حديث الجمعة

«زينة المتقين – 9 – أفضل اليقين (2)» يوم الجمعة 17 ذي الحجة 1446 هـ

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «زينة المتقين – 9 – أفضل اليقين (2)» يوم الجمعة 17 ذي الحجة 1446 هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.

اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

وأتقدم إليكم وإلى عموم المؤمنين بالتهنئة الحارة بمناسبة ذكرى عيد الغدير الأغر، سائلين الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام، وهو القائل  فيما يروى عنه واشتهر -: لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً().

حديثنا كان عن اليقين، حيث أن الإمام السجاد عليه السلام يقول في دعائه واجعل يقيني أفضل اليقين.

***

ما أحوج الإنسان إلى أن يكون من أهل اليقين في بعدين اثنين: في بعده الذاتي النفسي والعقلي، أن لا يكون مضطربا، ولا يكون متشككا فيما تبناه من خيارات دينية، وإيمانية، وحياتية. فالإنسان المضطرب حتى في الحياة الاعتيادية  لا يستطيع أن يأخذ قرارا، لأنه لا يعرف إن كانت مصلحته في أن يتخذ القرار الفلاني أو ضده، في أن يتخلى عن الشيء الفلاني أو عن ضده.

إذا كان يعيش حالة من الاضطراب والارتياب، [فإنه] لا يستطيع أن ينجز. فالإنسان لا يمكن أن يحقق نتائج مرجوة ومأمولة، إلا أن تكون خياراته واضحة. والخيارات الواضحة ترتبط ارتباطا عضويا ووثيقا بحالة اليقين.

لذلك، فإن الإمام عليه أفضل الصلاة والسلام حينما يقول: واجعل يقيني أفضل اليقين، يعني انبذ مني، وارفع عنه، وادفع عني حالة الارتياب والشك.

وإنما مدح الله عز وجل الناس إذا كانوا في حالة الإطمئنان، حيث يقول ﴿يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾ [الفجر: 27-28]. فنيل الرضا والرضوان من الله سبحانه وتعالى يتوقف على الاطمئنان، والاطمئنان مربوط باليقين؛ لأن الإنسان لا يكون مطمئنا إلا أن يكون من أهل اليقين.

واليقين مراتب.

الجهة الثانية، التي لا بد للإنسان أن يكون على يقين منها: متعلق اليقين، أي مادة يقينه.

لأن الصالحين متيقنون من صلاحهم، والطالحون متيقنون من فسقهم وفجورهم وكفرهم وعدوانهم. لذلك، نجد أن هناك جبهتين متضادتين: هذا يحارب من أجل شيء، وذاك يحارب من أجل شيء آخر، هذا يصر على مطالبه التي يتيقن منها وإن كانت خاطئة ، والآخر يصر على مطالبه؛ لكنه يرى أنها مصيبة، والآخر يراها صائبة.

لذلك فإن الله عز وجل حينما يصف القرآن الكريم يصفوه بماذا؟ يقول: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: 2]. يعني أن هذا ما ينبغي أن يتعلق يقينك به، فإذا أردت أن تكون على يقين، فكن على مثل هذا في اليقين.

التعاليم الإسلامية، حينما تؤكد على ضرورة ولزوم الإيمان بالقرآن الكريم وما جاء من الوحي، فإن ذلك لأنه بينات، ولأنه آيات. وهذه الآيات والبينات تضمنت سلسلة من التعاليم تنظم حياة الفرد والمجتمع والإنسان في العالم الدنيا، وتؤسس لمصير حسن في الآخرة.

وهذا يتوقف على أن يكون الإنسان على يقين منها. أما إذا لم يكن على يقين منها، فإنه سيؤمن بها اليوم، ويكفر بها غدا، وسيؤمن بها في حال الرخاء، ويتخلى عنها في حال الشدة! وهذا حصل حتى في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الذين دخلوا معه في معركة أحد، كان هناك فريقان: المنافقون الذين تخلوا عنه في الطريق، المؤمنون والذين يفترض أن يكونوا على يقين دخلوا معه في المعركة، لكن حصل في المعركة انتكاسة، ففر من فر.

من الذي فر؟

الذين افتقدوا اليقين.

من الذي ثبت مع النبي؟

هم الذين كانوا على يقين مما كانوا فيه.

لذلك، يقول الله سبحانه وتعالى في سورة النمل: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ [النمل: 79].

إذا كان الإنسان على حق مبين، لا ينبغي له إلا أن يتوكل على الله سبحانه وتعالى، والتوكل على الله يعني أن يفوض الإنسان أمره إلى الله. فإذا قال الحق سبحانه وتعالى: ﴿.. وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ..﴾ [آل عمران: 126]، أو قال: ﴿.. إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7]، في مثل هذه الحالة، القلة أو الكثرة، لا تدخل في معادلة المؤمن.

المؤمن ما دام على يقين من ربه، يقدِم على ما أمره الله عز وجل به، سواء كانت النتائج في ظاهرها لمصلحته، أو ليست في مصلحته؛ لأن النتائج الظاهرة هذه مكاسب وقتية، وقد لا يكون من مصلحته أن ينتصر اليوم، وقد يكون من مصلحته أن يُغلب هذا اليوم، حتى يفوز بإحدى الحسنيين: الشهادة، ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ ..﴾ [الصف: 13].

النصر في حالات المعركة ليس مطلوبا دائما، فالله سبحانه وتعالى يقول إن هذا مطلب ينفعكم في الدنيا، أما في الآخرة، فإنما ينفعكم رضا الله ورضوانه وهذا قد تصلون إليه ليس بالإنتصار، وإنما بالشهادة بين يدي الله عز وجل.

لذلك، إذا كان المؤمن على الحق المبين، لا ينبغي له إلا أن يتوكل على الله. وفي آية أخرى يقول تعالى: ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى: 17].

الإنسان المتيقن من أن القرآن الكريم من عند الله عز وجل، وأنه لا ريب فيه، ولا اختلاف فيه، ولا تخلف في مضامينه، لا يمكن أن يساوم بين الدنيا والآخرة؛ فالدنيا لا يمكن أن تزاحم في ميزان المؤمن ومعادلاته آخرته، لأن الآخرة خير وأبقى.

الآخرة، التي هي خير، والتي هي أبقى، لا يمكن أن تنافسها الدنيا التي ليست هي الخير، هي متاع قليل، ولا يمكن أن تنافسها الدنيا التي ليست أبقى. الإنسان بطبيعته يبحث عما هو باق.

كذلك، الله عز وجل يقول في آية أخرى: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: 58]. الإنسان المؤمن، المتيقن على ما هو عليه، لا يساوم؛ طلبا من أجل مال هنا أو مكاسب هناك، وإنما يطلب الحق دائما، سواء كان في مصلحته الظاهرة أو ليس كذلك. لا يطلب رزقا بالحرام، لأن يقينه يمنعه عن أن يطلب هذا المال إلا من وجهه الصحيح.

يقول عز وجل وهو يحكي لنا ما جرى بين بني إسرائيل وموسى عليه السلام: لما خرج موسى ومن معه من مصر باتجاه فلسطين، رأوا جنود فرعون خلفهم. الجماعة شككوا، مع أنه ما كان ينبغي لهم أن يشككوا فيما قاله لهم نبيهم موسى، الذي يحكي لهم وعد الله عز وجل.

فيقول عز وجل: ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ ..﴾ [الشعراء: 61] هؤلاء فارون خارجون، وأولئك يلحقونهم، يعني أصبح يشاهد بعضهم بعضا، ﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾.

قالوها بلغة واثقة، إن الأمر مكشوف، وبالتالي أدركنا فرعون وجنده!

بماذا أجابهم موسى عليه السلام؟

﴿قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: 62]. ما دام أن الله عز وجل هو الذي أمرني بالخروج، وهو الذي وعدني بأني سأنجو ومن معي، لا يمكن لفرعون مهما كانت قوته ظاهرة أن يغلب ما أمر الله عز وجل موسى أن ينجزه، لأنه سيحقق النتيجة الموعودة.

وكذلك يخبرنا الله عز وجل ما جرى مع النصارى، الذين توهموا أن عيسى عليه السلام قتل، وأن اليهود حرضوا عليه الرومان فقتلوا، يقول عز وجل: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ﴾ [النساء: 157]. هذه آفتهم، حالة الشك التي اضطربت، أو التي اعتورتهم جعلتهم في حالة من القلق، فتبدل موقفهم الصائب إلى موقف خاطئ ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾ [النساء: 157].

الله سبحانه وتعالى يخبر بأن عيسى لم يقتل، لكن الذين يصنفون أنفسهم كمؤمنين بعيسى لم يصدقوا هذا الإخبار الإلهي، ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 158].

لذلك، النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في آيات كثيرة، في معركة تبوك، لم يأسف على أن هناك جماعة من المنافقين تخلفوا عنه، والآيات كثيرة لا يتيسر لي قراءتها في سورة التوبة.

نشير الآن إلى بعض ما جاء في الأحاديث الشريفة عن أثر اليقين، إذا كان اليقين بهذه الدرجة من الأهمية، فلماذا يلح الإمام السجاد عليه السلام، ويلقننا أن نلح في طلب ذلك من الله عز وجل، فيقول: واجعل يقيني أفضل اليقين().

لأن الإنسان لا يستطيع أن يكتشف إيمانه الصادق إلا في حالات الشدة.

في حالات الرخاء، أمر اليقين أمر سهل، الكل يرفع الشعار. لكن في حالات الاضطراب، في حالات الشدة، في حالات اقتراب الموت، يمكن للإنسان أن يعترض عليه مثل هذا المعنى.

الشيخ الكليني (رحمه الله) بسنده عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام أي الصادق يقول: إن العمل القليل الدائم على اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين().

الله سبحانه وتعالى في القرآن، ماذا يقول؟

﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ..﴾ [هود: 7]، وفي موضع آخر: ﴿.. أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ..﴾ [الكهف: 7].

كيف يكون العمل حسناً، بل أحسن؟

أن يكون الإنسان على يقين، نوم في يقين خير من عبادة في شك.

كذلك يروى أيضا بسنده عن صفوان الجمال قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا ..﴾ [الكهف: 82]، قال : أما إنه ما كان ذهبا ولا فضة().

هذا ما يخطر في بال الناس، حينما يسمعون مفردة هي التي يسود استعمالهم إياها فيه. يغلب عليهم الكنز، يظنون أنه الذهب والفضة وما أشبه.

فقال : أما إنه ما كان ذهباً ولا فضةً وإنما كان أربع كلمات، لا إله إلا أنا، من أيقن بالموت، لم يضحك سنه(). يعني لم يشتغل في حياته بالله، هو اللعب والترف والرفاهية، غافلا عن أن هناك آخرة سيحاسب اللهُ عز وجل الناسَ فيها على ما قدموا، إن حسنا، بالحسن؛ وإن سيئا كوفئوا بالسيء. والغالب للأسف الشديد على أن الناس يعملون السيئة أكثر مما يعملون الحسن، فإذا كان الواقع هو هذا، ما ينبغي للإنسان أن يشتغل بالضحك!

الإسلام لا ينهى الإنسان عن أن يضحك ويرتاح، لكن أن يكون شغله الشاغل، هذا هو المعيب.

قال من أيقن بالموت لم يضحك سنه ، ومن أيقن بالحساب لم يفرح قلبه ، ومن أيقن بالقدر لم يخش إلا الله().

إذا علم الإنسان أن هناك سننا لله عز وجل ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ ..﴾ [التوبة: 51]، [فإن] خوف الإنسان وحرصه لا يقدم أجلا ولا يؤخر أجلا. امتثاله أمر الله عز وجل لا يسلب منه رزقا، ولا يقدم له أجلا. أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وفقا للضوابط الشرعية لا يقرب أجلا، ولا يزيح عنه رزقا.

في مثل هذه الحالة، الإنسان المؤمن لا فرق عنده بين الرخاء والشدة، بين الحرب والسلم، بين المرض والصحة، حالة من الاستقرار والاطمئنان: ﴿.. أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].

وفي الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يذكر فيها علامات وأثر اليقين، حتى نتبين أهمية اليقين، وكيف نصنعه: قال أما علامة الموقن فستة: أيقن بالله حقا فآمن() في الحياة، كل شيء فيه حق وباطل، صواب وخطأ. الحق هو ما ينبغي أن نميل إليه، والصوابُ منه.

من أيقن بالله حقا فآمن به، يعني: أحق الحق هو الله عز وجل. يمكن لك أن تشك في كل شيء، لكن لا ينبغي للإنسان أن يشك في الله عز وجل: ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [إبراهيم: 10]. هذا ما يخاطب الله عز وجل به الناس، هذا إذا كان الله عز وجل حاضرا في وجود الإنسان.

أيقن بالله حقا، فآمن به، وأيقن بأن الموت حق، فحذره() وضعف حسبانه الموت، والموت هو الذي يقطع أمل الإنسان وعمله. فإذا كان هناك موت، لا بد أنه سيأتي، ولا بد أنه سيأتي دون علم من الإنسان. متى توقيته.

ما الذي سيفعله الإنسان؟

سيكون على حذر دائم، وعلى يقظة دائمة، فلا يقدم إلا على ما يراه حقا وصوابا، وسيمتنع امتناعا تاما عن كل ما من شأنه أن يزيحه عن جادة الصواب.

وأيقن بأن البعث حق، فخاف الفضيحة(). في يوم القيامة يحاسب الله عز وجل الناس، فتتبين سرائرهم ليبدو حال الإنسان بين القاصي والداني. الإنسان الحريص على مصلحته، وعلى سمعته، وعلى مقامه وشأنه، لا يقدم على ما من شأنه أن يفضحه! الناس كلهم في عالم الدنيا لا يحبون الفضيحة، في الآخرة الفضيحة أشد، والخزي فيها أشنع، ما الذي يدفع الإنسان ويجعله في حالة الفضيحة والخيز؟ ارتكابه المنكر؟ وقوعه في السيئة مخالفته ولله عز وجل.

وأيقن بأن الجنة حق، فاشتاق إليها() مثل ما يحرص على ترك ما يوجب الفضيحة والخزي يحرص على ما يجلب له النفع والخير والسعادة.

وأيقن بأن النار حق، فظاهر سعيه للنجاة منها(). حرصه على أن ينجو من النار، ليس حرصا خفيا، بل حرصا ظاهرا، حرصا بينا، يبدو في كل تصرف من تصرفاته، الظاهرة والباطنة، الصغيرة والكبيرة، السرية والعلنية، الفردية والعامة، وهكذا.

وأيقن بأن الحساب حق، فحاسب نفسه().

هذا ما ينتجه اليقين إذا تحقق في حال الإنسان.

كيف يستجلب الإنسان اليقين في نفسه؟

الإمام عليه أفضل الصلاة والسلام، يرسم لنا خارطة، أكتفي بقراءة ما ورد عنه صلوات الله وسلامه عليه. في كيف يسعى الإنسان؟ وما هي الأبواب والطرق، والوسائل، والأدوات والمناهج التي تنتج في الإنسان اليقين؟

عن ابن محبوب ، عن يعقوب السراج ، عن جابر ، عن أبي جعفر  (عليه السلام) قال : سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الايمان ، فقال : إن الله عز وجل جعل الإيمان على أربع دعائم : على الصبر واليقين والعدل والجهاد().

هذه دعائمه، تحدثنا عن بعض العوامل في خطب سابقة.

قال: واليقين على أربع شعب: تبصرة الفطنة، وتأول الحكمة، ومعرفة العبرة، وسنة الأولين(). يعني القراءة السطحية للأشياء، التعامل مع الأمور بسذاجة وببساطة، وكأن لا يوجد هناك تاريخ يُعرف فيه المحق والمبطل، وتُعرف فيه سنن الله عز وجل، ومن يَغلب فيها، ومن يُغلب! مثل هذا الإنسان لا يمكن أن يحصل على اليقين. لكن لو قرأ بتبصر بينات الله وآياته، وما سرده لنا من سنن ومواعظ ينتج لنا اليقينَ.

فيقول عليه السلام: فمن أبصر الفطنة عرف الحكمة، ومن تأول الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة عرف السنة(). هذا سلم، الدرجة الأولى تنتهي بنا إلى الثانية، والثانية تنتقل بنا إلى الثالثة، والثالثة تنتهي بنا إلى الرابعة، فندرك معها سنن الله عز وجل. وسنن الله يعني قوانينه التي لا تختلف ولا تتخلف!

ألم يقل الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: 105]؟!

العباد الصالحون، لا يقفون عند حادث هنا، وحادثة هناك! لا يرتاب في أن الله عز وجل، لقد وعد المؤمنين بالنصر. لكن هو لم يعدني أنا شخصيا، ولا أنت شخصيا، هو وعد مسيرة الإيمان ومسيرة المؤمنين، وليس مهما أن أحقق النتيجة أنا أو أنت. إنما يحققها أهل الصلاح وأنت واحد من هذا الموكب، لا فرق بين أن يكون الإنسان في زمن نوح واتبعه، أو في زمن إبراهيم واتبعه، أو في زمن موسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) واتبعهم، أو أن يأتي في أزمان لاحقة.

ثم يقول عليه السلام: ومن عرف العبرة عرف السنة ومن عرف السنة فكأنما كان مع الأولين واهتدى إلى التي هي أقوم ونظر إلى من نجى بما نجى ومن هلك بما هلك وإنما أهلك الله من أهلك بمعصيته وأنجى من أنجى بطاعته().

نسوق مثالا، ونختم.

عمار بن ياسر (رضوان الله عليه)، والذي شارك مع أمير المؤمنين عليه السلام في معركة صفين، وقد بلغ من العمر 94 سنة! سئل عن مدى يقينه في المعركة، فقال: سئل عن ما مدى يقينك وإيمانك بالمعركة التي أنت دخلت فيها، بماذا أجاب في ضمن كلام ؟!

قال: والذي نفسي بيده، لقد قاتلت بهذه الراية()، وقد كان يرتعش بكبر سنة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث مرات، وهذه الرابعة والذي نفسي بيده، لو ضربوا حتى بلغوا بنا سعفات هجر() يقول هذا الكلام في صفين إلى المنطقة، يعني لو يغلبون ويهزمون ظاهرا على مدى1500 كم.

يقول: لعرفت أن مصلحينا على الحق [أو أن صاحبنا على الحق]() ، وهم على الضلالة().

هذا ما يرويه أحمد والطبراني ورجال أحمد، رجال الصحيح، غير عبد الله بن سلمة، وهو ثقة.

هذا هو منطق أهل اليقين، نسأل الله عز وجل أن نكون وإياكم من أهل اليقين، وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون [القولَ]، فيتبعون أحسنه.

اللهم صل على محمد وآل محمد.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة، وفي كل ساعة، وليا وحافظا، وقائدا وناصرا، ودليلا وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا، وتمتعه فيها طويلا.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، وأغن فقرائنا، وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا، ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *