الخطبة الأولى:
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، زنةَ عرشِهِ، ورضا نفسِهِ، وعددَ قطرِ سمائِهِ وبحارِهِ، له الأسماءُ الحسنى، والحمدُ للهِ حتى يرضى، وهو العزيزُ الغفورُ.
اللهُ أكبرُ كبيراً متكبراً، وإلهاً متعززاً، ورحيماً متحنناً، يعفو بعد القدرةِ، ولا يقنطُ من رحمتِهِ إلا الضالون.
اللهُ أكبرُ كبيراً، ولا إلهَ إلا اللهُ كثيراً، وسبحانَ اللهِ حنَّاناً قديراً.
والحمدُ للهِ، نحمدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفرُهُ، ونستهديه.
ونشهدُ أن لا إلهَ إلا هو، وأن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ. مَن يُطِع اللهَ ورسولَهُ فقد اهتدى، وفاز فوزاً عظيماً، ومَن يعصِ اللهَ ورسولَهُ فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً، وخَسِرَ خُسراناً مُبِيناً.
عبادَ اللهِ!
أوصيكم – ونفسي – بتقوى اللهِ، فإنها الحصنُ الحصينُ، والحبلُ المتينُ.
أما بعد، فإن اللهَ تعالى قد أنعم علينا وعليكم – على مدى شهرٍ كاملٍ – بتكثيفِ الأنسِ بكتابِهِ الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِه ..} [فصلت: 42].
ومما قرأناه وتلوناه أنه سبحانه قال ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: 105]، فقد أمَرَنا بالعملِ، وحذَّرنا بأن أعمالَنا كلَّها بمرأى منه عز اسمُهُ، ومن رسولِهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن المؤمنين الذين هم الأئمةُ (عليهم السلام).
ثم حذَّرنا بأننا مردودون إليه منبهاً إلى أنه عالمُ الغيبِ والشهادةِ، وبأننا منبَّؤون بما لنا من أعمالِنا وما علينا منها.
فاللهَ اللهَ! في تحسينِ أعمالِنا، فإنه إنما خلَقنا ليبلوَنا أيُّنا أحسنُ عملاً، وإن مَن حسُن عملُهُ ابيضَّ وجهُهُ، فقد قال تعالى ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [آل عمران: 107]. ولنجتهدْ أشدَّ الاجتهادِ من أجل أن نحظى وإياكم بوعدِ مَن لا يُخلف الميعادَ.
وأما السبيلُ إلى تحسينِ العملِ، فهو أن نكونَ من عبادِ اللهِ الصالحين، الذين تمثلوا في أنفسِهم قيمَ الجمالِ والكمالِ، فصاروا محلّاً لثناءِ اللهِ وتمجيدِهِ، حيث يقول ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (٦٣) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (٦٤) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (٦٥) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (٦٦) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٧٠) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (٧١) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (٧٢) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (٧٣) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (٧٤) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (٧٥) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ [الفرقان: 63-76].
فهذه السماتُ والصفاتُ تعني أن عبادَ الرحمنِ هم – دون الناسِ -النموذجيون في همومِهم واهتماماتِهم، وفي ما يعتمدونه من سلوكٍ مع الخالقِ والخلقِ، وبين هذا وذاك مع أنفسِهم. لذلك، فإنهم لا يشتغلون بالفاني عن الباقي، ولا بالمظهرِ عن الجوهرِ.
فلنبتهج في هذا اليومِ، الذي جعله اللهُ لنا عيداً، ولنكن في بهجتِنا عباداً للرحمنِ، صالحين مصلحين، داعين إلى اللهِ بدون ألسنتِنا، ولننتبه إلى أن اللهَ لا يطاع من حيث يُعصى.
جعلنا اللهُ وإياكم ممن يستمع القولَ فيتبعُ أحسنَهُ.
اللهم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ، وبارِك على محمدٍ وآلِ محمدٍ، وتحنن على محمدٍ وآلِ محمدٍ، وسلِّم على محمدٍ وآلِ محمدٍ، كأفضلِ ما صليتَ وباركتَ وترحمتَ وتحننتَ وسلمتَ على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيدٌ.
إن أحسنَ الحديثِ ذكرُ اللهِ، وأبلغَ موعظةِ المتقين، كتابُ الله عزَّ وجلَّ.
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
—
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ، نحمدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفرُهُ، ونستهديه، ونؤمنُ به، ونتوكلُ عليه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا.
مَن يهدي اللهُ فلا مضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له.
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، أرسله بالهدى ودينِ الحقِّ ليظهرَهُ على الدينِ كلِّهِ ولو كره المشركون، وجعله رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً وداعياً إلى اللهِ بإذنِهِ وسراجاً منيراً. مَن يُطع اللهَ ورسولَهُ فقد رشُد، ومَن يعصيهما فقد غوِي.
عبادَ اللهِ! أوصيكم – ونفسي – بتقوى اللهِ، الذي ينفعُ بطاعتِهِ مَن أطاعَهُ، والذي يضرُّ بمعصيتِهِ مَن عصاه، الذي إليه معادُكم، وعليه حسابُكم.
وإن التقوى وصيةُ اللهِ فيكم، وفي الذين من قبلِكم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحديد: 28].
عباد الله!
إن من تحسينِ العملِ أن نتخيرَهُ، ولن يكونَ ذلك بدون العلمِ والتفقهِ، وقد عمُرت مجالسُنا – بحمدِ اللهِ – في شهرِ رمضانَ بصنوفٍ من العلومِ والمعارفِ، مما تلوناه في كتابِ اللهِ، أو حضرناه واستمعنا إليه وتفاعلنا معه، مع عالمٍ أو خطيبٍ، أو قرأناه في كتابٍ، وعلينا أن نواصلَ في هذا السبيلِ؛ فقد قال اللهُ عزَّ وجلَّ في الكتابِ الكريم ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 9] ، بل إن خشيةَ اللهِ، والسيرَ في الصراطِ المستقيمِ، مشروطٌ بالعلمِ، فقد قال تعالى ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} ثم إنه سبحانه ألحق بذلك ما يصلح عدُّهُ سبيلاً للعلمِ وتحسينِ العملِ، فقال عزَّ من قائلٍ {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [فاطر: 28-30].
جعلنا اللهُ وإياكم من المتعلمين على سبيلِ نجاةٍ، والمتأسين بالعلماءِ الربانيين، والراجين هدايةَ اللهِ؛ فإنه سبحانه القائلُ ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69].
اللهم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ، اللهم أعطِ محمداً الوسيلةَ والشرفَ والفضيلةَ والمنزلةَ الكريمةَ.
اللهم اجعل محمداً وآلَ محمدٍ أعظمَ الخلائقِ كلِّهم شرفاً يومَ القيامةِ، وأقربَهم منك مقعداً، وأوجهَهم عندك يوم القيامة جاهاً، وأفضلَهم عندك منزلةً ونصيباً.
اللهم أعطِ محمداً أشرفَ المقامِ، وحباءَ السلامِ، وشفاعةَ الإسلامِ.
اللهم وألحقنا به غيرَ خزايا، ولا ناكثين، ولا نادمين، ولا مبدِّلين، إلهَ الحقِّ آمين.
اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، الأحياءِ منهم والأمواتِ الذين توفيتهم على دينِك وملةِ نبيِّك صلى اللهُ عليه وآلِهِ وسلم.
اللهم تقبل حسناتِهم، وتجاوز عن سيئاتِهم، وأدخِل عليهم الرحمةَ والمغفرةَ والرضوانَ، واغفر للأحياءِ من المؤمنين والمؤمنات، الذين وحَّدوك، وصدَّقوا رسولَك، وتمسَّكوا بدينِك، وعملوا بفرائضِك، واقتدوا بنبيِّك، وسنُّوا سنتَك، وأحلُّوا حلالَك، وحرَّموا حرامَك، وخافوا عقابَك، ورجَوا ثوابَك، ووالوا أوليائَك، وعادَوا أعدائَك. اللهم اقبل حسناتِهم، وتجاوز عن سيئاتِهم، وأدخِلهم برحمتِك في عبادِك الصالحين، إلهَ الحقِّ آمين.
وصلى اللهُ على محمدٍ وآلِهِ الطيبين الطاهرين.
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون: 1-6].