حديث الجمعة

«مودة القربى – زيارة الإمام الحسين (ع) نموذجاً» – يوم الجمعة ١٩ صفر ١٤٤٤ هـ

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «مودة القربى – زيارة الإمام الحسين (ع) نموذجاً» يوم الجمعة ١٩ صفر ١٤٤٤ هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

 

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين. 

 

رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي،

 

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإنه القائل- عز وجل-: {ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}

 

الله سبحانه وتعالى حينما يأمر العبد بأمر أو ينهاه عن نهي فإنه إنما يفعل ذلك لحكمة ومصلحة. وهذه المصلحة لا بد أنها ترجع إلى العبد وليس إلى الله. لأن الله – عز وجل – غني حميد، لا يحتاج مطلقاً، ولا يحتاج إلى أن يفعل العبد فعلاً حتى يكون – سبحانه وتعالى – محموداً، وحتى يكون متكاملاً، فالكمال طبيعة ذاته. 

فالتقوى حينما يأمرنا الله – عز وجل – بها بمختلف مفرداتها وتفاصيلها، إنما يرجع نفع ذلك إلينا لا إليه، فحينما يقول – عز وجل -: {وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات – 56] ليس لأن العبادة تنفعه وإنما تنفعنا. نحن بأمس الحاجة إليها. 

في هذا السياق هناك آيات عديدة اخترت منها آيتين ترتبطان بالعنوان الذي اخترناه عنواناً لهذه الخطبة – وهي: مودة القربى – زيارة الإمام الحسين- عليه السلام- نموذجاً -.

يقول- عز وجل- في سورة الشورى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)}.

هاتان الآيتان ليستا الآيتين الوحيدتين في القرآن الكريم التي اختلف المفسرون فيما هو المقصود من هذه الجمل، ومن هذه المفردات، ويعنيني منها بدرجة خاصة قوله -عز وجل-: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}.

الإنسان إذا عمل سنّ الله -عز وجل- أن له استحقاق الأجرة على ذلك العمل، وهو ما يسمى بالجُعل، أو ما يعرف بالأُجرة، سواء كانت هذه الأجرة نقداً أو عيناً مالياً ما شيئاً من المال أو شيئاً من الاعتبار. الأنبياء جميعاً ما كانوا يسألون الناس أجراً من الناس لأن أجرهم مذخور عند الله -عز وجل-.

كذلك النبي (صلى الله عليه وآله) يبين للناس وللمؤمنين خاصة أنه حينما كلّفه الله – عز وجل – بما كلفه به وأدى ما أداه بشكل مرضي {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى – 5] لم يفعل ذلك، مأمورٌ هو أن يقول هذا: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} إن أجري مضمون عند الله.

نعم، هناك شيء هو يكون من أجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكن نفعه أيضاً يرجع إلى الناس لا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهي مودة القربى.

والاختلاف في التفسير. هناك من قال بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخاطب المشركين لمَّا عاندوه وخاصموه وكانوا قومه الذين هم عشيرته الأبعدين -أي قريش- واشتدت خصومتهم له طالبهم بأنه إن لم يؤمنوا به فليحفظوا قرابته منهم. حتى قالوا أن جميع عشائر قريش وفروع قريش كان لها نسبة إلى رسول الله – وهذا مجال الحديث فيه طويل – ليس كل فروع قريش كان لها اتصال نَسبي بهذا المعنى برسول الله (صلى الله عليه وآله).

لكن غفل أصحاب هذا الرأي أن الآية تتحدث – الآيتان كلتاهما – تقول: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الحديث ليس عن المشركين وأنكم أيها المشركون خففوا من خصومتكم وعلى أقل وعلى أقل التقادير لا تؤذوني فأنا قريب منكم وبيني وبينكم رحم. 

الآية الثانية أيضاً يقول: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الحديث ليس مع المشركين ولا مع الكافرين. الحديث مع المؤمنين.

 أنتم أيها المؤمنون يا من آمنتم برسول الله واعترفتم له بالفضل وتريدون أن تقدموا له شيئاً يمكن أن يسمى أُجرة، أُمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يخبرهم بأن الأُجرة:

 أولاً: أنا لا أطالبكم بالأجرة.

 وثانياً: ما الذي يستطيع الناس أن يقدموه إلى رسول الله حتى يعد أجرة له على انتشالهم من الجاهلية إلى الإسلام وإخراجهم من النار إلى الجنة. 

لا يستطيع الناس أن يقدموا أجرة تعادل هذا الباب.

لذلك فسرها أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، وفي لا وعي الفقهاء والعلماء حتى الذين تبنوا التفسير الأول، يستشهدون بهذه الآية في مقام الاستدلال على وجوب -على ما أجمع عليه المسلمون- على وجوب مودة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام). حينما تسألهم ما هو الدليل يأتون بهذه الآية!

فإذن، الحديث ليس مع المشركين، الحديث مطلق بالخصوص مع المؤمنين. 

 

هناك أربع مسائل يمكن أن نشير إليها في هذه الآية.

 

أولاً – الإكرام الإلهي

الله – سبحانه وتعالى –  يعد المؤمنين بروضات الجنات. وهذا تعبير {ورضوان من الله أكبر} الجنة إنما يرغب الناس ليس من أجل أنها محل نعيم. بل الأهم في الجنة أنها تعبير عن رضا الله – عز وجل – عن هذا العبد الذي قدر له أن يكون من أهل الجنة.

المسألة الثانية – البِشارة الإلهية

الله – سبحانه وتعالى – بشَّر الناس من أجل أن يدفع بهم دفعاً، ويزجرهم زجراً، نحو الإيمان والعمل الصالح، ونحو أداء حق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمودة قرباه (صلوات الله وسلامه عليه).

فالرأي الأول كان يقول وقلنا هذا خلافاً حتى ما هو مرتكز في لا وعيهم. أن المطلوب من المشركين أن يراعوا قرابة النبي منهم، يعني الرحم.

الرأي الآخر الذي تبناه أهل البيت واتفق عليه المسلمون – في اللاوعي كما قلنا – هو مودة قربى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وبطبيعة الحال ليس المقصود من قربى رسول الله الذين جعل الله – عز وجل – مودتهم أجراً لرسول الله، ليس أمثال أبي لهب، وليس العصاة والفسقة الذين ينتسبون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنما الصالحون منهم. وفي الدرجة الأولى من خصهم الله – عز وجل – على لسان النبي بأن جعلهم أهل بيته في القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومنهم سيد الشهداء أبو عبد الله الحسين -عليه أفضل الصلاة والسلام- حتى اشتهر بين المسلمين ما لا يدفعه أحد «أحب الله من أحب حسيناً». فإذن، محبة الحسين طريق إلى نيل محبة الله، التي فيها ضمان الرضا والرضوان من الحق – سبحانه وتعالى -.

المسألة الثالثة- هي حق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) -والذي أشرنا إليه- أن له في أعناقنا جميعاً أجراً.

لأن هو حق علينا يقتضي ويلزمنا بأن نراعي هذا الحق بما يعد بما يمكن أن نسميه بالأجر الذي حدد في القرآن الكريم بأنه مودة القربى. فمن لا يود قرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس خصماً لأهل البيت بقدر ما يكون قد خاصم رسول الله، وقبل ذلك خاصم الله الذي جعل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الحق.

المسألة الرابعة – هي مودة القربى: ماذا تمثل وفقا للآية؟

قال: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا} [الشورى – 23] مودة أهل البيت وتوليهم صلوات الله وسلامه عليهم وقد جاء في ذلك نصوص هي الحسنة المقصودة في هذا. لأنه ليس المقصود أن {ومن يقترف حسنة}، يعني كل من يفعل فعلا حسنا يزد له الله – عز وجل – فيها حتى يأتي أحد ويقول الكفار يفعلون أعمالا حسنة؟!

إن للقرآن الكريم منطقه الخاص في تحديد الحسنات والسيئات. الحديث المشهور عن (النبي صلى الله عليه وآله) يقول «إنما الأعمال بالنيات». الكافر إذا عمل عملاً ظاهره الحُسن لما لم يقصد به وجه الله فإنه لا يعد عند الله – عز وجل – عملاً حسناً. نعم، هو عند الناس كذلك لكن الميزان عند الله – عز وجل –  هو ما يكون حسناً عنده – سبحانه وتعالى -.  وأما الظاهر لا يكتفى به، والآية القرآنية تقول {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ} [الإسراء – 84].

الرازي يعلق على هذه الآية -لا بأس أن نأتي بكلامه- قال: «واعلم أن هذه الآيات دالة على تعظيم حال الثواب من وجوه». نذكر وجهين «الأول: أن الله سبحانه رتب على الإيمان وعمل الصالحات روضات الجنات» يعني جعل روضات الجنات في مقابل الإيمان والعمل الصالح «والسلطان الذي هو أعظم الموجودات وأكرمهم إذا رتب على أعمال شاقة جزاء دل ذلك على أن ذلك الجزاء قد بلغ إلى حيث لا يعلم كنهه إلا الله» [مفاتيح الغيب للرازي]. 

هذا ينفعنا – هذا الكلام كلاماً مني أنا أعلق على كلام الرازي – هذا ينفعنا في الذين يستوحشون من الثواب الذي ادخره الله – عز وجل –  لتولي أهل البيت ولزيارة الإمام الحسين. 

الرازي ينتهي إلى هذه النتيجة «ذلك الفضل من الله» والآية القرآنية تقول: {نزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا}. صحيح أن المؤمن زار الإمام الحسين هذه الزيارة التي يعرفها الناس لكن فضلها ما هو؟ الله -سبحانه وتعالى- يقول: {ولدينا مزيد}

الثاني – قول الرازي -: «أنه تعالى قال {لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ} [الزمر – 34] وقوله {لهم ما يشاؤون} يدخل في باب غير المتناهي». يعني الفضل الذي يرجوه المؤمن كل ما يرجوه المؤمن الله سبحانه وتعالى يؤتيه إياه إذا فعل هذه الحسنة طبقاً لهذا الوعد الذي جاء في هذه الآية لأنه لا درجة إلا والإنسان يريد ما هو أعلى منها.

 

هنا أيضاً ينفتح لنا باب من الآية الشريفة أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) شرطٌ للإيمان أن لا يتصور أن أحداً يصنف في ميزان الله عز وجل أنه من المؤمنين دون أن يحب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). 

وفي الرواية عن أنس بن مالك كما يرويها أحمد بن حنبل في مسنده. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -وآله مني-: «لا يؤمن أحدُكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» 

هذا متفق عليه بين المسلمين يعني لابد لأن النبي صلى الله عليه وآله أولى بنا من أنفسنا فإذا كانت نفسك محبوبة لك، لابد أن تكون نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحبَ إليك من نفسك. 

ولو أننا وفقنا وكنا من الذين عاصروا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعرض شخصه للخطر أيهما يجب المحافظة عليه؟

 يجب أن تُعرض نفسك للخطر وتحامي عن الرسول. 

أما الذين يفرون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد انخدش إيمانهم لأنهم تركوا رسول الله في معرض الخطر وقدموا أنفسهم عليه. في مثل هذه الحالة لا يصدق عليهم أنهم ممن أحب النبي (صلى الله عليه وآله)!

وفي كتاب [الأحاديث المختارة] للمقدسي من علماء القرن السادس والسابع عن ابن عباس بإسناد حسن. قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله  وسلم: «أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني بحب الله. وأحبوا أهل بيتي بحبي». 

الحديث ماذا يقول؟ 

يقول إن الله – عز وجل – ينعم عليكم فهو مستحق لأن تحبوه لأنه المنعم عليكم. ثم يفرّع الرسول صلى الله عليه وآله، يقول: «وأحبوني بحب الله». وهذا يكشف عن أن لنعم الله قناة فيض. من هو؟ 

شخص النبي صلى الله عليه وآله. ثم يفرع: «وأحبوا أهل بيتي بحبي» يعني بعد رسول الله قناة فيضِ نعمِ الله – عز وجل – من هم؟ 

أهل البيت عليهم (أفضل الصلاة والسلام). 

وفي كتاب [فضائل الصحابة] لأحمد ابن حنبل أيضاً عن ابن عباس قال: «لما نزلت قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى»

وهذا ينبه إلى ما ذكرناه من أن الذين اختاروا تفسير القربى بأنهم قرابة رسول الله منهم أو قرابة أنفسهم أو الأعمال القربية مطلقاً ليس مودة أو قرب أهل البيت هذا الحديث ينفي ذلك وأمثاله آخر. 

قال: «قالوا: يا رسول الله من قرابتنا هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناها» عليهم السلام.

ليست قرابتكم، قرابتي أنا – قرابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم-.

الطبري أيضاً يروي بسنده عن أبي الديلم صاحب [التفسير المشهور]، عن أبي الديلم قال: «لما جيء بعلي بن الحسين رضي الله عنهما أسيرا فأقيم على درج دمشق قام رجل من أهل الشام فقال الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قربى الفتنة. فقال له علي بن الحسين رضي الله عنهما: أقرأت القرآن؟ قال نعم؟! قال: أقرأت آل حم [يعني سورة الشورى]. قال قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم.

قال: ما قرأت قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى؟! قال: وإنكم لأنتم هم؟ قال نعم» [تفسير الطبري –  24 ص 16]. 

وهذا أيضاً نصٌ آخر ينفي التفسير الذي أراد بعض المفسرين أن يصرف الآية عما أراد الله – عز وجل – أن تكون إليه. 

 

الرازي أيضا يقول في تفسيره: «وأنا أقول آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هم الذين يؤول أمرهم إليه فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل، ولا شك أن فاطمة وعليا والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أشد التعلقات وهذا كالمعلوم بالنقل بالتواتر، فوجب أن يكونوا الآل»

يعني كونوا هؤلاء من الآل هذا الأمر لا خلاف فيه. 

قد يأتي أحد ويقول إن عنوان الآل يتسع ليستوعب آل فلان وآل فلان وآل فلان، حتى قيل أن الأمة كلها هي آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! فيا أيها المؤمنون أحبوا بعضكم بعضا فإنكم جميعا آل رسول الله! وهذا كلام لا ينبغي الالتفات إليه.

بعد هذا، نقول هل هناك فرق بين مودة القربى بين أن يكونوا في حال الحياة أو بعد الممات؟ الجواب لا يختلف في هذا أحد أنه لا فرق بين الذي يجب محبته بين أن يكون حيّاً وبين أن يكون ميتاً وإلا لكان ذلك شاملاً للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن الله – عز وجل – قال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر – 30]. فإذا مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يلزم الناس أن يحبوه لأنه توفي وكان تجب محبته حيا. والدليل الذي يدل على أن عنوان محبة النبي (صلى الله عليه وآله) تشمل حياته وبعد مماته هو نفسه قائم على أن آله أيضا (صلوات الله وسلامه عليهم) مشمولون أو مشمولون بالمحبة كما أن النبي (صلى الله عليه وآله) كذلك أيضاً.

 هل يختلف أحد من المسلمين في أن زيارة قبور المؤمنين شكل من أشكال التعبير، إدخال السرور على قلب المؤمن. المؤمن كما يُطلب من المؤمن أن يدخل السرور على الإنسان المؤمن في حياته، مطلوبٌ منه أن يؤدي له هذا الحق حتى بعد مماته. ولذلك ندبت زيارة قبور المؤمنين من دون فرق بين أن يكون قبره قريباً أو بعيداً، فكيف إذا كان هذا المؤمن سيد المؤمنين وأحب الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

الشيخ ابن قولويه رضوان الله عليه في كتابه [كامل الزيارات] وهو من أهم الكتب المعتبرة عندنا، يروي بسنده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله -عليه السلام-. قال: بينما الحسين بن علي -عليه السلام-  في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله إذ رفع رأسه فقال له يا أبت ما لمن زارك بعد موتك؟ فقال يا بني من أتاني زائرا بعد موتي فله الجنة. ومن أتى أباك زائرا بعد موته فله الجنة. ومن أتى أخاك زائرا بعد موته فله الجنة. ومن أتاك زائرا بعد موتك فله الجنة»

وفي رواية أخرى، أيضاً يرويها ابن قولويه في هذا الكتاب عن علي -عليه السلام- قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله  وسلم يقول يا علي لقد أذهلني هذان الغلمان -يعني الحسن والحسين عليهما السلام- أن أحب أحداً بعدهما أبداً – يعني شغلني حبهما عن أن أحب غيرهما يعني المحبة الخاصة بهما – إن ربي أمرني أن أحبهما وأحب من يحبهما». جعلنا الله وإياكم ممن يحبهما.

وأيضاً يروي بسنده عن عبد الله ابن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله  وسلم يقول: «من كان يحبني فليحب ابني هذين فإن الله أمرني بحبهما». 

اقرأ هذا النص حتى نعرف أن هذه الزيارة، هذا العشق الذي يعبر عنه المؤمنون في زيارتهم للإمام الحسين في هذا الموسم ليس نابعاً من فراغ حتى يقول أحد ما هو منشؤه؟!

 حب الحسين مطلوب من جميع المسلمين، زيارة قبره مطلوبة من جميع المسلمين في الأربعين وغير الأربعين. لأن بعضهم يقول أن زيارة الأربعين لا أصل لها! هذا من يقول هذا الكلام هو لا يفقه فقه الإسلام ولا يعرف الحسين وحقه، ولا يعرف معنى الزيارة وما يثاب المؤمن عليه بشهادة هذه الروايات.

ويروي أيضاً بسنده عن أبي خديجة عن أبي عبدالله -عليه السلام- قال سألته عن زيارة قبر الحسين. قال: «إنه أفضل ما يكون من الأعمال». 

ويروي مرسلاً عن أبي بصير عن أبي جعفر – عليه السلام –  قال «إن من أحب أن يكون مسكنه الجنة ومأواه الجنة. فلا يدع زيارة المظلوم. قلت من هو؟ قال الحسين بن علي صاحب كربلاء. من آتاه شوقاً إليه وحباً لرسول الله. وحباً لأمير المؤمنين وحباً لفاطمة صلوات الله عليه وآله وعليهم أجمعين أقعده الله على موائد الجنة يأكل معهم والناس في الحساب».

وبسنده عن محمد بن أبي عمير عن من رواه قال قال أبو عبدالله – عليه السلام –  أو عمن روّاه يعني عمن روّى محمد بن أبي عمير هذا يوسع دائرة الزيارة حتى لا نكون وإياكم من المحرومين ممن لم يكتب لهم أن يكونون من الزائرين عن قرب. هل يسقط حق الحسين بزيارته من بعد؟ الجواب، كلا فضل الله -عز وجل-  يشملنا كما يشمل أولئك.

وإن كان لأولئك خصوصية لكن الذين بعدت بهم الشقة لأي سبب من الأسباب فإن هذا الحق مكفول له بفضل من الله – عز وجل -. 

قال «إذا بعدت بأحدكم الشقة ونأت به الدار فليعل أعلى منزله فيصلي ركعتين وليومِ بالسلام إلى قبورنا فإن ذلك يصير إلينا».

فلا يحرمن المؤمن نفسه من زيارة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام ليس اليوم، يوم الجمعة من مستحباته الزيارة. ليلة الجمعة من مستحباته الزيارة، في كل يوم يستطيع الإنسان أن يفعل هذا، يصعد أعلى منزله ويومي إلى قبورهم عليهم أفضل الصلاة والسلام، ويسلم عليهم.

وفي رواية يرويها الشيخ الصدوق رحمه الله باسناده في الأمالي عن عبدالله بن الفضل الهاشمي قال: «كنت عند أبي عبد الله – عليه السلام – جعفر بن محمد الصادق -عليه السلام- فدخل عليه رجل من أهل طوس، فقال له يا ابن رسول الله ما لمن زار قبر أبي عبد الله الحسين ابن علي -عليه السلام- فقال له يا طوسي من زار قبر أبي عبدالله الحسين ابن علي -عليه السلام- وهو يعلم أنه إمام من الله، مفترض الطاعة على العباد، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقبل شفاعته في سبعين مذنباً. ولم يسأل الله عز وجل عند قبره حاجة إلا قضاها له». 

لذلك نقول بملء الفم: هنيئا لمن وفق لزيارة الحسين كتبنا الله وإياكم من زواره ولا حرمنا شفاعته والوصول إلى تلك الديار الطيبة وأن يتقبل من الجميع ويحفظهم من كل سوء. 

ينبغي لنا دائما إخواني وأخواتي الأعزاء نضع زيارة الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام في الليل والنهار وذكره وردا على ألسننا لأن الحسين -عليه أفضل الصلاة والسلام- هو الذي قال في حقه رسول الله: «حسين مني وأنا من حسين» وهو الذي قال رسول الله: «أحب الله من أحب حسيناً».

من وفق لأن يعمر قلبه بحب الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام فإن أبواب الخير أمامه مفتوحة، أبواب الخير في حدود الجنة. ولذلك ينبغي أن يستحضر ذكره وينبغي ألا يغيب عنا صغاراً وكباراً. 

نسأل الله -عز وجل- أن يتقبل من الجميع، وأن يأجرنا وإياكم في مصابنا بأبي عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه-. 

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. 

 

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً.

 

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *