حديث الجمعة

«زينة المتقين (13) – واستصلح بقدرتك ما فسد مني (2)» يوم الجمعة 20 صفر 1447 هـ

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «زينة المتقين (13) – واستصلح بقدرتك ما فسد مني (2)» يوم الجمعة 20 صفر 1447 هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق وأشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدةً من لساني يفقه قولي. اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم.

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

ولا يمكن للإنسان أن يكون متقياً بميزان الشريعة إلا أن يتخلقَ بالأخلاق الحسنة. وهذا ما دعا الإمامَ السجادَ (عليه أفضل الصلاة والسلام) إلى أن يجعل واحداً من أدعيته المهمةِ طلبَ (مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال). فأنت في أقوالك، وفي أفعالك، في تصرفك مع نفسك، ومع الآخرين، في تصرفك، وعلاقتك مع الله، يجب أن تتخلق بمكارم الأخلاق، وأن تكون أفعالك عند الله عز وجل مرضية.

و[قد] ذكرنا في الأسبوع الماضي بعض ما يدل على اهتمام الإمام السجاد (عليه السلام)، كواحد من الأئمة المعصومين، بمسألة الفساد والنفرة منه، والتنفير عنه، والإلحاح على الله عز وجل في التخلص منه.

نتناول الآن مخاطر الفساد بإيجاز شديد، وكيف نتخلص منها، حتى إن الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام)، يسأل الله عز وجل ويقول: واستصلح بقدرتك ما فسد مني.

***

الإنسان إذا فسد في نيته، وفسدت أفعاله، في كثير من الأحيان، بل في مطلق الأحوال، لا يستطيع أن يتخلص من ذلك، إلا أن يعينه الله عز وجل على نفسه، بما أعان به الصالحين على أنفسهم.

إذا تعرفنا على مخاطر الفساد، بعد أن عرفنا ما هو الفساد، وما هو الصلاح، يزيدنا ذلك بصيرة بأهمية الصلاح والإصلاح، وبصيرة بخطر ومضار الفساد والمفسدين، حتى نجنب أنفسنا فعل الفساد، وأن نلتحق أو نصنف ضمن الفاسدين المفسدين.

الخطر الأول: البطلان، والفشل

لاحظوا ماذا يقول الله عز وجل تحت عنوانِ واحدٍ من مخاطر الفساد والإفساد، وهو أن الإنسان الفاسد والمفسد يتعرض عمله كله للبطلان والفشل!

والإنسان مفطور على أن يرغب في أن تكون أعماله منتجة، مفيدة، نافعة له في العاجل والآجل. أما أن تكون باطلة لا قيمة لها، لا تنتج، أو فاشلة، فهو ما لا يريده الإنسان السوي.

لكن الخطورة في أن تختلط الأوضاع على الإنسان، فيظن الفاني بحكم الباقي، فيغتر بالمصلحة العاجلة على حساب المصلحة الآجلة، والمصلحة الراسخة على المصلحة الزائلة، وهذا أمر خطير.

لاحظوا ماذا يقول الله عز وجل في سورة يونس، عن السحرة الذين هيّأهم فرعون من أجل مقارعة ما جاء به موسى عليه السلام، قال موسى: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ ..} هذا الذي جئتم به هو سحر، والسحر عند الله عز وجل باطل، لا ينتج، لن تنتهوا إلى النتيجة التي ترجونها من خلال السحر. قال موسى {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ .. إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ، إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِيْنَ}.

فأعطانا قاعدتين:

القاعدة الأولى: أن السحر مصداق من مصاديق الفساد، ولا بد أن الله عز وجل سيبطله.

لذلك، المؤمن لا يخشى من فعل الفساد والمفسدين، لأنه يطمئن بأن مآله إلى الفشل والزوال. نعم، قد تحصل بعض الآلام للمؤمن، لكن النتيجة: البقاء لله عز وجل ولمن يرتبط به، أما الفاسدون ومنهم السحرة فلن ينتهي عملهم إلى الصلاح.

ثم يُعطينا القاعدة الثانية: ﴿.. إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: 81].

القضية ليست في مسألة السحر فقط، هذا مجرد مصداق، والساحر مصداق للفاسد المفسد، والله عز وجل لا يصلح عمله، أي لا يجعله عملاً منتجاً.

ما الذي نستفيده من هذا؟ أن نبتعد بأنفسنا عن الفساد بكل أشكاله ومستوياته، وعن المفسدين، فلا ينبغي للإنسان أن تكون نظرته قاصرة.

الخطر الثاني: أن الفساد ينتهي بصاحبه إلى التدمير والهلاك.

لاحظوا ماذا يقول الله عز وجل في سورة النمل، وهو يحكي قصة جماعة واجهوا نبيًا لهم ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ [النمل: 48] .”

الفساد يقابل الإصلاح، والإفساد يقابل الصلاح. قالوا فيما بينهم، هذا الرهط التسعة أي العصابة، رؤوس القوم، المؤثرون فيهم، النافذون في أوساطهم قالوا: ﴿.. تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ ..﴾، أي ليقسم كل واحد منا بالله من أجل تحقيق هذه النتيجة الفاسدة.

﴿قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ [النمل: 49].

يعني: لا ينبغي للناس أن يظنوا أن الفاسد لا يفكر، بل الفاسد قد يعمل فكره وعقله أكثر مما يعمله المؤمن. لكن الفرق أن المؤمن يستخدم عقله في الصلاح والإصلاح والعمل الطيب، أما الفاسدون فلا، وإنما يعملون على النقيض. كما فعل هؤلاء، توافقوا وتقاسموا بالله عز وجل على أن يبيتوا هذا النبي أو المصلح وأهله ليلًا، لكنهم أرادوا أن يظهروا أمام الناس بصورة صالحة، حتى لا ينفر الناس منهم، فإذا سألنا الناس أقسمنا بالله أننا ما شهدنا مهلك أهله، لأنهم أرادوا أن يقتلوه ليلا، والناس لا يعرفون من الذي قتله. {.. مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}.

وهذا ما يفعله الفاسدون عبر التاريخ. الفاسد لا يظهر نفسه ولا يقبلوا أن يظهر بين الناس بأنه مصلح يمارس التجويع، ثم يعطيه عنوانًا من العناوين: “نحن نفعل، نعطي، نتقدم، يقتله من هنا، ثم يعطيه كيسًا من الطحين من هناك! لأنه لا يقبل أن يُسمى فاسدًا، بل يسعى إلى أن يقلب العنوان، فيجعل الصالحين مفسدين، ويجعل نفسه وهو فاسد من المصلحين!

هذه سنتهم عبر التاريخ ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النمل: 50-51].

الفاسد والمفسد، مهما طال الزمن والزمن بالنسبة له ولغيره قصير لا يمكن أن ينتج نتيجة صالحة.

الخطر الثالث: العقوبات العاجلة

بعض الفساد لا يتسامح الله معه، بل يُعَجِّل عقوبته، ومنه البغي، أي الظلم إذا تجاوز حدّه، فإن الله عز وجل يُعَجِّل على الفاسد عقوبته من حيث لا يشعر، ومن حيث لا يقدر. لاحظوا ماذا يقول الله عز وجل في سورة الروم: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41].

قد يقع الإنسان في فساد يظنه صغيراً، ثم يقع آخر، وثالث، ورابع، وحتى لا البحار لا تسلم من فساد الناس.

يقال إن هناك بقعة من البلاستيك متجمعة في البحر مساحتها ثلاثة آلاف كم²! الناس يرمون البلاستيك، فيتجمع، فتموت الأسماك والكائنات البحرية، وتتلوث البيئة. ثم يقولون: لماذا لا يُحقق الله لنا ما نرجوه؟!

أنتم أيها الناس، أفسدتم على أنفسكم ما جعله الله عز وجل خيراً لكم. وكذلك تلوث البيئة بأشكاله المختلفة، هذا نوع من أنواع الفساد الذي لا يرضاه الله عز وجل.

في سورة المائدة، يقول عن الذين يحاربون الله ورسوله قطع الطرق، والذين يخيفون الناس بالسلاح: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ..﴾ [المائدة: 33].

الله عز وجل لا يحب الفساد، ولا يرضى بالفساد، ولا يرضى عن المفسدين، ولا يحب المفسدين، بل يعجل لهم العقوبة بحيث لا يتصورون، حتى لو قال الناس أن هذه العقوبة قاسية، لكن هذه هي العقوبة العادلة لمن يمارس هذا النوع من الفساد.

الخطر الرابع: العقوبات الآجلة

قد ينجو الفاسد من عقوبة عاجلة، لكنه بالتأكيد لا يمكن أن ينجو بنفسه وبفساده من عقوبة الله عز وجل الآجلة، وقد يجمع الله عز وجل عليه العقوبتين. يقول عز وجل في سورة الرعد ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [الرعد: 25]. هذا مضمون عقوبتهم الآجلة، أي في الآخرة، وهي مضمونة.

لكن هل ينجو الفاسدون من العقوبات العاجلة؟ ذكرنا أنهم لا ينجون، ولكن شكل العقوبة وتوقيتها أمر يعلمه الله عز وجل.

لكن هل ينجو الفاسدون من عقوبات عاجلة؟ ذكرنا أنهم لا ينجون، لكن شكل العقوبة ما هي توقيت العقوبة؟ ما هو؟ هذا أمر يعلمه الله عز وجل.

الخطر الخامس: الخسران الشامل

وهو آخر ما سنذكره من المخاطر، وإن كانت هناك مخاطر كثيرة.

الإنسان إذا وقع في الفساد، حسب رتبته، يقع في خسران، وقد يكون هذا الخسران في الدنيا والآخرة تبعاً لمستوى فساده وإفساده. يقول عز وجل في سورة البقرة: ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [البقرة: 27]  كما لو أن غيرهم ليس خاسرًا، والسبب أن الناس بينهم وبين الله عز وجل عهد وميثاق، يجب على الناس أن يلتزموا بما عاهدوا الله عليه. وهذا لا يتم إلا إذا تفقه الإنسان في دينه، فعرف ما له وما عليه، وما هي الواجبات التي أُنيطت به، وبعد ذلك يبحث ويطلب ويطالب ويتعرف على الحقوق التي كفلها الله عز وجل له، وهي مكفولة ومحفوظة.

ويقول عز وجل في سورة القصص: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: 83] أي العاقبة الحسنة، كل الناس لهم عاقبة، لكن العاقبة الحسنة للمتقين، أما العاقبة السيئة فلفريق غير المتقين، وهم المفسدون.

وفي سورة النحل يقول عز وجل: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ﴾ [النحل: 88]. الكفر مستوى عالٍ من مستويات الفساد، وقد يظن الناس أن الكفر شأن بين الكافر وربه، لكن الحقيقة أن الكافر لا بد أن يعتدي على نفسه وعلى الآخرين، من حيث يشعر ومن حيث لا يشعر. بوعي أو دون وعي. لأن الفاسد إذا مارس الفساد حتى في حق نفسه ويلحق الضرر بالآخرين من حيث ينتبه، ومن حيث لا ينتبه.

﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ .. ﴾ لم يكتفوا بالكفر، يعني لم يصدوا في أنفسهم، بل صدوا الآخرين عن سبيل الله. ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ﴾، بسبب فسادهم وإفسادهم، فالكلمة كلمة الكفر فساد. والدعوة إلى الكفر فساد وإفساد، لا يرضاه الله عز وجل ويعجل عقوبته.

كيف نكون صالحين؟

وأما كيف نكون صالحين مصلحين؟ أبعد ما نكون عن الفساد والمفسدين؟

فلذلك أدوات وأسباب ذكر الله عز وجل كثيرا منها في الآيات، وذكر رسول الله وآله عليه، وعليهم أفضل الصلاة والسلام في الروايات نقتصر على ذكر بعضها، كما جاءت في الكتاب الكريم، ولا نطيل.

أولاً: الإيمان والإحسان

مطلوب من الإنسان أن يؤمن بالله، وأن يصدق بما من عند الله عز وجل، ويترجم ذلك عملياً حتى يكون من المحسنين. يقول الله عز وجل ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء: 124].

النقير هو القشرة الضعيفة فوق نواة الرُّطب، وهو كناية عن الصغر. يعني أن الله عز وجل لن يسلب أحداً حقه ومستحقه، متى ما عمل بهذه الشروط: آمن وعمل الصالحات وهو في حال الإيمان لا فرق في ذلك بين أنثى وذكر ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء: 125].

كافأ الله عز وجل إبراهيم بخلته، ثم مدح وأثنى على من يكونون على ملّته. ولا يمكن للإنسان أن يكون على ملة إبراهيم إلا أن يسلم ويستسلم لله.

في زمن موسى، مؤمناً بموسى. وفي زمن عيسى، مؤمناً بموسى وعيسى. وفي زمن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، مؤمناً به، وبمن سبقه من الأنبياء ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ..﴾ [آل عمران: 19].

ويقول عز وجل في قصة لوط: ﴿وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الأنبياء: 74-75]. قومه الفاسقون الفاسدون المفسدون، أهلكهم الله عز وجل، ولما نأى بنفسه وأهل بيته عنهم، صار من الصالحين، فكافأه الله عز وجل بأن أنجاه في الدنيا، وسينجيه في الآخرة.

ثانياً: الاستعانة بالله

ولذلك الإمام عليه أفضل الصلاة والسلام، ماذا يقول؟ قال: واستصلح بقدرتك مني، لا يستغني الإنسان حتى في طلبه للأخلاق الحسنة، عن أن يستعين بالله، وأن يعينه الله عز وجل وفقا للقاعدة القرآنية المسلمة ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53].

  يقول الله عز وجل في سورة يونس: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ..﴾ [يونس: 100] حتى إيمانك وتسليمك لله عز وجل، لو لم يأذن به الله، ما كان لك أن تكون من المؤمنين.

وهذا يعني أن الله مهيمن على الإنسان، إلا إذا أخرج الإنسان نفسه من ولاية الله عز وجل، فإذا أخرج نفسه عن ولاية الله دخل في ولاية الشيطان، وهذه هي أهمية مكارم الأخلاق، ومرضي الأفعال.

الإنسان إذا سعى في طلب مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال، تولاه الله عز وجل ومن يتولاه الله ينجيه بلا شك.

ثالثاً: ممارسة الإيمان

منطق الفاسدين والمفسدين

ننتقل الآن للحديث عن منطق الفاسدين والمفسدين، وما يقابله من منطق الصالحين والمصلحين، لنختم بالحديث عن ولاية المؤمنين وهو الأسلوب الرابع.

لاحظوا الفاسدون، ماذا يريدون؟ هذا السبب أن الإيمان مطلوب منا أن نمارسه عملياً ليس شعاراً نرفعه ويقول: أنا مسلم وأنا مؤمن، لكنه في مقام العمل مع القريب والغريب. مع الولي، والعدو مع هذا وذاك، لا نجد الإيمان يترجم في أعماله.

مثل هذا الإنسان لا يمكن أن يكون قد نأى بنفسه عن الفساد والإفساد، ولا يمكن أن يكون صالحاً مصلحاً. لاحظ سلوك الفاسدين والفاسقين: المراوغة والتلبيس، لا يكون صريحاً لا مع نفسه ولا مع الآخرين. يقول الله عز وجل عن المنافقين: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ [البقرة: 11]. حتى المنافق لا يقبل، وأشد الناس إجراما، لا يقبل أن يوصف بأنه فاسد، لأنه يستقبح الفساد والإفساد، لذلك يلبس على الناس بألفاظ منمقة بعبارات جميلة يلبس نفسه لباسا ليس أهلا له.

العنوان الثاني الذي يمارسه هؤلاء في منطقهم هو الصلافة والوقاحة

لاحظوا ماذا يحكي الله عز وجل لنا في سورة البقرة أيضاً: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: 204-208] .

مطلوب منك أن تسلم لله، وتستسلم له بكل جوارحك في السر، في العلن، مع القريب، مع الغريب، مع من تحب، ومع من لا تحب، في جميع أحوالك، يجب أن تستسلم لله، فتكون بذلك قد دخلت في السلم، هذا منطق المؤمنين في مقابل منطق غيرهم.

منطق الصالحين المصلحين:

يقول عز وجل في سورة آل عمران: ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران: 114] هذا عنوان الصلاح، غير هذا، لا يمكن أن يكون صلاحاً.

العنوان الأخير: من أسباب النجاة من الفساد والدخول في دائرة الصلاح والإصلاح، تولي المؤمنين بعضهم ببعض.

القاعدة التي يبني الصالح المصلح، علاقاته في الآخرين معه هو الإيمان. المؤمن أقرب لك من قريبك غير المؤمن، وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما هاجر إلى المدينة آخ بين المؤمنين، بين المهاجرين والأنصار. حتى في أن في أول الأمر كان يرث الواحد منهم الآخر، حتى نزل تشريع الإرث، يقول عز وجل في سورة الأنفال: ﴿ ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا ..﴾ [يعني أولئك المهاجرون، وهؤلاء الأنصار] ﴿أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ [الأنفال: 72 73].

فتولي المؤمنين بعضهم ببعض، تولي المسلمين بعضهم ببعض، لا يمكن أن يبقى مؤمن ومسلم مستضعف تستطيع أن تنصره بكل ما تستطيع أن تنصره، ثم تتخلى عنه وتقول أنا من المؤمنين والمسلمين. لا، أنت تخرج من إيمانك وإسلامك بمقدار خذلانك لأخيك المؤمن، ولأخيك المسلم، وبمقدار ما يتولى الإنسان الكافر، والفاسق، والفاسد والمفسد، يكون منهم، حتى لو سمى نفسه من المؤمنين والمسلمين!

نسأل الله عز وجل أن نكون وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

اللهم صل على محمد وآل محمد.

اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة، وليا وحافظا، وقائدا وناصرا ودليلا وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا، وتمتعه فيها طويلا.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشفي مرضانا، وارحم موتانا، وأغني فقراءنا، وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا، ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضى يا كريم.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *