحواجز، فيأخذوا بقَضم الأحكام الشرعية والآداب التي تجعل الإنسان عزيزاً حتى يصبح أذل مخلوقات الله، فيقع ويرتكب في مثل هذه الفاحشة. ثم يحولونها من منكر إلى معروف! فيُحارب الإنسانُ المؤمنُ، الإنسانُ السويُّ، الإنسانُ الذي يريد أن يبقى على ما فطره الله – عز وجل – عليه! يريدون أن يحاربوه حتى يشوهوا هذه الطبيعة الإنسانية!
ومن ثم، نحن ملزمون بأن نحافظ على الأحكام الشرعية والقيم القرآنية والربانية؛ لأنها هي التي من شأنها أن تحافظ على الإنسان أن يكون عزيزاً.
فإذن، هي أخبار من جهة، لكنها إنشاء من جهة أخرى.
هناك قاعدة أخرى أيضاً حتى نقف على بعض التطبيقات في حديث لاحق إن شاء الله. هي أن العزة ليست شأناً عادياً في الخطاب الوحياني النازل من عند الله – عز وجل – وإنما هي من الطبقة الأولى من الأحكام الشرعية
نحن عندنا واجبات وعندنا مستحبات، العزة تُصنف تحت أيّ مقدار؟
تصنف تحت الواجب.
لا يجوز للإنسان – كما سنأتي إن شاء الله في التطبيقات – على أن يذل الإنسان نفسه.
فمثلاً، لباس الشهرة، وهو اللباس الذي إذا ارتداه الإنسان صار مضحكةً للناس، مسخرة للناس، هل يجوز للإنسان أن يرتديه؟!
قال هذه حريتي الشخصية!
لا، لست حرّاً، في هذا الجانب! كرامتك من كرامة الله، ليس للمؤمن أن يُذلّ نفسه، أي تصرف من التصرفات التي يهتك بها الإنسان، فتجعله أضحوكة بين الناس يحرم على الإنسان. حتى ضحكُ الإنسان يجب أن يكون ضحكاً وقوراً، لا أن يتحول بين الناس إلى مهرج!
في الكلام – أيضاً – هل كيف يتكلم الإنسان، كيف يتخير مضمون الكلمات؟
حتى نجنب أنفسنا ما يتداوله الناس.
كثير من الناس يريد أن يتكلم في كل شيء!
الكلام في كل شيء يجعل الإنسان أضحوكة بين الناس. يتندر الناس على فلان حينما تقول له من أخبرك؟! قال فلان! قال فلان؟! فلان يعني يستهجنون من الناس أن يستمعوا إلى فلان من الناس! لأن ما عاد إخباره إخباراً موثوقاً! ولا يعتد به! لا يضبط الحديث! لا ينظمه! لا يرتبه! بل – لا سمح الله – لا يتخير فيه أخبار الصدق من الكذب! مثل هذا الإنسان يهتك نفسه!
لاحظوا ماذا يقول الله -عز وجل-: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ} أيضاً هنا إخبار بالإنشاء. يعني كأن إرادة العزة، والرغبة في العزة، أمر مفروغا منه. الله – سبحانه وتعالى – يدلنا على الطريق.
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّاِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّـَئاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر – 10].
يبين لنا طريقين.
يظن بعض الناس أن طريق المكر والسيئات والمعاصي والفهلوة تجلب له العزة!
الله – سبحانه وتعالى – يقول: السيئات تُبعد الإنسان عن الله، {وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} يفشل.
{كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة – 21]، نهاية المطاف أن الرسل والأنبياء والصالحين هم الذين يغلبون.
طبعاً، ولما نربط بين الدنيا والآخرة ليس العبرة بأن ينتصر الناس هذا اليوم، وهذا العام، وهذه الحقبة من الزمن “الغنى والفقر بعد العرض على الله” كما جاء في الخبر الشريف [نهج البلاغة: الحكمة 452].
يعني ليس نهاية المطاف الدنيا!
قد يُغلب الإنسان في الدنيا، لكن بعد فترة أو حتى في الآخرة إذا بان أنه هو المنتصر تبين لأولئك الفشل، حتى يقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون – 99 – 100].
فالآية تقول إن الذين يمكرون السيئات ليسوا ناجحين في الحياة، وإن بدا أنهم أرفع شأناً في الواقع الاجتماعي. لكن الذين يريدون العزة الحقيقية فهي لله جميعا، بيده الأسباب. كيف يصل الإنسان إلى العزة ؟!
بالعمل الصالح.
العمل الصالح متى يكون مقبولاً عند الله عز وجل؟!
بالكلم الطيب.
فإذاً، العمل الصالح مطلوب، والكلم الطيب الذي هو الإيمان والاعتقاد المقبول عند الله -عز وجل- هو القاعدة التي يُبنى عليها هذا.
في آية أخرى يقول الله عز وجل: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران – 26]. يعني تريد العزة العزة ليست بالمال الحرام، العزة المطلوبة بالمال الحلال.
العزة ليست بالمنصب الحرام، بالمنصب الحلال.
حتى على مستوى المُلك لو أنّ أحداً ظن أنه لو كان أميراً أو خفيراً أو ملكاً أو رئيساً أو زعيماً، هذه ليست هي العزة التي يريدها الله – عز وجل – لعباده! قد تكون عزة عند الناس! لكن – في المآل – ستجد أن هذا الذي كان يبطش بالناس يوماً يبحثون عنه في جحر تحت الأرض! أين تلك العزة التي كان يظن أن أحداً لا يستطيع أن يشمخ بأنفه في محضره؟! صار ذليلاً كالفأر في الجحر، يُصطاد كما تصطاد الحشرات والحشار.
فإذن، هذه مشكلة.
الله – سبحانه وتعالى – يبين أن من بيده الأمر والنهي على هذا المستوى الله -سبحانه وتعالى-. هو الذي يُملِّك بالحق، حتى لا يظن أحد أن كل من ملك هو ملك بإذن الله! تأمّر بإذن الله!
لا، الله – سبحانه وتعالى – يأذن لهذا الظالم أن يصل إلى ما وصل إليه، لكنه لا يرضى!
وفرق بين رضا الله – عز وجل – والإذن!
الله يأذن في الخير وفي الشر لكنه لا يرضى إلا بالخير.
«عن سماعة قال: قال أبو عبد الله -أي الصادق (عليه السلام) – : إن الله عز وجل فوض إلى المؤمن أموره كلها ولم يفوض إليه أن يذل نفسه ألم تسمع لقول الله عز وجل: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين)” [فالمؤمن ينبغي أن يكون عزيزا -ينبغي هنا بمعنى يجب مو معنى يستحب-] ولا يكون ذليلا، يعزه الله بالإيمان والإسلام» [الكافي ٥/٦٣].
وقال رجل -الحديث الذي ذكرناه وأشرنا إليه، أن أحدهم قال للإمام الحسن (عليه السلام): إنّ فيك كبراً. فقال: كلا، الكبر لله وحده، ولكن فيّ عزة، قال الله -عز وجل-: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين). [ميزان الحكمة ٣ /٢٦٥٢].
هناك تطبيقات نأتي على ذكر بعضها لاحقاً، نسأل الله -عز وجل- أن نكون وإياكم من أهل العزة وأن يبعدنا وإياكم عن أسباب الذلة في والآخرة.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد.
اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كل ساعة، ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلا وعيناً حتى تُسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلًا.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا. ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.