حديث الجمعة
أخر الأخبار

«ماذا يعني لنا عاشوراء؟!» يوم الجمعة 2 محرم 1445 هـ

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «ماذا يعني لنا عاشوراء؟!» يوم الجمعة 2 محرم 1445 هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

بسم اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيدِ الخلقِ وأشرفِ الأنبياءِ والمرسلين محمدٍ بنِ عبدِ اللهِ وعلى آلِهِ الطيبين الطاهرين.

ربِّ اشرح لي صدري، ويسِّر لي أمري، واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي.

اللهم اجعل أعمالَنا خالصةً لوجهِك الكريمِ.

***

عبادَ اللهِ! أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ؛ وإن من التقوى أن تعظَّمَ شعائرُ اللهِ وحرماتُهُ، فقد قال اللهُ تعالى ﴿.. ‌وَمَنْ ‌يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]، وقال ﴿‌وَمَنْ ‌يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ..﴾ [الحج: 30].

وسيكون حديثُنا في مسائلَ:

المسألة الأولى: ما معنى الشعائرِ، والحرماتِ؟

الشعائرَ جمع شعيرة، وتعني العلامةَ والمشيرَ. ومما عرِّفت به لدى الفقهاءِ أنها معالمُ الطاعاتِ والقُربِ، وأعلامُ الدينِ الظاهرةُ التي تختص به وتميزه من سائرِ الأديانِ.

وأما الحرماتُ، فجمعُ حرمةٍ، وهي ما يجب أو ينبغي أن يُحترم.

والسؤال هو: هل إن أهلَ البيتِ (عليهم السلام) وذكرَهم في مثلِ هذا الموسمِ خاصةً مصداقٌ لشعائرِ اللهِ وحرماتِهِ، حتى يقالَ إن تعظيمَهم يعدُّ امتثالاً لأمرِ اللهِ تعالى في كتابِهِ المجيدِ؟ 

الجواب: نكِل ذلك إلى ما قرره واحدٌ من كبارِ علماءِ إخوانِنا السنةِ، ومن أهمِّ شراح صحيح مسلم، وهو الإمامُ النوويُّ، الذي عقَد في كتابِهِ (رياض الصالحين) باباً بعنوانِ (بابُ إكرامِ أهلِ بيتِ رَسُول اللهِ صلى اللهُ عليه [وآله] وسلم وبيانِ فضلِهم)، قال فيه قال اللهُ تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]، وقال تعالى {وَمَنْ يُعَظِّمْ ‌شَعَائِرَ ‌اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]”.

فقد سلَّم هذا العالمُ بطهارةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) أولاً، وقال حيث استدل بالآيةِ بأنهم شعائرُ اللهِ، وإذا تنزلنا قلنا إنه جعل ذكرَهم من شعائرِ اللهِ ثانياً.

وحتى لا يُظنَّ أننا توهمنا في تفسيرِ كلامِهِ، فنلقرأ ما قاله في أوائلِ كتابِهِ (المجموع شرح المهذب)، قال:

فصلٌ في النهيِ الأكيدِ والوعيدِ الشديدِ لِمن يؤذي أو ينتقصُ الفقهاءَ والمتفقهين، والحثِّ على إكرامِهم وتعظيمِ حرماتِهم.

قال اللهُ تعالى {وَمَنْ يُعَظِّمْ ‌شَعَائِرَ ‌اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].

وقال تعالى ﴿‌وَمَنْ ‌يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ..﴾ [الحج: 30].

وقال تعالى ﴿‌وَاخْفِضْ ‌جَنَاحَكَ ‌لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الحجر: 88].

وقال تعالى ﴿وَالَّذِينَ ‌يُؤْذُونَ ‌الْمُؤْمِنِينَ ‌وَالْمُؤْمِنَاتِ ‌بِغَيْرِ ‌مَا ‌اكْتَسَبُوا ‌فَقَدِ ‌احْتَمَلُوا ‌بُهْتَانًا ‌وَإِثْمًا ‌مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58].

[إلى أن قال]:

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: من آذى فقيهاً فقد آذى رسولَ اللهِ ومَن آذى رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه [وآله] وسلم فقد آذى اللهَ تعالى عزَّ وجلَّ انتهى كلامه.

فإذا كان هذا هو كلامَهُ في عمومِ الفقهاءِ والمتفقهين، فكيف بأهلِ البيتِ الذين لا يُقاس بهم أحدٌ، والذين منهم الحسين بن عليٍّ سيدُ شبابِ أهل الجنةِ كما وصفه بذلك رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

المسألة الثانية: إن استذكارَ عاشوراءَ وما جرى فيها ليس تسلياً بحادثةٍ تاريخيةٍ لا أهميةَ لها، وإنما هو في جانبٍ منه إقرارٌ وتأكيدٌ لنبوةِ نبيِّنا محمدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لأن ذلك معدودٌ من دلائلِ نبوتِهِ.

ولك أن تسألَ، وتقول: ما الدليلُ على ذلك؟!

الجواب: لا بأس بإيرادِ بعضِ الشواهدِ على ذلك؛ مما رواه عددٌ من العلماءِ من غيرِ أتباعِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام)، لتكونَ الحجةُ ألزمَ، والبيانُ أتمَّ.

الشاهد الأول: ما أخرجه أحمدُ، واللفظُ له، وأبو نعيم (المتوفى سنة 430هـ) في كتابه (دلائل النبوة)، في سياقِ تعدادِهِ أعلامَ النبوة، مسنداً:

عن أنسٍ بنِ مالكٍ، قال: عن أنس قال: ‌ استأذن ملكُ المطرِ أن يأتيَ النبيَّ صلى اللهُ عليه [وآله] وسلم فأُذِن له. فقال لأمِّ سلمةَ: احفظي علينا البابَ، لا يدخلُ أحدٌ. فجاء الحسينُ بنُ عليٍّ، فوثب حتى دخل، فجعل يصعد على منكبِ النبيِّ صلى اللهُ عليه [وآله] وسلم، فقال له الملكُ: أتحبه؟! قال النبيُّ صلى اللهُ عليه [وآله] وسلم: نعم! قال: فإن أمتَك تقتلُهُ، وإن شئتَ أريتُك المكانَ الذي يُقتل فيه. قال: فضرب بيدِهِ، فأراه تراباً أحمرَ، فأخذت أمُّ سلمةَ ذلك الترابَ، فصرَّته في طرفِ ثوبِها.

قال: فكنا نسمع يُقتل بكربلاءَ.

الشاهد الثاني: قال الماورديُّ (المتوفى سنة 450هـ)، في كتاب (أعلام النبوة) في سياقِ تعدادِهِ ما يدل على نبوةِ نبيِّنا (صلى الله عليه وآله وسلم) من إنذارِات النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ما رواه عن عائشةَ، قالت:

دخل الحسينُ بنُ عليٍّ رضي اللهُ تعالى عنهما على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه [وآله] وسلم وهو يوحَى إليه فبرك على ظهرِهِ، وهو منكبٌّ، ولعب على ظهرِهِ، فقال جبريلُ: يا محمدُ! إن أمتَك ستفتَنُ بعدك، ويُقتَل ابنُك هذا من بعدك، ومدَّ يدَهُ فأتاه بتربةٍ بيضاءَ، وقال: في هذه الأرضِ يُقتل ابنُك، اسمُها الطفُّ، فلما ذهب جبريلُ خرج رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه [وآله] وسلم إلى أصحابِهِ والتربةُ في يدِهِ، وفيهم أبو بكرٍ وعمرُ وعليٌّ وحذيفةُ وعمارٌ وأبو ذرٍّ، وهو يبكي! فقالوا: ما يبكيك يا رسولَ اللهِ؟! فقال: أخبرني جبريلُ أن ابني الحسينَ يُقتل بعدي بأرضِ الطفِّ وجاءني بهذه التربةِ فأخبرني أن فيها مضجعَهُ.

الشاهد الثالث: قال البيهقي (المتوفى سنة 458هـ)، في كتابِهِ (دلائل النبوة) للبيهقي، في ‌‌باب ما روي في إخباره بقتل ابنِ ابنتِهِ أبي عبدِ اللهِ الحسينِ بنِ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ رضي اللهُ عنه، فكان كما أخبر [صلى الله عليه وسلم]، وما ظهر عند ذلك من الكراماتِ التي هي دالةٌ على صحةِ نبوةِ جدِّهِ عليه السلام، وذلك بسنده عن عبدِ اللهِ بنِ وهبٍ بنِ زمعةَ، قال:

أخبرتني أمُّ سلمةَ أن رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه [وآله] وسلم اضطجع ذاتَ يومٍ للنومِ، فاستيقظ وهو حائرٌ، ثم اضطجع فرقَد، ثم استيقظ وهو حائرٌ، دون ما رأيتُ منه في المرةِ الأولى، ثم اضطجع واستيقظ وفي يدِهِ تربةٌ حمراءُ يقلِّبها! فقلت: ما هذه التربةُ يا رسولَ اللهِ؟! قال: أخبرني جبريلُ عليه السلام أن هذا يُقتل بأرضِ العراقِ للحسينِ فقلت: يا جبريلُ أرني تربةَ الأرضِ التي يُقتل بها فهذه تربتُها.

الشاهدُ الرابع: ما أخرجه ابنُ سعدٍ (المتوفى سنة 230هـ)، بسندِهِ، عن عائشةَ، قالت: بينا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه [وآله] وسلم راقدٌ، إذ جاء الحسينُ يحبو إليه فَنَحّيتُهُ عنه، ثم قمتُ لبعضِ أمري، فدنا منه، فاستيقظ يبكي، فقلت: ما يبكيك؟! قال: إن جبريلَ أراني التربةَ التي يُقتَل عليها الحسينُ، ‌فاشتد ‌غضبُ ‌اللهِ ‌على ‌مَن ‌يسفكُ ‌دمَهُ، وبسط يدَهُ فإذا فيها قبضةٌ من بطحاءَ. فقال: يا عائشةُ والذي نفسي بيدِهِ، إنه ليَحْزنني، فمَن هذا من أمتي يَقتل حسيناً بعدي؟!”.

فهذه أربعةُ أحاديثَ من جملةِ أحاديثَ، في وقائعَ متعددةٍ، ومشاهدَ مختلفةٍ، يخبر فيها النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمرٍ غيبيٍّ لا يتاح لغيرِ مَن يحيطه اللهُ علماً بذلك؛ من الرسلِ والأنبياءِ؛ ممن يوحى إليهم.

وما روي في هذا البابِ من أحاديثَ طوائفُ، ففي بعضِها أنبأ النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن شهادةِ الحسينِ (عليه السلام) عند ولادتِهِ، وفي بعضِها بعد سنةٍ من مولدِهِ، وفي بعضِها بعد سنتين، وفي بعضِها قبيل وفاتِهِ، وفي بعضِها أنبأ ابنتَهُ فاطمةَ (عليها السلام)، وفي بعضِها أمَّ سلمةَ، وفي بعضِها عائشةَ، وفي بعضِها زينبَ بنتَ جحشٍ، وأنبأ في بعضِها بتاريخِ شهادتِهِ، وفي بعضِها بمكانها، وأنه العراقُ تارةً، وكربلاءُ أخرى، والطفُّ ثالثةً، وبابلُ رابعةً، وشاطئُ الفراتِ خامسةً. وفي بعضِها دعوة الأمةِ إلى نصرته، وفي بعضِها الإنباءُ بمواصفاتِ قاتلِهِ وأنه شرُّ الأمةِ، أو أنه دعيٌّ ابنُ دعيٍّ، أو أنه رجلٌ يثلم الدينَ، أو أنه رجلٌ من بني أميةَ يقال له يزيدُ، وفي بعضِها الدعوةُ على القاتلِ بنفيِ البركةِ عنه، وفي بعضِها الدعاءُ بالويلِ لِمن قتله، وفي بعضِها الإنباءُ بكيفيةِ شهادتِهِ، وفي بعضِها الإنباءُ بمزارِهِ وزوارِهِ، إلى غيرِ ذلك من أخبارٍ.

فالإخبارُ عن واقعةِ عاشوراءَ قبل وقوعِها بعقودٍ من الزمنِ هو من أعلامِ النبوةِ ودلائلِها، فلا عجبِ إذن من إحيائِها، والحياةِ بها، لمن كان يعتقد بمحمدٍ بنِ عبدِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) رسولاً من اللهِ وخاتماً للنبيين، بل العجبُ ممن لا يفعل ذلك، ناهيك عمن ينكره أو ينكر عليه!

المسألة الثالثة: إن إحياءَ عاشوراءَ هو تعظيمٌ لشعيرةٍ من شعائرِ اللهِ؛ من حيث إن فيه إعلاناً للشعائرِ، وتعظيماً لها، ورسولُ اللهِ وآلُهُ الطاهرون (عليهم السلام) هم من أعظمِ الشعائرِ، وإعلانُ محبتِهم، وإظهارُ مواساتِهم في مصائبِهم، يحقق مصداقاً لقاعدةٍ فقهيةٍ تقول: مبنى الشعائرِ على الإشهارِ والإظهارِ دون الإخفاءِ.

المسألة الرابعةُ: أن في ذكرِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) وإحياءِ عاشوراءَ مواساةً لرسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي حزن على مقتلِ سبطِهِ وحبيبِهِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام)، وكما أن فيه تناغماً مع اللهِ تعالى الذي اشتد غضبُهُ على مَن يقتل الإمامَ الحسينَ (عليه السلام)، كما جاء النصُّ على ذلك في الشاهدِ الرابعِ الذي رواه ابنُ سعدٍ عن عائشةَ.

لهذا كلِّهِ، ولأسبابٍ أخرى كثيرةٍ، فإن عاشوراءَ تعني لنا الكثيرَ والكثيرَ، فهي الشعيرةُ الواجبُ تعظيمُها، وهي الشعارُ اللازمُ رفعُهُ، وهي الشعورُ الذي لا مناصَ من التعبيرِ عنه، ففي عاشوراءَ إعلانُ الحبِّ للإمامِ الحسينِ (عليه السلام) الذي مَن أحب اللهَ أحبه، ومَن أحبه أحبه اللهُ، كما روي ذلك عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال حسينٌ مني وأنا من حسينٍ، أحب اللهُ مَن أحب حسيناً، حسينٌ ‌سبطٌ ‌من ‌الأسباطِ.

جعلنا اللهُ وإياكم من المحبين للهِ تعالى بحبِّ الحسين (عليه السلام)، ونسأله أن نكونَ ممن يستمعون القولَ فيتبعون أحسنَهُ.

والسلام على الحسين، وعلى عليٍّ بن الحسين، وعلى أولادِ الحسين، وعلى أصحابِ الحسينِ، وعلى الملائكةِ الحافين بقبرِهِ، والمستغفرين لزوارِهِ.

***

اللهم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ.

اللهم كن لوليك الحجةِ بنِ الحسنِ، في هذه الساعةِ، وفي كلِّ ساعةٍ، وليّاً، وحافظاً، وقائداً، وناصراً، ودليلاً، وعيناً؛ حتى تسكنَهُ أرضَك طوعا، وتمتعَهُ فيها طويلاً.

اللهم انصر الإسلامَ والمسلمين، واخذل الكفارَ والمنافقين.

اللهم مَن أرادنا بسوءٍ فأرده، ومَن كادنا فكِده.

اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وأغنِ فقراءَنا، وأصلِح ما فسَد من أمرِ دينِنا ودنيانا، ولا تُخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا، يا كريمُ.

وصلى اللهُ على سيدِنا ونبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِهِ الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *