حديث الجمعة

«زينة المتقين (18) – الغنى بين الإيجاب والسلب» يوم الجمعة 27 ربيع الأول 1447 هـ

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «زينة المتقين (18) – الغنى بين الإيجاب والسلب» يوم الجمعة 27 ربيع الأول 1447 هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق وأشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين،

ربي اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.

اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم.

قال إمامنا السجاد عليه السلام في دعائه في طلب مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال: (وأغنني، وأوسع علي في رزقك، ولا تفتني بالنظر) أو (ولا تفتني بالبطَر)().

حديثنا في سلسلة عنوان (زينة المتقين) يتناول هذه الفقرة في ثلاث حلقات، نسأل الله عز وجل لنا ولكم التوفيق والسداد.

الغنى بين السلب والإيجاب

هل الغنى مطلوب أو مذموم؟ حسن أو قبيح؟ ضرورة أو مضر؟ كمال أو نقص؟

هناك لغة في بعض الجوانب، لكن هناك أمر يتفق عليه الناس جميعاً: حتى الذين يذمون الغنى أياً كان شكله وسنأتي على معناه الواسع فإن الناس يطلبونه، بل يسعون جاهدين في تحصيله.

والغنى يُعرَف بأنه الضدّ للاحتياج، وهو ليس مذموماً بالمطلق، بل حسن بالمطلق،  لا خلاف فيه؛ فإن الله عز وجل يصف نفسه في آية بقوله عز وجل: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ..﴾ [البقرة: 255]، الحياة نعمة، وكمال القيومية نعمة وكمال، ويصف نفسه في القرآن الكريم في عشرات المواضع بأنه (غني)، فلولا أن الغنى كمال لما وصف الله به نفسه.

فالغنى من حيث المبدأ هو حسن، لكن هناك إشكالات يقع فيها بعض الناس في تحويل الأولويات.

أي غنى المطلوب؟

وكيف يتعامل مع الغنى؟

وكيف نحصل الغنى؟

ما هي حسناته؟

وما الذي يترتب عليه من الأضرار؟

وما هي صنوف وأشكال الغنى المطلوب؟

فالغنى المادي مثلاً -: ماذا يقول الإمام السجاد عليه السلام في هذه الفقرة التي قرأناها: (وأغنني، وأوسع علي في رزقك). لولا أن الغنى مطلوب، لما سأله الإمام عليه السلام في سياق طلبه مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال.

كيف يصنف الغنى أنه من مكارم الأخلاق ومن مرضي الأفعال؟

في الحديث المعروف بجنود العقل والجهل، يُصنِّف الحديث الشريف الجنود للعقل؛ أي جانب الرشد والكمال في الإنسان، فيُعطى له أدوات وجنود. والجهل أي الجهالة والسخف يُعطى له أيضًا جنود.

فمما أُعطي العقل: الغنى، ويُقابله الفقر. والفقر آفة، يجر الإنسان إلى النار. لكن: أي فقر؟ هذا ما سنأتي على ذكره إن شاء الله.

يقول الإمام السجاد عليه السلام في ولا تجعل عيشي كدًّا كدًّا(). العيش الكدّ يعني: أن يشتغل الإنسان في طلب ما يؤمّن احتياجاته الغذائية والدوائية بشكل عسير. ليس هذا أمر محمودا بالتأكيد، وهذا أمر مذموم، وينبغي للإنسان أن يسأل الله عز وجل أن يعينه في رفع احتياجاته. فإذا رُفعت حاجاته صار غنيًا، وإذا لم تُرفع صُنِّف فقيرًا.

تعريف الغنى المادي في الشريعة

الغنى المادي في الشريعة يُعرَّف: كل إنسان يؤمّن مؤونة سنته بالفعل أو بالقوة، هذا من الأغنياء. يعني لا يحتاج أن يقترض من أحد، لا يحتاج أن يطلب عوناً من أحد، فإن هذا غني.

أما إذا احتاج أن يقترض لحاجاته، لأساسياته كل الكماليات لاحتياجاته الأساسية، يعني لا يستطيع أن يؤمن غذائه، لا يستطيع أن يؤمن دوائه، يحتاج أن يقترض من هذا وذاك، أو يستعين بهذا وذاك، أو أن يعينه هذا أو ذاك، هذا يصنف من الفقراء الذين يستحقون الزكاة الواجبة.

فوق ذلك الغنى مراتب، هناك من يؤمن حاجته على أساسية سنوية لا يحتاج إلى أحد، لكن لا يملك مؤونة سنتين، ولا مؤونة ثلاث سنين، ولا مؤونة أربع سنين، وإنما مؤونة السنة، هذا هو الغني في الحد الأدنى.

لكن هناك مراتب هناك من يؤمن مؤونة السنة والسنتين والثلاث والأربع وما شاء الله من الأموال، وما يطول، فهذا من أهل اليسار، من أهل الثراء، هذا مذموم، ليس مذموما بالمطلق كما سيتبين لنا.

لاحظوا ماذا يقول الإمام عليه أفضل الصلاة والسلام، وصن وجهي باليسار حتى تحفظ كرامة الإنسان، فلا يمد يده إلى أحد يحتاج، أن يكون موسراً واليسار أعلى من الغنى بمرتبة أو على أقل التقادير الغنى. فلو أن الإنسان احتاج إلى الآخرين سيبذل ماء وجهه بمقدار حاجته، قال ولا تبتذل وجهي بالإقتار يعني الفقر فاسترزق أهل رزقك بدل ما تسير أموري بشكل سليم أحتاج إلى هذا أو ذاك من الناس.

وأستعطي شرار خلقك قد يضطر الإنسان إلى أن يطلب ليس من الأخيار من الناس، وإنما تضطره الحاجة إلى أن يرجع إلى شرار الخلق، فيرده هذا أو يهينه ذاك. وقد يعطونه لكن بطريقة مذلة.

فأفتتن بحمد من أعطاني() من أعطاك الشيء الأدب والأخلاق أن تشكره يقول: لا يا ربي، لا أريد أن أحتاج إلى شر واحد من أشرار خلقك فيعطيني فأضطر إلى أن أشكر له إحسانه، وأن أحمده عليه وأبتلى بذنب من منعني ذاك الذي لم يعطني أبتلى بأن أذنبه. ولو بيني وبين نفسي وهو قد لا يستحق الذنب وأنت من دونهم ولي، والإعطاء والمنع الخير كله منك لذلك أسألك يا ربي أن تؤمن لي هذه الحاجات.

كيف نؤمن هذه الحاجات؟ سنأتي إن شاء الله على ذكره.

***

اليوم أقتصر على مجموعة من المحددات والمرتكزات الأساسية كمدخل للحديث.

أولاً: الدنيا دار بلاء وامتحان 

لا ينبغي لأحد أن يتصور أنه سيأتي إلى الدنيا ويخرج منها دون أن يُبتلى بشكل من أشكال الابتلاءات. وكل بلاء تقع فيه يجعلك فقيرًا في ذلك البلاء، لا مستغنيًا. هناك من يفتقر إلى الصحة، فيبتليه الله بالمرض. وهناك من يفتقر بالحاجة المادية، فيكون فقيرًا ولا يكون غنياً. هناك من يفتقر إلى العلم، وهو بأمّس الحاجة إلى العلم، فيكون جاهلاً، والجاهل فقير في حين أن الناس من الله عز وجل عليهم بالعلم والفقه يعرفون ما لهم وما عليهم هذا غني، هذه صنوف الغنى وأشكال الغنى كما سنأتي على ذكره.

يقول الله عز وجل عن هذه السنة: أن الدنيا لا يمكن للإنسان إلا أن يُبتلى بها.

طبعاً نحتاج إلى إدراك هذا المعنى، حتى إذا ما وقعنا بين خيارين خيار أن نكون أغنياء في العلم أو أغنياء في المال، فقراء في المال أو فقراء في العلم.

أي الغنى نقدمه فنطلبه؟ هل تطلب العلم على حساب المال؟ أو تطلب المال على حساب العلم أيضاً؟

هذه واحد من المحددات التي نحتاجها يحتاج الوازن. أنا بأمس الحاجة إلى هذا أو هذا، حاجتي مقدمة هنا أكثر، أو ذاك أكثر؟

يقول الله عز وجل: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [الملك: 2].

المرتكز الثاني: النعم المادية والمعنوية

كلاهما مادة امتحان، يعني الله عز وجل حينما جعل الدنيا مادة دار ابتلاء. يبتلينا، بماذا؟ أحياناً يبتليك بالوجدان، يعطيك، وأحيانا يبتليك بالحرمان. لذلك، الفقراء مبتلون، والأغنياء أيضاً مبتلون. الفقراء مبتلون بضرورة بذل الجهد والصبر. والأغنياء مبتلون بالإعطاء والإنفاق والزكاة. وقد يفشل هذا، وقد يفشل ذاك. كما قد ينجح هذا دون ذاك أو بالعكس.

مثال من قصة النبي سليمان

يقول الله عز وجل في قصة سليمان النبي ﴿ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ [النمل: 40].

هذا نوع من أنواع الغنى الذي منّ الله به على من أوتي علم الكتاب، فكان غنيًا به.

ذاك الجني عرض خدماته لسليمان، وكان غنياً يستطيع أن يجلب عرش ملكة سبأ قبل أن يقوم من مقامه، لكنه لم يكن بمقدار غنى هذا العالِم الذي قال: ﴿قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل: 40]. فحضر معناه أنه حضر أو أحضر هذا العرش.

المرتكز الثالث: الغنى والفقر بيد الله

الغنى والفقر يقعان في نطاق المشيئة الإلهية قد يطلب الإنسان الغنى مادياً أو معنوياً فلا يناله، يسعى في رفع الفقر عن نفسه فلا يتمكن، لأن لله عز وجل له حكمة في تصريف الأمور. وقد ورد في الحديث الشريف -: إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لكفر. وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيته لكفر().

فعليّ وعليك أن نبذل الجهد في طلب الغنى في كل المجالات، لكن علينا أن نتوقع أو أن نحتمل أن الله عز وجل قد لا يحقق لنا ما نرجوه لحكمة يعلمها وللطف خفي يعرفه ولا نعرفه.

لاحظوا ماذا يقول عز وجل في سورة الزخرف: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} المقصود بها النبوة {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 32]، يعني أن الله عز وجل ينفي عن الناس أن يكون أمر النبوة بيدهم حتى يقولوا ويتمنوا أن ينزل القرآن ﴿عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: 31] على خلاف ما أنزله الله عز وجل على رسوله ﴿.. اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ..﴾ [الأنعام: 124].

وكذلك الغنى المعيشة، هذه أسباب واحد من مظاهر الغنى الله عز وجل يقسم. فلا ينبغي للإنسان. لاحظوا ماذا يقول في صدر الدعاء: (ولا تفتني بالنظر) يعني لا تجعل عيني واسعة ألاحظ فلاناً وفلاناً فأقع في الحسد من حيث لا أشعر!

لعل الله عز وجل آتى هذا شيئا من المال فلم يوفق في حسن التعامل معه، صار شحيحاً، صار بخيلاً. ولا تتمنى أن تكون مثله، أن يكون لديك المال فتمتنع عن أداء ما يترتب على المال، فيحاسبك الله عز وجل عليه.

ولا شكّ أن الإنسان المحروم في يوم القيامة حسابه أقل من حساب غير المحرومين؛ فالمحروم لا مال عنده، وإذا كان الحساب على المال، فهو يفد على الله عز وجل وقد امتحنه بأن لا شيء عنده. فيقال له: عن مالك فيم أفنيته؟ ما كان عنده مال.

لكن العالم يُغفر للعالم أو للجاهل سبعون ذنبًا()، لأن حساب العالم يطول، وكذلك الأنبياء أيضًا حسابهم يطول من هذه الناحية. فالله عز وجل يسأل هؤلاء ويسأل هؤلاء. ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ..﴾ [الزخرف: 32]  الحياة لا تستقيم لو كل الناس أغنياء. ما تستقيم الحياة، لو كل الناس فقراء أيضاً. لا تستقيم الحياة، الحياة تحتاج إلى من يكون غنياً مادياً، وإلى آخرين يقومون بأعمال يترفع عنها هذا أو يتجنبها والعكس.

لذلك حاجة الغني إلى الفقير ليست أقل من حاجة الفقير إلى الغني سواء في النعم المادية والنعم المعنوية {.. لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا، وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32]. هذا التفضيل بين النعم المادية والمعنوية ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ [الزخرف: 33].

يعني إذا ظن الناس أن هذا الامتحان الذي يجدونه هذا فوق طاقتهم يقول الله عز وجل لولا لطفنا بكم لأعطينا أصحاب الثراء أضعاف ما نعطيهم الآن لكن لطفًا بكم وبهم قللنا من سبل العطاء.

المرتكز الرابع: الغنى المادي

الغنى المادي هو نعمة تنفعك في عالم الدنيا، لا تنفعك في عالم الآخرة إلا إذا وضعت في بالك ما سيأتي من المحددات أن الغنى وسيلة لا ينبغي أن نتعامل معه المادة كوسيلة. أما إذا تعاملنا معه ليس كوسيلة سينفعك في عالم الدنيا، لكن لن ينفعك إطلاقاً في عالم الآخر، بل قد يلحق الضرر لك إذا لم تفِ بالالتزامات الإلهية.

لاحظوا ماذا يقول عز وجل يقول في سورة الكهف: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ [الكهف: 46].

المرتكز الخامس: الغنى نسبي

ليس الغنى بمرتبة واحدة، ذكرنا إليه: هناك من يؤمن في المادة، هناك من يستطيع أن يؤمن حاجته المادية لسنة، وهناك من يؤمنها لسنوات طويلة. هذا عليه التزامات، وهذا عليه التزامات، وهذا له امتحانه، وذاك له امتحان آخر.

المرتكز السادس: غنى العصاة

غنى العصاة نقمة عليهم وليس نعمة، فينبغي للإنسان إذا كان عاصيًا لله عز وجل ألا يسأله الغنى؛ لأنه إن أغناه فسيكون الغنى نقمة عليه.

لاحظوا أصحاب الغنى والقوة عبر التاريخ:

فرعون كان غنياً أو فقيراً؟

كان غنياً.

أبو جهل كان غنياً أو فقيراً؟

كان غنياً.

وأمثالهم كثيرون لو كانوا فقراء، لكان حالهم أحسن، لكانوا أقرب إلى الله عز وجل. لكن أوتي هذا سلطة، والسلطة غنى. ذاك أوتي مالاً وجاهاً أيضاً، تحولت إلى نقمة عليه. في حين لو كان الإنسان مؤمناً، لكان الغنى نعمة عليه.

إذا كان يحمل فقهاً في الدين، لاحظوا ماذا يقول الله عز وجل: ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى﴾ [الليل: 8]، عند شيء من المال لكنه وقع في حالة البخل والشح يعني تحفظ على ماله فلم ينفقه في موارد الانفاق. {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 9 10]، هذا ستنتهي عاقبته إلى السوء والأذى لذلك ما كان عليه أن يفرح.

ثم يقول في سورة أخرى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق: 6-7] . يوقع كثيراً من الناس في الطغيان!

هذه المرأة الجميلة تتصور أن الله عز وجل فضلها على غيرها فتتبرج للأجانب ظناً منها أن هذا في مصلحتها!

في حين أن تلك المرأة التي لم تمتلك هذا الجمال تسترت!

هذه عملت بما أراده الله عز وجل منها، وتلك أساءة استعمال النعمة التي آتاها الله عز وجل إياها فغناها نفعها أو أضرها!

لا، أضرها!

في حين تلك لم تمتلك الجمال التي أوتيتا له الأخرى يعني أنها فقيرة لكنها لم تقع في معصية الله هذا نحو من أنحاء الطغيان.

ويقول عز وجل في سورة المؤمنون: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [المؤمنون: 55-56]. هؤلاء الذين يعصون الله عز وجل على مستوى الكفر به والتكذيب برسله، يمد الله عز وجل لهم فيطغون فيمد الله عز وجل لهم.

هل يظن هؤلاء أن هذا من كرامة الله عز وجل لهم؟ بالعكس هذا سيكون نقمة وبالاً عليهم في القريب العاجل أو في المدى الآجل.

المرتكز السابع والأخير

أن الغنى المادي يجب أن يتعامل معه على أنه وسيلة لا غاية. ينجح الذين يغنيهم الله عز وجل فيراعون هذا المرتكز، وهذا المبدأ.

لاحظوا ماذا يقول الإمام علي عليه أفضل الصلاة والسلام في كلام له ألقاه في البصرة، وقد دخل على العلاء بن زياد الحارثي وهو من أصحابه يعوده كان مريضا، فلما رأى سعت داره، قال: ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا) ما شاء الله دارك واسعة (أما وأنت أحوج إليها في الآخرة؟) يعني كلاكما سيفنى في هذه الدنيا. (بلى إن شئت بلغت بها الآخرة، تقري فيها الضيف) يعني إذا أردت أن تتجاوز الخطر في ساعة هذه الدار لأنك ما كنت بحاجة إلى هذه الدار الواسعة. فإذا أتاك الله دارا واسعة هناك استحقاقات يجب أن تعطيها لهذه الدار الواسعة.

(تقري فيها الضيف) كُن مضيافاً، استضف فيها من يستحقون أن يستضافوا (وتصل فيها الرحم، وتطلع منها الحقوق مطالعها فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة)() فإذا آتاك الله عز وجل مالاً هناك ضريبة لهذا المال، إذا لم تحسن استعمال هذا المال سيوقفك الله عز وجل ويحاسبك على الصغيرة والكبيرة. أذا كان عندك استعداد، تفضل اطلب إلى الله عز وجل الغنى.

علي بن إبراهيم صاحب التفسير يقول وذكر رجل عند أبي عبد الله عليه السلام أي الصادق الأغنياء ووقع فيهم هذا بعدهم رجال متشدد على الأغنياء وعنده لغة قاسية فقال أبو عبد الله عليه السلام اسكت! فإن الغني إذا كان وصولا لرحمه بارًّا بإخوانه أضعف الله له الأجر ضعفين لأن الله يقول: { ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ [سبأ: 37]”().

فأن يكون المؤمن غنيًّا ليس هذا معيبًا عليه، لكن يراعي إيمانه ويقوم بالعمل الصالح ﴿إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ [سبأ: 37].

فالغنى ليس مذموماً بالمطلق، لكن هناك مخاطر يجب أن يراعيها الأغنياء ماديا معنوياً. مثلما أن المطلوب من الغني المادي أن ينفق من ماله، العالم ليس له أن يغلق بيته ولا يبالي بالناس أنهم يحتاجون، أن يسألوه أو يرشد فيهم. مثلما أن ذاك الغني إذا لم ينفق من ماله ذم وعيب، كذلك هذا العالم الذي لا يقوم بوظيفته يلام ويذم ويعاب ويحاسب.

فالأول أغناه الله عز وجل بما آتاه من المال وهذا آتاه الله عز وجل من العلم، وذاك أوتي شيئا من الجاه، وذاك أوتي شيئا من المنطق. كل واحد من هؤلاء يستطيع أن ينفق مما آتاه الله عز وجل فيكون مؤمناً وعاملاً للصالحات. أما إذا دخل فسيقع في الطغيان، وسنأتي إن شاء الله على ذكر الآفات التي تترتب على الغنى، سواء كان مادياً أو كان معنوياً، وماذا يجب أن نطلب من الله عز وجل، أغنى الغنى ما هو، سنأتي على ذكره؛ استهداء بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله والأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام.

***

اللهم صل على محمد وآل محمد جعلنا الله وإياكم مما يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم صل على محمد وآل محمد.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين.

اللهم اشف مرضانا ورحم موتانا وأغن فقراءنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *