«الاستقامة والتقويم (١)» يوم الجمعة ١٢ رجب ١٤٤٤ هـ
نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «الاستقامة والتقويم» يوم الجمعة 12 رجب 1444 هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّد الخلق وأشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله وعلى آله الطيبين الطاهرين.
ربّ اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي.
عباد الله! أوصيكم – ونفسي – بتقوى الله؛ فإنه القائل – عز وجل – مخاطباً نبيّهُ الكريم {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود : 12].
حديثنا سيكون بعنوان (الاستقامة والتقويم).
هذه الآية وآيات كثيرة تتحدث عما كلف الله -عز وجل- به عباده جميعا، غير أنه خص المؤمنين بين هؤلاء بخطاب خاص وهو أن المؤمنين هم الذين استجابوا لداعي الله -عز وجل- فاستقاموا وسألوا الله -عز وجل- العون أن يكونوا مستقيمين في أنفسهم، وأن يعينهم على أن يكونوا كذلك في تقويم الآخرين.
فإذاً، نحن بين يدي تكليفين اثنين:
1 – أن نستقيم في أنفسنا.
2 – وأن نسعى أن نكون مسؤولين عن الآخرين في أن يكونوا مستقيمين. وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” [بحار الأنوار 72/ 38؛ صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب: الجمعة في القرى والمدن].
ليس فينا أحد ألا وهو يعيش في محيط صغير أو كبير، أن يكون أبا أو أن يكون أخاً أو أن يكون زوجاً، بالنسبة للأخوات أن يكنَّ بنات أو أمهات أو أخوات، أو أن يكون كل منا صديقا – أو بالنسبة للإناث صديقة – لآخرين.
هل لو أن الإنسان وجد في نفسه الاستقامة يمكن أن تنفك استقامته عن السعي في أن يكون الآخرون كذلك أيضاً؟
الجواب: إيمانيا ليس مسموحاً إيمانياً.
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كُلف من الله -عز وجل- أن يكون داعية إليه، حيث قال عز وجل: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى} [يوسف: 108]. يقول عز وجل أيضاً في آية أخرى يخاطب النبي صلى الله عليه وآله: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ} [فصلت: 6] هذا يحدد، يطلب منا الاستقامة مع التأكيد على داعي الاستقامة هي أن تكون الاستقامة إلى الله. يعني لا أن يستقيم الإنسان من أجل أن يمدح بين الناس بأنه مستقيم وإنما أن يستقيم لأن الله -عز وجل- يريد منا أن نكون كذلك {فَٱسْتَقِيمُوٓاْ إِلَيْهِ وَٱسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ} [فصلت: 6].
المشركون عنوان يشمل أولئك الذين يعبدون الأصنام الحجرية، ويشمل – بالمعنى العام وبالملاك والمناط – الذين يعبدون أنفسهم {اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية : 23]. هذا أيضاً مشرك يقول الله -عز وجل- في آية {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: ١٠٦]. هذا الشرك شركٌ أخلاقيٌّ ليس بالضرورة الشركَ الاعتقاديَّ المخرجَ من الملة. المرائي الذي يصلي من أجل الناس أو من أجل أن يشار إليه بين الناس بأنه من الصالحين هذا مرائي، هذا صلاته لا تُقبل بين يدي الله -عز وجل- حتى لو كانت بنحو الاشتراك خمسين بالمئة لله، خمسين بالمئة للناس! الله -عز وجل- لا يقبل مثل هذه الصلاة.
وهذا يحتاج إلى جهد جهيد يبذله الإنسان من أجل أن يكون كذلك.
ولما كنا بين مولدين شريفين، مولد أمامنا الجواد -عليه الصلاة والسلام- ومولد إمامنا علي -عليه أفضل الصلاة والسلام-. مضى الأول وبعد يومين يأتي علينا الثاني، نسأل الله – عز وجل – أن يمن علينا وعليكم ببركة هذين الإمامين أن نكون ممن يتولاهما وأن يثبت على ذلك. نستلهم ما يرتبط، أو بعض ما يرتبط بهذا العنوان من هذين الإمامين العظيمين.
يقول الإمام الجواد -عليه أفضل الصلاة والسلام-: “المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله، وواعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه” [تحف العقول 457].
ثلاثة عناصر حتى يكون المؤمن قادراً على أن يؤدي المهمة المنوطة به في نفسه من أجل أن يكون مستقيماً وفيما يتعلق بتأثيره على الآخرين، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، معلماً، مرشداً لهم إلى الخير. وهذه تكاليف من الله -عز وجل- لا يختلف فيها المسلمون.
ما هي العناصر التي نحتاج إليها؟
العنصر الأول – الذي يحدده الإمام الجواد عليه أفضل الصلاة والسلام – أن نحتاج إلى توفيق من الله.
مَن يفتقد التوفيق من الله بكل تطبيقاته ومستوياته لا يمكن أن ينال الخير لأن الخير من الله ومفتاحه عنده – سبحانه وتعالى – وبقدر ما نطرق بابَ الله سبحانه وتعالى يُفتح لنا من الخير بمقدار ما نطرق ونُلح. أما الذين يستغنون عن الله -عز وجل- يكِلُهم الله – عز وجل – إلى أنفسهم، ولن يجدوا خيراً!
ونتكلم عن الخير الإيماني وليس الخير الدنيوي. الخير الدنيوي يمكن أن يناله المؤمن والكافر، وقد يناله الكافر أكثر مما يناله المؤمن.
نحن نتكلم عن العنوان الذي جعله الإمام -عليه السلام- موضوعاً لحديثه يقول المؤمن لم يتكلم عن الإنسان!
هنا يتكلم عن الإنسان المؤمن.
أما الإنسان غير المؤمن فله أهداف أخرى. لكن المؤمن إيمانه يفرض عليه غايات ودواع وأهداف ووسائل هذه إنما نستلهمها ونستقيها من الله – سبحانه وتعالى -.
هذا ما يجمعه عنوان التوفيق.
المؤمن يحتاج إلى توفيقٍ من الله وواعظٍ من نفسه. لكي يكون الإنسان مستقيما بين يدي الله – عز وجل – لا ينفعه أن يضغط عليه الآخرون ويفرض عليه أن يكون صالحا. الإيمان – كما ذكرنا مرارا وذكر غيرنا قبلنا بمدة طويلة – الإيمان لا يساق الناس إليه بالعصا، الإيمان الذي يساق إليه الناس بالعصا يتفلتون منه مع أقل دعوة! أقل إشارة! يتفلت الناس من ذاك الإيمان والتدين الذي سِيقوا إليه بالعصا.
لكن الإيمان النابع من قناعة الإنسان الداخلية لا يغيره مغير. الجبل يزول ولا يُستقل الإيمان من نفس المؤمن؛ لأنه اختاره عن نضج، اختاره عن وعي.
إذا كان هذا الواعظ من نفس الإنسان سهل عليه أن يتلقى توفيق الله -عز وجل- فيكون مستقيماً وأن يؤثر في الآخرين لأنه حينئذ سيقرن دعوته القولية إليهم إلى الإيمان والاستقامة بالعمل. لا يجدونه يتكلم في وادٍ وسلوكه في وادٍ! يدعو الناس إلى الخير باللسان، لكنه على مستوى العمل لا يطبق ذلك! {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3].
فيحتاج المؤمن إلى توفيق من الله وواعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه.
إذا كنا بصدد دعوة الآخرين إلى الخير لا بد أن ندرس ظروف هذا الطرف الآخر، هل أنت ممن يقدر على التأثير عليه أو لا؟
إذا لم تكن ممن يقدر على التأثير عليه بأي سبب من الأسباب.
أحياناً فارق العمر يجعل بعض الناس لا ينصت لمن هو أصغر سنّاً منه.
أحياناً الفارق العلمي، بعض الناس يدفعهم تفوقهم العلمي إلى الاعتقاد بأن من هو أقل كفاءة علمية منه ليس كُفؤاً أن يوجه إليه النصيحة.
في مثل هذه الحالة كلامك سيكون كلاما عبثياً لا طائل من ورائه! لأن الطرف الآخر نفسيته مسدودة، أذنه صماء عن أن يسمع منك.
وكذلك إذا كان الولد متمرداً مشاكساً، الأب قد لا يكون هو المؤثر عليه قد تكون الأم هي المؤثرة عليه. أو الأم الضعيفة الشخصية مثلا أو غير القادرة على التأثير على ولدها أو ابنتها تستعين بالأب الذي يكون له القدرة على التأثير على هذا الولد أو هذا البنت أو الأمر بالعكس.
المهم ألا يتصور الإنسان أننا قادرون على التأثير على جميع الناس بوتيرة واحدة فيحتاج إلى واعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه.
ومن ثم ماذا يقول أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام في توجيه كريم؟ “كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم” [أصول الكافي 2/72] أو «كونوا دعاة لنا صامتين» [في مستدرك الوسائل 1/116 “وأن تكونوا لنا دعاة صامتين”]. لأنه ليس بالضرورة الكلام يكون هو الأكثر تأثيرا في نفوس الآخرين!
سلوك الإنسان إذا وجد بين الناس رجل صالح امرأة صالحة يؤثر فيهم بفعله أكثر مما يؤثر فيهم بأقواله. لأن الناس في العادة – الفطريون الطبيعيون – يتقززون من هذا الإنسان المتلون، الإنسان الذي يسمى (منافق)، الإنسان ذي الشخصيتين، ذي اللسانين، يقول قولاً لكنه يفعل فعلا آخر. الناس مثل هذا لا يحترمون قوله!
ولذلك تجدون الناس يتصيدون الكلمات لو وجدوا أحداً يقول قولا وقد سبق منه قول مضاد يقول انظروا ماذا قال سابقا! وماذا يقول لاحقا! يعيبونه وعيبه هذا يؤثر في قبول الناس لكلامه.
فإذاً هناك أمران أساسيان يمكن أن نستفيدهما من هذه الكلمة الرائعة للإمام الجواد – عليه أفضل الصلاة والسلام -.
وأشير إلى كلام – بإيجاز شديد – للإمام أمير المؤمنين نكل الحديث عنهما إلى الأسبوع الآتي إن شاء الله.
الأمر الأول الإنسان كيف يحظى بالتوفيق من الله عز وجل؟
ليس الأمر بشكل غيبي دائماً، وإنما يتعلم الإنسان من الآخرين، الاستفادة من جهود الآخرين هذا أمر مهم. بابٌ من أبواب التوفيق للإنسان أن يستفيد من أهل العلم، من أهل الكفاءة، من أهل الاختصاص من أهل الخبرة. لذلك المثل الشعبي يقول: «اللي أكبر منك بيوم أخبر منك بسنة» السبب ما هو؟
ليس كل شيء أحيانا يقرأ في الكتب، بعض الأمور لا تقرأ في الكتب وإنما يتلقاها الناس عبر صدور الرجال. خبرة فلان ينقلها فلان، المزارع لا ينقل خبرته في الغالب في مدونة مكتوبة وإنما يأخذ ولده أو الذي يتعلم بين يديه ليريه بالعيان. كيف أن هذه الشجرة أو هذه النخلة تنمو بهذه الطريقة؟ تتحول هذه التحولات؟ يكتسبها بالخبرة.
وكذلك أهل الحرف والصناعات في الغالب لا يدونون خبراتهم وإنما يأخذون بأيدي من يتصنع عندهم ويتتلمذ بهذا الأسلوب وبهذا الطريق. فالاستفادة من جهود الآخرين لا يمكن أن نستغني عنها.
الأمر الآخر بذل الجهد الشخصي
لا يكفي أن يكون هناك معلم ويوفر لك البيئة التعليمية المناسبة ما لم يكن لديك الرغبة الجادة في أن تتعلم وتكتسب هذه المهارة.
أمير المؤمنين – صلوات الله وسلامه عليه – في وصيته الرائعة، التي يفترض أن تكون دستوراً لنا نستلهم منه المواد التربوية والتعليمية من أجل الانتقال بأبنائنا من طور تربوي إلى طور تربوي أفضل وأعلى، الوصية المعروفة المدونة في نهج البلاغة، يقول أمير المؤمنين – صلوات الله وسلامه عليه – يخاطب الإمام الحسن – نكل الحديث عنها إن شاء الله لاحقا -، يقول: «واعلم يا بني أن أحب ما أنت آخذ به إلي من وصيتي تقوى الله والاقتصار على ما فرضه الله عليك، والأخذ بما مضى به الأولون من آبائك، والصالحون من أهل بيتك، فإنهم لم يدعوا أن نظروا لأنفسهم كما أنت ناظر» [نهج البلاغة – خطب الإمام علي (ع) – ج 3 – الصفحة 42].
إذا منَّ الله – عز وجل – على الإنسان أن يكون له سلف صالح، والإمام علي يخاطب ولده الإمام الحسن والرسالة إلينا. يقول أنت لك سلف صالح هم الأنبياء والرسل، هؤلاء آباؤك.
أنت أيها المؤمن هؤلاء بمثابة آبائك إن لم يكونوا آباءنا نسبيين لك فهم آباؤك الروحيون «يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة» [بحار الأنوار 23/138].
نحن حينما يكلفنا الله – عز وجل – أن نقتدي برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه رسم لنا معالم هذه الشخصية الكريمة، الشخصية النجيبة.
ومن أبرز ما وصف الله -عز وجل- به هذه الذات الكريمة قوله {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٣]. فإذاً وضع لنا منهجاً كيف نستلهم من النبي أن نقرأ سيرته السيرة الصحيحة ليس السيرة التي تلاعب بها المتلاعبون فأبرزوا لنا شخصية في بعض ما أبرزوه. ليست موافقة أبداً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنما نريد تلك السيرة التي شهد لها الله – عز وجل – بأنها على خلق عظيم. هذه الشخصية ستكون محطة تعيننا على أن نتعلم وأن نستقيم وكيف نقوم الآخرين، هذا أمر مهم.
يقول أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام أيضا في باب آخر. أحيانا الإنسان يريد أن يستقل عن أن يتعلم من الآخرين، وهذا أمر مثالي! ليس هناك أحدا يقول أنا أريد أن استغني عن جهود الآخرين، كيف تستغني عن جهود الآخرين؟ إذا أردت أن تستغني عن جهود الآخرين يعني أن لا تتعلم منهم، وأن لا تقرأ لهم، ولا تستفيد من خبراتهم هذا أمر مستحيل!
حتى الذين يفكرون يقول أنا أريد أن أفكر كما فكّر الآخرون. من الجيد أن تعرف أين وصلوا، وكيف تبدأ؟ هل تبدأ من الصفر؟ لا تستفيد من خبرات أحد. يعني أن تفكر كيف فكر الناس على مدى ثلاثة آلاف سنة!
هذا يجهدك!
نعم، لك أن تستفيد من خبراتهم وفي الوقت نفسه تبذل جهداً مثل ما بذلوا في هذا الباب فتستقيم وتستفيد من خبراتهم فيما يرتبط بتقويم الآخرين.
أمير المؤمنين -عليه أفضل الصلاة والسلام- يقول: «فَإِنْ أَبَتْ نَفْسُكَ» يعني لا تريد أن تكتفي بما مر عليك من آبائك «فَإِنْ أَبَتْ نَفْسُكَ أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ دُونَ أَنْ تَعْلَمَ كَمَا عَلِمُوا – فَلْيَكُنْ طَلَبُكَ ذَلِكَ بِتَفَهُّمٍ وتَعَلُّمٍ – لَا بِتَوَرُّطِ الشُّبُهَاتِ وعُلَقِ الْخُصُومَاتِ».
الإنسان إذا لم يستفد من تجارب الآخرين قد يخطئ طريقة السؤال، وإذا أخطأ طريقة السؤال حصل على جواب غير مَرضي! جواب غير صحيح!
لذلك ورد في الأثر الشريف: حسن السؤال نصف الجواب» [في بحار الأنوار 1/224، عن رسول الله (ص) انه قال “.. حسن السؤال نصف العلم ..”].
يسأل أحدهم الإمام الجواد عليه أفضل الصلاة والسلام أن شيعتك يدّعون أن عندك من العلوم كذا وكذا. الإمام صلوات الله وسلامه عليه قال: لو أن الله – عز وجل – أراد أن يضع هذا العلم في بعوضة يقدر أو لا يقدر؟ قال بلى. قال أنا أكرم عند الله – عز وجل – من بعوضة! [انظر: بحار الأنوار 50/101].
الإمام لم يثبت له سؤاله، ليس في هذا الصدد لأن هذا ليس من أهل الشأن. لكنه أراد أن ينبهه إلى خطأٍ.
أن ما يعتقده شيعتي فيّ أني إمام منصوب من الله، ليست إمامة اجتماعية وثقافية، إمامتي أعلى من ذلك بكثير، إمامة من الله. مثل ما أن أولئك الذين يعيبون على الشيعة قولهم إن الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه باقٍ إلى يومنا هذا! هل يعقل أن الله أن يبقى إنساناً هذه المدة؟! ولا يعجبون أن إبليس – الذي هو شر خلق الله! – باقٍ بهذه هذه المدة!
والسبب أن الله -عز وجل- اختار له أن يبقى. فما المانع أن تتعلق مشيئة الله وإرادته لوليه. إذا تعلقت إرادته ومشيئته أن يُبقي عدوه، هل من المستحيل أن تتعلق مشيئته وإرادته بإبقاء وليه هذا العمر وأكثر من هذا العمر؟!
فالسؤالُ الخطأُ، المدخلُ الخطأُ، يؤدي بالإنسان إلى جوابٍ خطأٍ! فلا يستقيم الإنسان ولا يُحسن أن يقوّم الآخرين.
فإذاً، للاستقامة شروطها، للتقويم للآخرين شروطه أيضاً، هذا بعض ما ذكره أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام، وللحديث تتمة.
نسأل الله -عز وجل- أن نكون وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.