«الإيمان وضبط السلوك» – يوم الجمعة ٢ ربيع الثاني ١٤٤٤ هـ
نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «الإيمان وضبط السلوك» يوم الجمعة ٢ ربيع الثاني ١٤٤٤ هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
ربّ اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدةً من لساني يفقه قولي،
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، عنوان حديثنا سيكون «الإيمان وضبط السلوك»، وهذا العنوان يتكوّن من جهتين:
الجهة الأولى: الإيمان.
والجهة الثانية: ضبط السلوك.
تارةً نتحدث عن شخصٍ مؤمن ونبيّن له لوازم وآثار ومنافع أو مترتّبات الإيمان، فنقول أنّ منها ضبط السلوك، فليس هناك إيمان بلا أن تُضبط السلوك بواسطة هذا الإيمان. وأخرى نريد أن نلفت نظر شخصٍ يُرغب في أن يضبط سلوكه، فنخبره بأنّ ما يدعوك إلى ضبط السلوك هو الإيمان. فقد تخاطب هذا وقد تخاطب هذا، المدخل يختلف لكن المضمون هو واحد. ماذا يعني أن يكون الإيمان ضابطاً للسلوك؟ هناك مجموعة من المرتكزات والمنطلقات إذا وضعناها بعين الاعتبار يلزمنا أن ننتبه إلى هذه النقطة في الإيمان.
المرتكز الأول: هو أن الإنسان لا يعيش من دون هويّة، مثل ما أن أي أحد يعيش في بلد من البلد يحمل رقم مدني، سجل مدني، يميز به مواطني هذه الدولة عن غيرها. هل أنت تنتسب إليها؟ أنت مقيم فيها؟ أنت زائر لها؟ ويترتب على ذلك سلسلة من الالتزامات والحقوق. هناك حقوق للمواطنين والتزامات لا يخاطب بها من لا ينتمي إلى هذه الدولة أو تلك. وأمثال ذلك مما يترتب على هذا العنوان.
المؤمنون الذين يقولون أننا نؤمن بالله -عز وجل- في دائرة الأديان السماوية، ونؤمن بعد ذلك برسول الله محمداً (صلى الله عليه وآله) في دائرة المتدينين بدين الإسلام. يجب أن يعرفوا أن هذا الإيمان هو هويته. مثل ما أن لك هوية ترتبط بانتمائك إلى هذا البلد، أو تنتمي إلى هذه الأسرة، أو إلى هذه البلدة، أو إلى هذه المنطقة، أو إلى هذه المؤسسة. كذلك حينما تنتسب إلى هذا الدين فإن لك هوية يُفترض أن تشخّص هذه الهوية بالنسبة لك وتسير على أساسها وإلاّ سيختلط الحابل بالنابل ولا يعرف المسلم من غير المسلم، المسيحي من غير المسيحي، الهندوسي من غير الهندوسي، اليهودي من غير اليهودي. كيف يمتاز هؤلاء الناس؟ هذا الانتماء الديني والمذهبي لهؤلاء الجماعات والثقافي هو يشكل هويتهم التي لا يعيش أحدٌ من دونها.
ثانياً: أن هوية الإنسان المؤمن هي إيمانه ليس أي هوية أخرى. نعم، قد تتداخل الهويات يسمونها هويات صغرى، هويات فرعية. مثلاً أنت تنتمي إلى أسرة وأنت مؤمن، تنتمي إلى دولة وأنت مؤمن، تنتمي إلى مؤسسة معينة وأنت مؤمن، لا تتعارض هذه الهويات إلا بمقدار ما يتعارض نظام هذه المؤسسة، أو أعراف هذه القبيلة، مع دينك الذي تنتمي إليه. ونحن نفترض نحن مثلاً -بحمد الله- نعيش في دولة تؤمن بالإسلام، مجتمع يتديّن بالإسلام، وأنت كمؤمن تتديّن بالإسلام، فتتداخل هذه الهويات ولا تتعارض بأي شكل من الأشكال .
فإذاً أنت تحتاج إلى هوية، هويتك هي إيمانك. هذا الإيمان الذي يُشكّل هويتك يجب أن نفهم ونلتفت إلى أنه ليس مجرد شعارًا و شعار أجوف. كأن يتصوّر الإنسان اني إذا أردتُ أن أكون مسلماً أن أنطق بلا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). هذا المقدار لا يكفي، هذا يُخرج الإنسان في الظاهر من دائرة الكفر إلى دائرة الإيمان. لكن إلى جانب ذلك هناك عمل، الإيمان علمٌ وعمل.
علمك يعني؛ مجموعة من المفاهيم تتكوّن في ذهن هذا الإنسان فنسمّيه مؤمن. يؤمن بوجود الله، بوحدانيّة الله، بكمال الله. يؤمن بأن الله -عز وجل- أرسل الأنبياء وختمهم برسول الله (محمد صلى الله عليه وآله وسلم). ألزمنا الله بالصلاة، ألزمنا الله بالصيام. هذه معلومات يمكن للإنسان أن يعرفها ويؤمن بها لكنه لا يلتزمها من الناحية العملية. هذا مسلم لكنه لم يتحقق منه الإيمان. {قَالَتِ ٱلْأَعْرَابُ ءَامَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ..}! {وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلْإِيمَٰنُ فِى قُلُوبِكُمْ} أنتم ماذا؟ {قُولُوٓاْ أَسْلَمْنَا} يعني انتهى الإسلام بهذا المقدار يكفيكم. أما أن تقولوا أمن هذا بعد لم تصلوا إلى هذه المرحلة. فيجب أن يلتفت الإنسان المؤمن إلى هذا العنوان.
هذه المنطلقات الثلاثة تفتح لنا عناوين جزئية ترفد هذه المنطلقات الثلاثة، أذكر أربعة منها.
الأمر الأول: أنت في مسيرة الحياة لا تعيش خلوًا من المشاكل والمصاعب:
خلق الله -عز وجل- الناس في هذه الحياة وقد افترض أنه سيعيشون الكثير من المصاعب {أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت – 2]. الفتنة يعني الابتلاءات، الإنسان إذا تزوج ابتلي. المرأة إذا تزوجت ابتليت. الرجل إذا تزوج ابتلي يعني زادت أحماله زادت مسؤولياته. قبل أن يتزوج وقبل أن تتزوج هي، يستطيع الإنسان أن يأخذ راحته في كثير من الالتزامات، لكن بعد أن يتزوج الزم بالنفقة، الزم بالحقوق. وهي أيضاً ألزمت بسلسلة من الحقوق.
فإذاً هناك تحديات. كيف يواجهها هذا الإنسان؟ إيمانه هو الذي يحدد له الأُطر التي يفترض أن تكون هذه الأطر والضوابط بمثابة مقود السيارة، بمثابة البنزين والوقود للسيارة، بمثابة مكابح السيارة، أحيانًا لا يصلح أن تسير سيراً بطيئاً وإنما يجب أن تسرع، تضغط على البنزين. يحتاج أن تخفف تضغط على المكبح. يحتاج أن تضبط حركة السيارة حتى لا تتجه إلى اليمين أكثر من اللازم، أو اليسار أكثر من اللازم، أو تنعطف في هذا الاتجاه أو ذاك الاتجاه، تحتاج إلى المقود. ومع هذه الأمور تحتاج إلى ذهن مركّز، ذهنك إذا لم يتركّز لا تستطيع أن تستفيد من هذه الضوابط. الإيمان كذلك، أنت بحاجة لكي يضبط سلوكك في دوائر في الدوائر الضيقة والدوائر الأوسع تحتاج إلى الإيمان.
ُيقال أن شخصاً ريفياً دخل على أحد العلماء فوجد خلفه كتب كثيرة. هذا ببساطته ولعله مثل يضرب قد لا يكون له واقعية -الله اعلم-. لكن ينقل، قال -هذا الريفي- خاطب العالم قال أنا أعلم بكل ما في هذه الكتب. فالعالم ابتسم، قال ماذا في هذه الكتب؟ قال كل هذه الكتب تريد من عندك يصير “خوش آدمي”. صحيح هذا كلام هذا الريفي كلام سليم لكن شأن العالم لما يتعلم يعرف تفاصيل كيف تصير خوش آدمي. العنوان خوش آدمي الكل يحسنه حتى الطفل الصغير يحسن أن تكون رجلا طيبا كن إنسانا طيبا. لكن أليس للطيب تفاصيل؟ يعني مثلا كيف تتعامل مع فلان؟ يعطيك شخص نظرية ويعطيك شخص نظرية أخرى وآخر ثالث يقترح لك أسلوبا ثالثا، ورابع يقترح أسلوبا رابعا. كيف نوفق بين هذه الأساليب؟ إذا تعارضت هذه الأساليب والتفاصيل! يعني مثلا بعضهم يقول العقل يكفي. العاقل لك أنت ملزم أخلاقياً وعقلائياً بأن تشكر الله -سبحانه وتعالى-. لكن كيف تترجم شكر الله؟ كيف يلزمك أو كيف تنفذ عبودية الله عز وجل؟ العقل يقول أنا أعطيك الإطار العام، أنا أقول لك أشكر ربك. كيف لا أستطيع؟ كيف تعبد ربك؟ لا أستطيع. هنا يأتي دور المُشرع وهو الله عز وجل. قال تعبدني بهذه الطريقة.
إبليس على ماذا اعترض؟ اعترض على السجود. الله -سبحانه وتعالى- لما خلق آدم قال إذا خلقنا آدم: {نَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ} [ص – 72]. إبليس شغل مخه، شغل عقله. قال ليس معقول أنا أعبدك؟! ثم اسجد لآدم! أنا خيرٌ منه. يعني يفترض بأن يكون المسجود له أعلى شأنا من الساجد وأنا أرى في نفسي أفضل ممن أمرتني بأن أسجد له. هو ربط ربطاً غير منطقي، وبنى على مقدمات ليست مقدمات صحيحة. من قال بأن السجود مربوط بهذه المقدمات التي ذكرتها؟ ما دام أن الله عز وجل هو الآمر، لا مانع من أن يكون أن يمتحن الله عز وجل الفاضل بأن يطيع المفضول.
مثلاً هذا الطبيب الأكثر خبرة بالطب هو أعرف بما يصلح للمريض أو لا يصلح. لكن حينما يئن المريض من الألم، ألا يجد الطبيب نفسه ملزمًا بأن يستجيب هذا المريض الذي هو أفضل منه طبياً؟ نعم، هو أفضل منه طبيا. لكن رغبة المريض صارت أكثر إلحاحًا وألزم في الاستجابة لها من رأي الطبيب؛ لأن الذي يعاني من الألم هو المريض، فليس دائماً أن يكون هذه القاعدة التي بنى عليها إبليس.
وإن كان آدم الذي أمر الله عز وجل الملائكة أن يسجدوا له هو خيرٌ منه. والذي خلق من النار ليس بالضرورة هو أفضل من الذي خلق من الطين؛ نحن نتكلم أن أصل التأصيل الذي بنى عليه إبليس لم يكن تأصيلاً صحيحاً، فإذا هناك تحديات.
الأمر الثاني: الإنسان يعيش مشاعرًا متضادة، ترضى وتغضب:
حالاتك وما ينبغي أن تفعله في حالة الرضا، ليس مساويا لما ينبغي أن تفعله في حالات الغضب. في حالات الرضا ينبسط وجهك، في حال في حالات الغضب لو أن وجهك انبسط الطرف الآخر ما فهم أنك مغضب. كيف تعبر للطرف الآخر أنك غير راضٍ؟ نظرتك تختلف، حين الرضا نظرتك تختلف عن نظرتك حين الغضب، مصافحتك لمن تحب تختلف عن مصافحاتك لمن لا تحب؛ هذه تعابير كما يسمى اليوم بلغة الجسد. مشاعر الإنسان تفرض على الإنسان سلوكيات مختلفة. ما الذي يضبط هذه المشاعر الإيمان؟
الأمر الثالث المواقف المتعارضة:
الإنسان إذا وافق أو خالف، تعبيرك عن الموافقة يختلف عن تعبير موقف الموافقة، الموافق تختلف طريقته وتعبيره، والمخالف يختلف عن الأسلوب الأول. كيف ننظم هذا؟ نحن نقول الإيمان وسأضرب على ذلك مثال برواية.
الأمر الأخير: هو أن الإيمان بضبطه للسلوك يشكّل لك شبكة أمان.
كيف الإنسان يهتم اليوم بأن يحمي منزله حتى لا يتعرض للسرقة؟ يضع الأبواب المناسبة الإقفال المناسبة. الطول، والأبعاد المناسبة، كل هذا يدرس حتى لا يتعرض لأذى من يؤذيه، في سيارتك قد تختار السيارة التي هي أنسب وينبغي لك أن تختار السيارة الأنسب لطبيعة عملك. هل تسير في شوارع منضبطة؟ عند من يقودون السيارات بطريقة منضبطة أو تسير في منطقة. بطبيعة هذه المنطقة تعرضك للخادشات والضربات ستختار السيارة، وهناك بطريقة وهناك بطريقة أخرى. الإيمان هذا هو دوره، يعطيك تفاصيل ما ينبغي أن تفعله الأطر العامة والتفاصيل.
مثلاً في الرواية وقد رُوي هذا المضمون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن الأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام أذكر نموذجين.
في الرواية عن أبي حمزة الثمالي عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين بن علي (عليه السلام) عن أبيها «قال: قال رسول الله ص ثلاث خصال من كن فيه استكمل خصال الإيمان»
الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له.
في الرواية عن أبي حمزة الثمالي عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين بن علي عليهما السلام عن أبيها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ثلاث خصال من كن فيه استكمل خصال الإيمان– هنا لا يتحدث عن أصل الإيمان في هذا اللفظ يتكلم عن كمال الإيمان. قد يتحقق الإيمان لكن لا يكمل. كيف يكمل؟ هذه لأن الإيمان مراتب.
الكفر مراتب الإيمان مراتب الإسلام مراتب- «الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل» -بعض الناس ينساق وراء مشاعره، كما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: حبك الشيء يعمي ويصم. تجد الناس هذا يأكل هذا الأكل آخر لا يأكل هذا الأكل. السبب ما هو؟ الرضا والسخط. هذا يقترب من فلان وهذا لا يقترب منه. هذا يرضى عنه وهذا لا يرضى عنه. فالرضا والسخط يؤثران تأثيراً كبيراً على سلوك الإنسان لكن يفترض بالإيمان أن يكون هيمنته أكثر من هيمنة رضاك وسخطك. مشاعرك تنحيها جانباً، تستجيب لمشاعر الرضا والسخط في حدود أن لا تتعارض مع الإيمان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا..} إلى أن يقول: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ} لأن هذا الطرف الآخر حينما تشنونه أي تبغضه وقد يكون الشنآن من مراتب العداوة الكبيرة تكتم شهادة يحتاجها هذا الإنسان الذي لا تحبه. نعم! بعض الناس يقول نعم. إذا كانت الشهادة تصب في مصلحة هذا الإنسان الذي لا يبغضه يخيط فمه لا يتكلم لأنه يقول فلان سيستفيد. هذا فضلاً عما لو زور الواقع على خلاف مصلحة هذا الإنسان لأنه لا يحبه، هذا خلاف الإيمان وخلاف التقوى.
«الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل» وهذا نتعرض له، في بيتك تتعرض له، في دائرة العمل تتعرض له. تكون مسؤولاً في مؤسسة معينة أو دائرة معينة وعندك موظف من الموظفين هذا الموظف لا تحبه لا ترضى عنه في التقييم إذا طلب منك أن تقيمه، لأنك ترضى عنه تسجل تقييمًا إيجابيّاَ وإذا لم ترض عنه تسجل تقييمًا سلبيًا! هذا خلاف العدل هذا خلاف الإيمان يثلم الإيمان بهذا المقدار.
«الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق» بعض الناس إذا غضب يصير كتلة من النار، يتوقع أن يصدر منه كل شيء. المؤمن لا يكون كذلك، المؤمن لأنه يعرف أن الحدة شعبة من الجنون إذا غضب، مسك أعصابه توقف لا يتكلم. ولذلك يستحب شرع إذا غضب الإنسان أن يغير، إن كان جالسا قام، إن كان جالسا اضطجع، يفعل يتصرف تصرف آخر يخرج من سيطرة الغضب عليه لأنه إذا غضب لن يتصرف التصرف السليم.
«وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له» التعاطي هو المباشرة. بعض الناس إذا صار ضعيفًا ًمستضعفًا تستطيع أن تأخذ منه كلّ شيء. لكن حذارِ أن يتمكّن! إذا تمكّن وصار مسؤول وصار صاحب القرار، يتصور أنه الآن تربع على العرش ويفعل ما يشاء في الناس، المؤمن لا يفعل ذلك، المؤمن تصرفاته في المسؤولية، وفوق المسؤولية، وتحت المسؤولية واحدة. المهمة التي توكل إليه يؤديها بأمانة، أما أن يخون هذه الأمانة ويستغل هذه المسؤولية التي أعطيت له هذا ليس أمرا صحيحاً.
الزوج والزوجة إذا اختلفا، بعض الناس يتصور يقول المرأة لا تطيعني! -وقد ذكر لي ذلك من الذين راجعوني في مسألة خلاف زوجي- قال هي لا تطيعني! قلت له لحظة كيف لا تطيعك يعني؟ الشرع هل ألزمها أن تطيعك به التعبير؟ {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلْأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء – 59] هذه الطاعة المطلقة؛ أما الزوج لا يجب طاعته مطلقاً، يجب طاعته في حقوق الزوجية. الزوج أيضاً يجب عليه أن يطيع زوجته في الحقوق الزوجية التي ألزمه بها الشارع. أما لا تطيعني! هذا نوع من أنواع الاستبداد يمارسه الزوج في حق المرأة! استضعاف للمرأة. وكذلك الآباء، بعض الآباء يمارس هذا التصرف في حق أولاده، فينفرّهم متى ما كبروا استضعفوه وقٌلبت الآية عليه، هذا يخرج من دائرة الإيمان «وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له».
الإمام الباقر -عليه السلام- هذا المضمون نفسه لكن بألفاظ أخرى تختلف عن اللي ذكرناه عن كمال الإيمان اقرأها بشكل سريع. يقول: «إنما المؤمن» يحصر وكأن غير هذا ليس من المؤمنين، أيضا يقترب من المعنى الذي ذكره النبي (صلى الله عليه وآله) لما يقول إنما المؤمن كذا يعني إنما المؤمن الكامل لا يكمل الإيمان.
«الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق والمؤمن الذي إذا قدر لم تخرجه قدرته إلى التعدي وإلى ما ليس له بحق». فالإيمان إذاً هو ما يضبط سلوك الإنسان في القول وفي الفعل. لذلك مطلوب منا أن نؤمن إذا أردنا أن نضبط السلوك، لكن أي أي إيمان؟ الإيمان الذي يجمع أمران اثنان علمك الفقه والتعرف على ما يجب ويلزم والحقوق والواجبات والترويض للنفس حتى يتيسر للإنسان أن يطبق هذه المعلومات والمفاهيم التي تعلمها على سلوك الحياة.
نسأل الله عز وجل أن نكون وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.