حديث الجمعة

أهمية التفقه في الدين في صناعةِ الإنسان (2) – يوم الجمعة 28 شوال 1444 هـ

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «أهمية التفقه في الدين في صناعةِ الإنسان (2)» يوم الجمعة 28 شوال 1444 هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

بسم اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيدِ الخلقِ وأشرف الأنبياءِ والمرسلين محمدٍ بنِ عبدِ اللهِ وعلى آلِهِ الطيبين الطاهرين.

ربِّ اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي.

***

عبادَ اللهِ! أوصيكم – ونفسي – بتقوى اللهِ، ولا تقوى بدونِ عملٍ، فإن اللهَ تعالى يقول {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39].

وإن الناسَ مختلفون في أعمالِهم فقد قال تعالى {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4]، فأخيارٌ أبرارٌ، وأشرارٌ فجارٌ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى} [الليل: 5 – 13].

ولكي يكونَ الإنسانُ ممن يُيسَّر لليسرى – وهي الجنةُ وأسبابُها – يلزمه الإجابةُ عن مجموعةِ أسئلةٍ، هي: كيف يكون العطاءُ؟ وما هي شروطُهُ؟ وكيف تكون التقوى؟ وما هي محدداتُها؟ وكيف يكون التصديقُ بالحسنى؟ وقبل ذلك ما هو المقصودُ بالحسنى؟

ولكي لا يكونَ الإنسانُ ممن يُيسَّر للعسرى – وهي النارُ وموجباتُها – يلزمُهُ الإجابةُ عن مجموعةِ أسئلةٍ، هي: ما هو البخلُ وحدودُهُ؟! وما هي أسبابُهُ ومظاهرُهُ؟ وما هو الاستغناءُ المستقبحُ في الآيةِ؟ ثم ما هو التكذيبُ بالحسنى؟

وإن من المعلومِ أن تلكم الإجاباتِ لا تُنال بدون علمٍ وتفقهٍ، وهنا تكمن أهميةُ التفقهِ، وضرورتُهُ، وضررُ التقصيرِ فيه وإهمالُهُ.

وقد ذكرنا في الأسبوعِ الماضي أن ما نعينه بالفقهِ هو البصيرةُ بتعاليمِ الدينِ ومعارفِهِ، وليس ما اصطُلِح عليه في الحوزاتِ باستنباطِ الأحكامِ من أدلتِها التفصيليةِ.

أيها المؤمنون والمؤمنات!

إن من الآفاتِ التي تفتك بالإنسانِ هو أن يفتقدَ الفقهَ اللازمَ بما لا يُستغنى عن الفقهِ فيه، كالحقائقِ المرةِ؛ فكما أننا نبتهج بالحياةِ فليس لنا أن ندسَّ رؤوسَنا في الترابِ ونعتقدَ أننا مخلدون، قال تعالى – مقرعاً جماعةً ممن لا يفقهون، ومحرضاً على الفقهِ والتفقهِ – { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 78، 79].

فالفقهُ بالدينِ والدنيا هو الذي يدفع بالإنسانِ نحوَ استيعابِ حقائقِ الواقعِ، وتنظيمِ سلوكِهِ على أساسِها.

والتفقهُ هو الكفيلُ بأن يتعرفَ الإنسانُ من خلالِهِ على ربِّهِ عزَّ وجلَّ، وأنه الوليُّ المطلقُ، خلقاً، وتدبيراً، وأنه المثيبُ للأخيارِ بفنونِ الثوابِ، والمعاقبُ للأشرارِ بصنوفِ العقابِ، قال تعالى {.. قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام: 65].

فذوو البصائرِ الذين يفقهون هم – وحدهم – المؤهلون لأن يسلكوا الصراطَ المستقيمَ، والساعون في دروبِ التفقهِ هم المقصودون بالخطابِ الإلهيِّ، فقد قال تعالى {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} [الأنعام: 98].

وأما غيرُهم؛ ممن حرم نفسَهُ توظيفَ ما آتاه اللهُ من أدواتٍ للتفقهِ، وأساء التعاملَ معها باللهوِ والمتعِ الرخيصةِ، فقد أخبر اللهُ تعالى عنهم وعن سوءِ عاقبتِهم بقولِهِ {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179]

ثم إن المؤمنين – وهم الفقهاءُ والمتفقهون ذوو البصائرِ بمعارفِ الدينِ وتعاليمه – إن هؤلاء هم الذين يكتشفون ما أودعه اللهُ تعالى فيهم من مكامنِ القوةِ العلميةِ والعمليةِ، فيختصرون على أنفسِهم المسافاتِ الطويلةِ بطرقٍ مختصرةٍ، فينالون ما يُحرم منه غيرُهم ممن يجهل سننَ اللهِ، ويغفلَ عن مواهبِهِ، وفي ذلك يقول تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [الأنفال: 65].

فالتفقهُ هو الكفيلُ بأن ينتقلَ بالإنسانِ من حضيضِ الذلّةِ إلى قمةِ العزةِ، وهو الذي ينتشل الإنسانَ من ظلمةِ الجهلِ إلى نورِ العلمِ، أما المنافقون – وهم شريحةٌ ممن لا يفقهون – فإنهم {.. الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 7، 8].

والإنسانُ إذا قصَّر في التفقهِ بما يجب أن يتفقهَ فيه يبتلى بالتراخي عما يلزمُهُ العملُ به، حتى لو كانت المصلحةُ فيه ظاهرةً. وفي ذلك يقول الله تعالى عن جماعةٍ تخلفوا عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة: 81، 82].

عبادَ اللهِ!

إن من التحدياتِ المنصوصِ عليها في القرآنِ، هي أن يتقيَ الإنسانُ ربَّهُ، وأن يفعلَ الخيرَ، فإن اللهَ تعالى يقول {.. وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197].

فنحن – إذن – مأمورون بالتقوى، ومأمورون بفعلِ الخيرِ، والسبيلُ إلى هذا وذاك لا يُسلَك إلا بأن يتفقهَ الإنسانُ، ويفقهُ، ودون ذلك فإنه قد يفعل الشرَّ معتقداً أنه خيرٌ، ويهملُ الخيرَ بل قد يحاربُهُ ويحاربُ أهلَهُ بزعمِ أنه شرٌّ وأن أهلَهُ أشرارٌ، وما أكثرَ من يتبلى بذلك من الناسِ، وهذا ما حذر منه اللهُ تعالى بقولِهِ {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} [الكهف: 103 – 106].

فهذه فئةٌ من الناسِ إنما وقعوا في ما وقعوا فيه من عملٍ سيءٍ أولاً، ومهلكٍ ثانياً، بسببِ قلةِ فقههِم فاعتمدوا الحسبانَ والظنَّ، باعتقادِ أنه سبيلٌ علميٌّ، {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ..} [يونس: 36].

والآياتُ لا تنفي عن هؤلاء السعيَ، بل تثبتُهُ، لكنهم لَما قلَّ فقهُهم ساء اختيارُهم فسلكوا سبيلَ الضلالِ بدلَ الهدى، حتى انتهى بهم الحالُ إلى الكفرِ بما يجب الإيمانُ به، فغابت عنهم الحقائقُ مع وضوحِها، وقيامِ الحجةِ عليها؛ فإن اللهَ لم يكلف العبادَ أن يؤمنوا إلا بما قام الدليل عليه، قال تعالى {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ..} [الأنعام: 149]، وقال تعالى {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 4].

ثم إن هذا الفريقَ من الذين كفروا كانوا {.. يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ..} [الكهف: 104]، وهذا يعني أن المفاهيمَ تبدلت عندهم، فصار الحقُّ باطلاً، والباطلُ حقّاً، وهذا ناشئٌ من قلةِ فقهِهم.

وآخراً، فإن هناك مخاطرَ تترتب على قلةِ الفقهِ، وقد يبتلى بها، ومن ثم فإن اللازمَ هو التنبيهُ إليها، ومنها:

أولاً: النفاقُ والازدواجيةُ

فالنفاقُ والازدواجيةُ وهما صفتان قبيحتان، ولا يقع فيهما إلا من افتقد الفقهَ، حيث تتضخم ذاتُهُ في نفسِهِ، لكنه يجبن عن مواجهةِ المجتمعِ بحقيقةِ معتقدِهِ الباطلِ، فيصبحَ ذا وجهين ولسانين، يتظاهر بالإيمانِ والإسلامِ، وهو يبطن الكفرَ، وفي ذلك يقول اللهُ تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 8، 9]

ثانياً: المكرُ والكيدُ

فغيرُ المتفقهِ إذا وقع في حبالةِ النفاقِ يمارس المكر والكيدَ على الدينِ وأهلِهِ، وفي ذلك يقول اللهُ تعالى عن المنافقين – وهم شريحةٌ ممن لا يفقهون – {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: 7].

ثالثاً: المكابرةُ

فالإنسانُ إذا لم يتفقه في دينِهِ، ويعمل على أساسِ ذلك، قد يقع في رذيلةٍ أخلاقيةٍ هي من أقبحِ الرذائلِ وهي الكبرُ والمكابرةُ التي يعاقب اللهُ عليها بالطبعِ على القلبِ، وفي ذلك يقول تعالى {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأنعام: 25]، ويقول تعالى في موضعٍ ثانٍ {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} [الإسراء: 46].

وأما طريقُ الخلاصِ من هذه الآفاتِ فهو الاتعاظُ والحذرُ، وهذا يتوقف على سعيِ الإنسانِ في التفقهِ أولاً، والعملِ وفقاً له. قال الله تعالى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]

بل إن اللهَ تعالى ينهى عن السيرِ بغيرِ علمٍ، حيث يقول {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].

وأخيراً، فقد تظافرت النصوصُ الشرعيةُ على التعلمِ والتفقهِ، ببيانِ ثوابِ ذلك وثمراتِهِ، فقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال‏ “تعلموا العلمَ فإن تعلمَهُ حسنةٌ، ومدارستَهُ تسبيحٌ، والبحثَ عنه جهادٌ، وتعليمَهُ لِمن لا يعلمه صدقةٌ. وهو أنيسٌ في الوحشةِ، وصاحبٌ في الوحدةِ، وسلاحٌ على الأعداءِ، وزينُ الأخلاءِ، يرفعُ اللهُ به أقواماً يجعلُهُم في الخيرِ أئمةً يُقتدى بهم، تُرمَق أعمالُهم، وتُقتبَس آثارُهم، ترغب الملائكةُ في خِلتِهم، يمسحونهم بأجنحتِهم في صلاتهم؛ لأن العلمَ حياةُ القلوبِ، ونورُ الأبصارِ من العمى، وقوةُ الأبدانِ من الضعفِ، ويُنزِل اللهُ حاملَهُ منازلَ الأبرارِ، ويمنحه مجالسةَ الأخيارِ في الدنيا والآخرة. بالعلمِ يُطاع اللهُ ويُعبَد، وبالعلمِ يُعرَف اللهُ ويُوحَّد، وبالعلمِ توصل الأرحامُ، وبه يُعرف الحلالُ والحرامُ، والعلمُ إمامُ العقلِ، والعقلُ تابعُهُ، يلهمه اللهُ السعداءَ ويُحرَمه الأشقياءُ”[1].

 

جعلنا اللهُ وإياكم من المتفقهين، وممن يستمعون القولَ فيتبعون أحسنَهُ.

***

اللهم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ.

اللهم كن لوليك الحجةِ بنِ الحسنِ، في هذه الساعةِ، وفي كلِّ ساعةٍ، وليّاً، وحافظاً، وقائداً، وناصراً، ودليلاً، وعيناً؛ حتى تسكنَهُ أرضَك طوعا، وتمتعَهُ فيها طويلاً.

اللهم انصر الإسلامَ والمسلمين، واخذل الكفارَ والمنافقين.

اللهم مَن أرادنا بسوءٍ فأرده، ومَن كادنا فكِده.

اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وأغنِ فقراءَنا، وأصلِح ما فسَد من أمرِ دينِنا ودنيانا، ولا تُخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا، يا كريمُ.

وصلى اللهُ على سيدِنا ونبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِهِ الطيبين الطاهرين.

 

 

 

[1] أمالي الصدوق، وعنه: بحار الأنوار 1/166.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *